*مريم الساعدي
لا بأس لو نطرح الأسئلة. كل الأسئلة. لا يجب أن نخاف من الأسئلة، لا يجب أن نعتبرها جارحة وخادشة مارقة وغير ممكنه. لن نخرج من هذا القمقم لو لم نسأل «أين المخرج؟»، ولو لم نطرح خيارات الخروج ثم نتساءل حول إمكانية كل منها. نحن نعاني الاختناق في قمقم «الإقصاء»، علينا أن نعترف بذلك ونواجه المرآة. كل من يبدو مختلفاً؛ من يقول «لا» أو حتى «ولكن»، كل من يتوقف برهة ليتفكر في الموروث المصفوف بترتيب خبير في دولاب الفكر منذ دهور، يتم عزله مباشرة بدون تردد ووصمه بعار الخروج عن الجماعة المنصاعة لصدى أصواتٍ بعيدة تأتي من غياهب التاريخ. لا بأس أن يكون لنا تاريخ، بالعكس هذا رائع، فيه رائحة أمجاد تليدة، والإنسان يحتاج أن يشعر بأنه ينتمي لمجد ما، يجعله هذا أشد رسوخاً في مواجهته للعالم، لكن الأهم من كل ذلك أن يكون لنا حاضر، ماذا تنفع الحياة في دفاتر قديمة؟. الدفتر القديم موجود لإراحة الذاكرة، لنضعه هناك في رف الحياة بكل محبة نتأمله كلما نشدنا الخلود لأصل أشيائنا، لم يوجد لكي نتقرفص بين أوراقه، نجمع أطرافنا الأربعة، ونحني رؤوسنا ونندفن بين ورقه العتيق المليء بالغبار وروائح مامضى وفات. نحن نعاني من حرب على كل فكرة جديدة من «الإقصائيين» وهم، للأسف، كثُر. ولكننا نفضّل أن ندّعي أننا لا نعاني من ذلك، فالمواجهة صعبة، ولكنها مع تكالب الأحداث حتمية.
«التساؤل» هو طوق النجاة، ولم يُسِل السؤال يوماً دماً، إنه ليس سكينا، إنه كلام، مفردات نصفّها في جملة مفيدة ننهيها بعلامة الاستفهام. ولا يجب أن يخيف هذا أحداً، نطرح السؤال هكذا في الهواء، نطرحه كريشة حمامة، ونترك الأجواء يملؤها الريش، ولن يوقف هذا تدفق الهواء، بالعكس سينقّيه، سيجعل الأجواء أكثر رهافة، والرهافة إنسانية، وكم نحن بحاجة لإنسانية أكثر رهافة. سيظل ريش التساؤلات هائماً من عقل إلى عقل، والعقل يتغذى بالتساؤل، هو حبله السري للحياة؛ بدونه يموت، يترهل، يصير كتلة معتمة بلا ضوء، التساؤل ضوء العقول، وعقول مضيئة تنير الطرق المعتمة. قد لا نصل لأي إجابة أبداً، لكن قد نكتشف في النهاية أن التساؤل كان طوال الوقت هو طوقنا للنجاة.
_______
*الاتحاد