*دافيد آندلمان وشارلون بودولوفسكي
آسيا جبار، الاسم الأدبي لفاطمة – زهراء إملاين . ولدت في 30 يونيو/ حزيران 1936 في مدينة شرشال الجزائرية، غربي العاصمة . كاتبة جزائرية تكتب بالفرنسية، مؤلفة العديد من الأعمال الروائية، القصصية، الشعرية والبحثية . كتبت أيضاً للمسرح وحققت أكثر من فيلم .
تدور أعمالها حول تحرر المرأة، التاريخ، والجزائر وتعتبر جبار من أهم الكتاب الفرنكفونيين من ذوي الأصول المغاربية المؤثرين والمشهورين . في عام ،2005 تم انتخابها عضواً في الأكاديمية الفرنسية .
“أكتب مثل كثير من الكاتبات الجزائريات بروح متأججة ضد الرجعية وعداوة المرأة”، كما قالت . ولدت في عائلة تقليدية ميسورة إلى حد ما . والدها، طاهر املاين، أستاذ لغة فرنسية، تخرج في مدرسة المعلمين الإسلامية العليا: “رجل يؤمن بالحداثة والانفتاح والحرية” . والدتها، بهية صحراوي، تنتمي إلى إحدى قبائل بركان . درست في الكُتّاب ثم في مدرسة تابعة للإرسالية الفرنسية في مدينة البليدة، وحازت شهادة البكالوريا في عام ،1953 ثم واصلت دراستها في المدرسة العليا للمعلمين، وتخصصت في التاريخ . شغفت بالقراءة منذ صغر سنها، وسرعان ما أصبحت القراءة تمثل لها “الملاذ اللغوي” لأنها وكما ذكرت في كتاب مقالاتها الذاتية، الذي عنونته “تلك الأصوات التي تحاصرني”: “كانت القراءة والكتابة بتلك اللغة (الفرنسية) خلال الخمسينات وسيلة النساء الجزائريات للتحرر ونهل العلم والمعرفة، والخروج من دائرة النساء الحصرية”، وعن الكتابة: “أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان، أكتب على أمل أن أترك أثراً ما، ظلاً، نقشاً في الرمال المتحرّكة، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد” .
بدءاً من عام ،1956 لم تدخل آسيا جبار إلى لجان الاختبار، بسبب اضراب الطلبة الجزائريين . وفي عام ،1957 أصدرت أول رواياتها “العطش” . وبعد عامين، سافرت إلى المغرب وقامت بتدريس تاريخ المغرب الحديث والمعاصر في كلية الآداب في الرباط . في أول يوليو/ تموز ،1962 عادت إلى الجزائر، لكي تعمل أستاذة للتاريخ والفلسفة باللغة العربية في جامعة الجزائر، على الرغم من كونها معارضة لعمليات التعريب التي رسخها هواري بومدين منذ توليه حكم البلاد في منتصف الستينات ومن عام 1966 إلى عام ،1975 راحت تتنقل بين فرنسا والجزائر .
من عام 1995 إلى عام ،2001 عملت مديرة مركز الدراسات الفرنسية والفرنكفونية في لويزيانا في الولايات المتحدة الأمريكية .
في عام ،1999 انتخبت عضواً في الأكاديمية الملكية للغة والأدب الفرنسيين في بلجيكا .
منذ عام ،2001 تدرس الأدب الفرنسي والفرنكفوني في جامعة نيويورك .
من كتبها: “الذين نفد صبرهم” ،1958 و”أطفال العالم الجديد” ،1962 “الحب والهوى” (1985)، “بعيداً عن المدينة” ،1991 “نساء الجزائر فى مسكنهن” ،1992 “الجزائر البيضاء” ،1995 “وهران، لغة ميتة” ،1997″تلك الأصوات التي تحاصرني” ،1999 “اختفاء اللغة الفرنسية” ،2003 “لا مكان لي في منزل أبي” 2007 .
من أفلامها: “نوبة نساء جبل شنوة” (1977)، و”زردة أو أغاني النسيان” (1982) .
توفيت آسيا جبار في السابع من فبراير/ شباط وفيما يلي الحوار الأخير الذي أجرته معها المجلة الأمريكية “وورلد بوليسي جورنال” في عام ،2012 قام موقع “سلات” الفرنسي الشهير بنشره مترجماً من قبل بيرنجير فينو .
* في كتابك “أبيض الجزائر”، هناك الكثير من الإحالات إلى اللغة . لغتك الأمومية هي العربية . ما دور كل لغة (العربية والفرنسية) في عالم موسوم بتشظي اللغات والأمم؟
– ولدت في الجزائر في عام 1936 وقتذاك، كانت مستعمرة فرنسية . كان والدي يعمل أستاذاً للغة الفرنسية . كان جزائرياً، ويتحدث العربية في المنزل . في البداية، كنا نحيا في قرية صغيرة ضائعة بين الجبال، نتعلم، نتحدث ونكتب بالفرنسية في المدرسة، ولكن في البيت نتبادل الأحاديث بالعربية بما أن أمي تتحدثها فقط . فيما يتعلق بالعربية الفصحى، لغة القرآن، كان من النادر أن تجد أحداً قادراً على الكتابة بهذه اللغة . بعد ذاك، حينما بدأت أسافر، وجدت حالات مشابهة في البلاد المجاورة . فقد كانت تونس والمغرب أكثر استقلالاً من الجزائر، وأقل انغلاقاً تحت الرقابة الفرنسية . كان ضغط السلطة الفرنسية في المدارس أكثر قوة في الجزائر لأنها كانت مستعمرة حقيقية . في الجزائر، تعلم الفرنسية كان إجبارياً في المدارس . ومع ذلك كانت هناك نخبة تتحدث بالعربية الفصحى حينما يلتقي أفرادها مع بعضهم بعضاً، وبالتالي، وجد مستويان للغة العربية . عندما نسمع أحدهم يتحدث بالعربية، نعرف من فورنا مكانة الشخص الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع .
* ما الذي جرى للعربية في الجزائر بعد التحرير؟
– في الجزائر، بدأ تعليم العربية، ولكن مع الاستمرار في تعليم الفرنسية . لماذا؟ لأن الحكومة فهمت بعد كل شيء أن العربية الدارجة لغة بلدية، مستعملة في المقاهي والشارع . بينما أن العربية الفصحى لغة يمكن استعمالها في التواصل مع دول عربية أخرى، والفرنسية لغة للتواصل مع بقية العالم .
ولكن الحكومة، بعد الاستقلال، كان من الممكن أن تختار أي لغة أخرى غير الفرنسية . لماذا الفرنسية؟
– كانت الفرنسية هي اللغة التي تدرس من قبل في المدارس والناس أعتادوا عليها . مثلاً، يتحدث والدي بالعربية مع أصدقائه، ولكنه يبتاع الصحف الفرنسية . لم يزل مفهوم ازدواجية اللغة مستمراً حتى اليوم في الجزائر . إذ إن معرفة لغتين جزء من الثقافة الفرنسية، كما الممارسة الدارجة والأدبية للعربية .
* ولكن هذا ما جرى في جزء كبير من الوطن العربي
– للجزائر فقط شيء من الحساسية تجاه الشكل الأدبي للعربية، لأنها كانت مرتبطة بقوة بمستعمريها الفرنسيين، وهيمنة اللغة الفرنسية أزاحت اللغة العربية عن المدارس .
* ما هو، أو بالأحرى ما الذي يجب أن يكون عليه دور الحكومة في اختيار اللغات أو تعليمها في المدارس؟ هل للحكومة الحق في تقرير اللغة المتداولة في بلد ما؟
– في عام ،1962 حازت الجزائر استقلالها . صرح القادة القوميون الذين أسهموا في تحقيق هذا الاستقلال أنهم مزدوجو اللغة وقالوا إن شعبهم يتحدث الفرنسية مثل الفرنسيين . حتى في السجن، كان المساجين الذين كنت أقوم بزيارتهم يتبادلون الأحاديث بالعربية تارة وبالفرنسية تارة أخرى . وحتى اليوم يجرى ذلك في الجزائر، حينما يتحدث قادة البلاد إلى شعبهم، يتحدثون بالعربية ويستعملون حتى لهجة يوجهونها إلى أهل الشمال غير اللهجة التي يوجهونها إلى أهل الجنوب، ولكن حينما يوجهون حديثهم إلى أوروبا أو إلى الأوروبيين، يرجعون إلى الفرنسية . مثلاً، إذا لم أكن أعرفكما، أو لأنني امرأة، حتى وإن كنتما جزائريين، أتحدث إليكما بالفرنسية .
* هل تفضلين الكتابة بالعربية أو الفرنسية؟
– بالتأكيد الفرنسية . عربيتي ساذجة . في زمني، كانت هناك نخبة مسلمة، يرسل أعضاؤها أبناءهم إلى المدارس الفرنسية آملين أن يكونوا أطباء أو أساتذة . اليوم، بدأت المدارس تعلم “العربية الشعبية” إلى جانب العربية الفصحى، وبالتالي صغرت الهوة بينهما .
* ما دور الأكاديمية الفرنسية اليوم؟
– طرحت السؤال نفسه على نفسي بالضبط . لا أعرف دورها . أنتسب إلى المناقشات . نتناول كلمة ونختبرها تفصيلياً، ونستخدمها في سياقها، ونستعملها في جملة أو أخرى .
* فيما يتعلق بتجاوزات اللغة . . هل ترين أن اللغة العربية تراوغ الفرنسية؟
– تمتلك اللغة العربية، مثل اللغة الفرنسية، فوارق دقيقة . إنها لغة ثرية للغاية . من الممكن أن تتصرف مع اللغة العربية كما تتصرف مع الفرنسية . للغتين طبيعة متميزة . حينما أتحدث مع مجموعة عربية، ألاحظ أن العربية لغة حديثة للغاية، وليست لغة قديمة . فضلاً عن ذلك، اللغة الفرنسية التي استعملها كلاسيكية للغاية، لغة فصحى للغاية . في اللغة العربية، هناك فوارق دقيقة دوماً ليس في دلالات الكلمات وإنما في مختلف مستويات المجتمع، وهو ما تعمل اللغة على كشفه .
* تمتلك اللغة الفرنسية مؤسسة تسعى إلى الحفاظ على فصاحة اللغة . هل تقترحين المؤسسة نفسها للغة الإنجليزية أو اللغة العربية، لضمان فصاحتهما؟
– اللغة شيء حي . تظهر وجهها الجميل إذا كنتما كيّسين أو إذا كنتما تتحدثان بفوارق دقيقة . كل شخص له علاقة شخصية مع اللغات . في اللغة الفرنسية، أستعمل الكلمات التي يعرفها الجميع، وفي اللغات الأخرى، الشيء نفسه . فصاحة اللغة تكمن في عقلك . حينما أغضب، لا أعرف كيف “أسب” الناس . لا أمتلك الكلمات لكي أفعلها . إذا فكرت بصورة سيئة عن أحد ما، لا أتحدث إليه .
* ما اللغة، أو اللغات، التي تنصحين الشباب بتعلمها اليوم؟
– تتمثل المشكلة لدى هؤلاء الأطفال في تقرير أي اللغات الواجب تعلمها . في اللغة العربية، هناك مشكلات تعددية اللهجات، واللغات نفسها أيضاً . ودوماً بكل تأكيد، لا مجال للاختيار . بالنسبة إلى اللغة الأولى، هناك اللغة الأمومية، ثم لغة ثانية تسمح للمرء بأن يكون له اتصال أكبر . وهذا يتعلق بما يعمله المرء ومهنته . لا لغة أفضل من أخرى .
* تعاني كثير من اللغات خطر الانقراض أو أنها على وشك التلاشي . هل يثير هذا الأمر حزنك؟ هل يُفقر هذا الأمر ثقافات هذه اللغات؟
– نعم، ولكن لا أعتقد بالفقد التام للغة . من الممكن أن تصبح أكثر فقراً، أقل تبايناً . ومن الممكن أن تتلاشى إذا توقف الناس عن الكلام بها تماماً . التلاشي محزن دوماً .
_______
*الخليج الثقافي