جورج شكّور : الملحمة الشعرية الحية



نجوى الزهار *


ضمن سلسلة نشاطاته الثّقافيّة والاجتماعيّة، توجّه مركز بيروت للدّراسات والتّوثيق، بتاريخ 19/1/2015، إلى منزل الشّاعر الكبير والأديب الأريب جورج شكّور، وفي جعبته كمّ من الأسئلة عن صديقيّه: العلايّليّ العظيم وعن رئيس جمهوريّة عبقر سعيد عقل؛ عملاقين من عمالقة الأدب والشّعر. فإذ بنا أمام عملاق ثالث.

غادرنا بعد وقت لم نحتسبه، مذهولين، مدهوشين من عظمة هذا الشّاعر الّذي أتحفنا بشعره وبلاغته، وأمتعنا بمعارفه وأدبه.

بين جورج شكّور والعلايّليّ:


– هلْ غادرَ الشّعراءُ من مُترَدَّمِ أمْ هلْ عرفتَ الدّارَ بعدَ تَوهُّمِ

طلب جورج شكّور يوماً من العلاّمة العلايّليّ شرح هذا البيت لعنترة بن شدّاد، فأجابه بأن الشرّاح قد استفاضوا في شرحه. بينما يرى شاعرنا جورج شكّور أنّ معنى تردّم أيّ طلل. ويشرح بأنّ معناه: “أفعلت أنت مثلهم أم توهّمت الدّار في هذا المكان؟”. فوافقه العلايّليّ على هذا الشّرح.

أشاد شاعرنا كثيراّ بالعلايّليّ العظيم وقال بأنّه ظاهرة لا تتكرّر. وعوض أن تمنحه الدّولة مبلغ ستّة ملايين ليرة شهريّاً لينصرف إلى تأليف المعجم، لم تكن تلتفت إلى أهميّة مشروع العلايّليّ اللّغويّ، حتّى صدّق أن يُقال مع الشّاعر عمر أبي ريشة:

– ما اعتادَ هذا الشّرقُ أن يُهدي إلى نبغائِهِ الأحياءِ أجرَ مناصرِ

بين جورج شكّور وسعيد عقل:


صداقة متينة جمعت بين الشّاعر الكبير جورج شكّور ورئيس جمهوريّة عبقر سعيد عقل استمرت نحو ثمانية وخمسين عاماً وقد قال فيها:

– هي الصّداقةُ حبُّ الرّوحِ لا الجسدْ عبيرُ جنّتِها باقٍ إلى الأبدْ.

أطلق سعيد عقل اسم خبير الجماليا على جورج شكّور، كما كتب له مقدّمة كتابه زهرة الجماليا قائلا: “خبير جماليا؟ أكثر ومطلع جمال…”

ويذهب الشّاعر شكّور إلى أنّ سعيد عقل كان أشعر الشّعراء، وليس الأخطل الصغير الّذي أيضأ كتب له مقدمة كتابه وحدها القمر.

جورج شكّور واللّغة العربيّة

تحدّث جورج شكّور عن أهميّة اللّغة العربيّة، لا سيّما بالنسبة إلى المسلمين. فهي وعاء القرآن الكريم، فضلاً عمّا تتمتّع به من سحر وألق، كما أنّ حروفها محصورة العدد وهي أكثر أبجديّات العالم إيجازاً. كما وابتكر شاعرنا حروفاً إضافية حتّى تصبح أبجديّة عالميّة.

وشدّد أيضاً على ضرورة التّفريق بين اللّغة والحرف، أو فصل اللّغة عن الحرف، وموضوع الحرف أكثر انتشاراً في العالم.

ملحمة الإمام الحسين:

أحبّ جورج شكّور شخصيّة الإمام الحسين كثيراً لأنّها تمثّل الوقوف مع المبدأ وعدم السعيّ إلى السلطة. وقد نظم نحو ثمانين بيتاً من الشّعر في تصوير الملحمة الحسيّنيّة، وبقي ثلاث سنوات متردّداً قبل أن ينجز هذه الملحمة، كما قرأ الكثير الكثير من الكتب عن الإمام الحسين حتّى لا يقع في أيّ خطأ تاريخيّ أو تحليليّ.

ملحمة الإمام عليّ:

لا غرو أن يحبّ جورج شكّور الإمام عليّ حبّاً جماً، فهو أبلغ البلغاء ولا يوجد مثله في تاريخ الأدب العربيّ، فقد كان يتمتّع بدقّة الكتابة فضلاً عن إعجاز اللّغة. وقد قال عنه:

“الإمام عليّ أحسن قوّة إلهيّة حلّت به ومعه اللّغة العربيّة”.

