مناجيات مع ماركيز – 12


*لطفية الدليمي

ماركيز والجنرال في متاهة النهاية

استوليت على القلوب بفرادة نصوصك ومذكراتك وقوة حضورك . يذكر جيرالد مارتن، أنك بعد اكتشاف اصابتك “بسرطان الجهاز اللمفاوي” وعلاجك الناجح في لوس انجلس ظهرت كأنك أحد المناضلين الكبار الواقفين بوجه تقلبات الدهر وقد طمأنك جيرالد الذي شفي قبل ثلاث سنوات من المرض ذاته فاكتسبت أملا يانعا وواصلت العمل والعلاج، وبدأت تراجع ملاحظاتك عن مذكراتك في الوقت ذاته . كان جيرالد يدون سيرتك، وعدت للكتابة في مجلة كامبيو على مدى عقد تقريبا وتوجت كتابتك لها باجرائك حوارا مع “شاكيرا” وخصصت لك المجلة ركنا عنوانه “غابو يجيب” كنت ترد فيه على رسائل معجبيك . ولبثت تكتب فيه مقالات مستوحاة من اسئلة قرائك ،غير أن نشاطك الأساسي بقي منصبا على إنجاز كتاب مذكراتك الأجمل “عشت لأروي” وكنت تردد وأنت تجاهد لتنشيط ذاكرتك المتهاوية : إن من يودون كتابة المذكرات هم أناس شاخوا الى حد لايستطيعون معه أن يتذكروا شيئا.
لطالما كنت تهجو السلطة وأنت تصاحبها ، ونعلم أنك أحببت الكتابة والسلطة بنفس القدر، ولكنك جهرت بنقد السلطة عندما كتبت عن سيمون بوليفار محرر أميركا اللاتينية وكشفت خصوصيات أيامه الأخيرة و تخبطه بين رغبة الإختفاء و إعلان التخلي المتكرر عن السلطة في روايتك “الجنرال في متاهته” ، وجعلته يقول عبارة الديكتاتور الأخيرة حين يدرك أفول نجمه وكأنه يناجي مصيره:
– فلنعجل بالرحيل ، فمامن أحد يحبنا هنا. 
اُثارت روايتك هذه غضب العديد من دول أميركا اللاتينية لانك فضحت ضعفه وكوابيسه وشروده مما اعتُبِر مساسا بسمعة أهم وأبرز الرجال الذين أنجبتهم أميركا اللاتينية ،هل كنت تحاول تهديم القداسة والهالة المعظمة للسلطة في شخص مثل سيمون بوليفار؟
– كتبت عن انسان في أضعف لحظاته وهو يواجه اخفاقات حياته وهذه هي مهمة الروائي ، لست معنيا بنسف القداسة السياسية.
– لكنك صورته تمثالا من قش تحرقه الحشود الغاضبة في الميادين العامة كأي ديكتاتور . وكان هو يوغل في متاهة الغروب ضعيفا شاحبا ترتجف أصابعه لشيخوخة مبكرة فيسقط القدح من يده ويهمس للأطباء حين طلبوا منه الإدلاء باعترافه ووصيته : مامعنى هذا؟ هل حالتي سيئة لتحدثوني عن الوصية والاعتراف ؟؟ كيف أخرج من هذه المتاهة؟
اختزلت محنة السلطة بمصير الجنرال سيمون بوليفار المحاصر في متاهته بعد حروبه وثوراته وسلطاته الواسعة في دول أميركا اللاتينية المحررة ومغامراته العسكرية ومواجهاته مع اعدائه واستقالاته المتتابعة، وجعلته يصدر حكمه القاطع على الآخرين بأنهم خونة ، فعندما أبدى ملاحظة من أنه لم يسمع صياح ديكة الفجر منذ عقود قال له خادمه المخلص :
– هنا لاتوجد ديكة.
فعلق بوليفار : هنا لايوجد شيء ، هنا أرض الخونة.
– ترى هل كان أحد الرؤساء حاضرا في ذهنك لحظتها؟
– بل كان هو النموذج الكامل للسلطة في جموحها وأطماعها وانهيارها.
دعنا من بوليفار و أهل السلطة ، لقد اثار كتاب مذكراتك “عشت لأروي” اهتمام العالم كله وبيع منه في الاسابيع الاولى مليون نسخة وقد صدّرته بعبارتك الفاتنة “الحياة ليست ماعاشه أحدنا ، بل هي مايتذكره وكيف يتذكره ويرويه” . وقيل عن هذا الكتاب إنه كتاب تحقيق رغبة فهو يخفي كل ماهو سيئ ومؤذ في حياتك. 
– كان الكتاب رواية حياتي وقد أحبه العالم.
– لوّح شافيز بالكتاب خلال حديثه الاسبوعي المتلفز وحث الفنزويليين على قراءته ، ماهو تعليقك ؟
– وصل الكتاب الى كلنتون وملك وملكة أسبانيا أيضا.
يتبع
_______
*المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *