زليخة أبو ريشة *
ما دمنا نتحدث عن منهج شمولي في محاربة الإرهاب، الذي مبتدؤه تطرف، آن الأوان جدياً، التحرك باتجاه حظر الأحزاب التي تقوم على أساس ديني، لعدة اعتبارات منها أن في هذه اللحظة التاريخية تُراق الدماء وتُحصد الأرواح، وتُدمر المدن، وتُسبى النساء، وتستَحلّ الأرض باسم الدين! وليس القتلة إلا ربائب لأحزاب رفعت شعار الإسلام وسعت إلى فرض قراءتها الخاصة له، وهي قراءة مشوهة عميقة في الغلو والكراهية. إذ تتربّى أجيال من الشباب المتحمّس على فكرة امتلاك الحقيقة دون سائر خلق الله، وبذا يمتلكون الحق في إجبار سائر خلق الله على الإيمان بها والانصياع لها دون غيرها من حقائق الوجود، المادي والمعنوي، الموزعة في الكون.
يضع الحزب الديني حول نفسه هالة من المستحيل فصلها عن هالة الدين، فهو، أي الحزب، مستفيد براغماتي من الدين الذي أتى إلى قوم أو إلى البشرية منذ مئات السنين، فخطابه وأفكاره جاهزة ولا تحتاج إلا إلى وضع خطط التكتيك لِلَيِّ رقاب العباد باسمه. وهذا يعني أن الحزب، ما دام أنه براغماتيّ “مصلحجيّ”، فهو منفتحٌ، نظرياً أقلّه، على خصومة مع الأخلاق، ومع الشعارات التي استلّها من جاهز الخطاب الشرعي الطويل. ومهما ادعى الحزب الديني إيماناً بالديمقراطية، وحرصاً عليها، فإنه يواجهك -وخصوصاً أتباعه- بخطابه المُفحم أن الدين فوق الديمقراطية وقبلها وبعدها، وماذا يستطيع المرء والمرأة أن يفعلا في مواجهة هذا الخطاب الاستبدادي الذي يغلق الأفواه بعد العقول؟ ذلك أن الأحزاب الدينية، ما كان منها مسجلاً أو ما زال جماعة تنشط وتُنظّر، تجرّك إلى نقاشات جانبية لا تفيد مجتمعاً ولا سعيه إلى التقدم والتنمية والمساهمة في خدمة البشرية. مثل النقاشات الدائرة اليوم حول حرق البشر ومدى شرعيته في الإسلام نصاً وفقهاً وتاريخاً. ومثل النقاشات التي كانت دائرة وعلى مدى عقود حول المرأة والحجاب، مما يقسم أهل هذا النقاش إلى قسمين: يبدو الأول منهما مُمثلاً الإسلام، متماهياً مع المشرّع الأعظم وربّ الكون ومنزّل الدين، ويبدو الطرف الثاني الذي يناهض أفكار الأول ويقدم قراءة مختلفة (حتى لو كانت في إطار الإيمان)، زنديقاً خارجاً على الدين، موالياً للغرب “الكافر”، “متآمراً” على الإسلام! فكيف تستقيم هذه الخلاصات مع الديمقراطية؟
وما دام الحزب الديني يتغطى دوماً بالدين، أي أنه يدّعي القدسية، دون ما حاجة إلى قول ذلك، فإنه دوماً فوق النقد، لا تجوز مناقشته، ناهيك عن مناهضته التي تدخلك فوراً خانة الكفر والزندقة، مما يجيز قتلك (بحسب بعض أدبيات الفقه المتشدد)! فلقد جرى حقاً قتل أفراد، وهدر دم أفراد على آرائهم في قضايا تناولها الدين أو تاريخه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قُتّلت وشُرّدت واستُبيحت جماعات لمجرّد اختلاف دينها أو تديّنها (أهل الموصل والرقة والأزيدية مثالاً)! صحيح أن حركة الإخوان المسلمين -كحركة سياسية- بدت غير مسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذا القتل والتهديد، لكنها بحسب أدبياتها وتاريخها تُعتبر الأمّ الكبرى لجميع الفرق الإسلاميّة. إذ بينما أن الانقسام الذي يُصيب الجماعات الأيديولوجية يؤدي إلى إضعافها، فإنّ حركة الإخوان كانت الوحيدة -ولربما في تاريخ البشرية- التي منحتها الانقسامات مزيداً من القوة، ذلك أن جميع ما تناسل من تحت عباءتها، فاعل وشغال، وإن في تدمير الحياة والحضارة والإنسان أو تأخرها!
ومن جهة أخرى، فإن الحياة السياسية حافلة بأمثلة يتمّ فيها ابتزاز الشعوب، وخاصة الأميّة منها، باسم الدين. فكم فتوى صدرت تُدخل من ينتخب فلاناً أو فلاناً جنّة الخلد، والجحيم من لا يفعل! والخطب الرنانة التي قدّمها أتباع حزب عن تأييد الرسول الأعظم لمرسي أو لمن رمى بشعار “الإسلام هو الحل”!
لهذا نتطلّع إلى أن يقوم البرلمان الأردنيّ بدوره الجذريّ في محاربة الإرهاب، وإصدار قانون يحظر الأحزاب على أساس دينيّ. وعلى ذلك نعقد الأمل…!
* شاعرة وباحثة من الاردن
( الغد )