ويرى شكور بأنّه يشبه الإمام عليّ ببعض الصفات، وأهمها الاعتداد بالنّفس (أنا عليّ)، وسمّاها النّزعة الشّكّوريّة.

وقد كتب مقدّمة ملحمة الإمام عليّ سيادة المطران العلاّمة جورج خضر.

وعن سرّ تعلّقه بالرّسول عليه الصّلاة والسّلام وآل بيته يقول جورج شكّور:

“وجد الإنسان قبل أن توجد الأديان”.

كما أظهر حبّاً شديداً للسيّدة “زينب” ويتمنّى أن يكتب ملحمة عنها.

ملحمة السيّد المسيح:

يأمل جورج شكّور بأن ينجز ملحمة السيّد المسيح قريباً وذلك لإحلال التّوازن الثّقافويّ بين الشّخصيّات التّاريخيّة الخالدة.

وعندما سأله البطريرك هزيم عن سرّ تأليفه لملحمة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أجابه ممازحاً (لأنّي أرثوذوكسيّ).

وكذلك سأله البطريرك عن نسب السيّد المسيح إذا كان عبرانيّ أو آراميّ، أجاب:

” هو كلمة ” (وتلى الآية المذكورة في القرآن الكريم)، وهو يظنّ بأنّ هذا أفضل وصف للسيّد المسيح، وأنشد:

_ مَنْ كانَ مِنْ روحِ الإلهِ فلا يُسألُ عنْ نَسَبْ

جورج شكّور: 

– عملاق من عمالقة الشّعر.

– يرى بأنّ الشّعر ذوق رفيع وأنّه “كلّما قلّ الشّعر، قلّ الذّوق”، ويظنّ بأنّ الشّعر يجب أن ينسلك في الفنون الجميلة، بينما كان عند العرب صناعة.

– أنشد لعمر بن أبي ربيعة:

فبتُّ أُناجي النفسَ أينَ خباؤُها وكيفَ لِما آتي من الأمرِ مصدرُ

فدلَّ عليها القلبُ ريّا عَرَفْتُها لها وهوى النّفسِ الّذي كادَ يظهرُ

وأنشد أيضاً لأمرىء القيس:

أغرّكِ منّي أنَّ حبّكِ قاتلي وأنّكِ مهما تأمري القلبَ يفعلُ
في قريته المئتيّ، كان يجلس على العريشة، يقرأ القرآن ونهج البلاغة والشّعر. وكان كبار السّن، يجلسون تحت العريشة ويقولون “اسمعوا جورج عم يأدّن”.

– خبير بعلم القافيّة، وينظم الشّعر وفق البحور، وهو حريص جداً على هذا الأمر.

– انتقد من شرح الشّعر بالشّعر، فوقع بالنثر. فكان حريّ بهم أن يشرحوه نثراً، وخصّ بالذكر الإلياذة.

– رأيه بالزجل: لا يُكتب، وإن كُتب فكيف يقرأ؟ 

– نشأ بمنطقة رأس بيروت، وتلقّى علومه في مدرسة فيها من كلّ الطوائف.

– لم ينحاز إلى أحد، يفيض منه حسّ العروبة والوطنيّة.

– يحبّ الأسماء الجميلة وخاصة الأسماء كنجم الدّين، شهاب الدّين، شمس الدّين…

– أسماء أولاده: لواء، غسّان وهالة.

– تحدّث عن الخير والشّر، وعندما وصل إلى الخير أشار بيده إلينا، وأنشد:

صراعٌ يضِجُ بهذا الوجودْ

وينشَبُ ما بين خيرٍ وشرْ

بقلبي ضَمَمتُ شَتاتَ البشرْ

حدودٌ؟! هُنالِكَ تُمحى الحدود.

– نظريّته: الوحدة على الرّقيّ وتعدّد الرّقيّ. بالرّقيّ اتّحدوا لا بالرقى.

ختم منشداً:

أُطِلُّ على النّاسِ منْ فوقُ شاعرْ

كأنَّ الخليقةَ ملكُ يَدَيْ

وكأنيَّ في الكونِ دوماً أُغامرْ

وكلّ الأنامِ مَدى أصْغريّْ


* روائية من الأردن

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *