رواية الشركة.. أدب يضيء زوايا المجتمع وخباياه


*فريد نعمة

ليست رواية «الشركة» لجون غريشام قمة أدبية، ومع ذلك حققت نجاحاً لم يعرفه الكثير من روائع الأدب، إذ احتلت المركز الأول في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، فور نشرها عام 1991 وبقيت فيها 47 أسبوعاً، ثم تحركت إلى استوديوهات هوليوود، ثم إلى النشر في 42 لغة.

والظريف ذكره أنها فتحت لمؤلفها الباب إلى عالم الثراء، ففي الطبعة الثانية لهذه الرواية 1993، دفعت له المؤسسة الناشرة «راندوم هاوس» تسعة ملايين دولار، لقاء طبع تسعة ملايين نسخة! وهو الآن واحد من أغنى ثلاثة أدباء في العالم. ما سر نجاح هذه الرواية العادية؟! وربما الأمر مرهون، كما يقول نقاد عديدون، بكونها أدباً يضيء زوايا المجتمع وخباياه.
الشركة
يتخرّج ميتش ماكدير في كلية الحقوق في جامعة هارفارد بدرجة تفوق، ويتطلع إلى المستقبل ليحسّن ظروفه. فعليه أن يسدد أقساط الدراسة الجامعية، ويجد سكناً لائقاً غير السكن الجامعي الذي يعيش فيه مع زوجته وحبيبة قلبه منذ الدراسة الثانوية آبي التي تعمل مدرّسة في المرحلة الابتدائية.
يتقدم بطلب وظيفة، وتأتيه ثلاثة عروض من ثلاث شركات قانونية في نيويورك وشيكاغو، لكن لا يمكن مقارنة هذه العروض بالمغريات التي تقدمها شركة في ممفيس، راتب ضخم وسيارة «بي إم في» وقرض، بفائدة ضئيلة، لشراء شقة فخمة مع أثاثها. وبذا يقبل ميتش العرض من دون تردد، ويجري مقابلة ناجحة، ثم يتسلم العمل تحت إشراف المحامي الخبير آفري تولر.
لكل شيء ثمن
يبدأ ميتش العمل بحماس ونشاط، وينتقل مع آبي إلى شقة فاخرة، ويعيش الاثنان بترف وبذخ. بيد أن ساعات العمل الطويلة، 12 ساعة يومياً وأحياناً أكثر، تثير تذمر آبي من الشركة، ثم يتحول التذمر إلى مشاجرة، فيتجاهلها ميتش ويرتبط بغيرها خارج المنزل.
ومع الأيام، تزداد معرفته بأعمال الشركة، ويلاحظ أن بعضها يثير الريبة، غير أن النعيم الذي يعيش فيه يجعله لا يعير الأمر اهتماماً، فيتورط تدريجياً، ولا يخطر على باله أنه ربما يصبح في أحد الأيام طريد العدالة.
الموظف الغيور
يركّز ميتش على هدفه بأن يصبح موظفاً ناجحاً في الشركة، ويهتم بموت اثنين من موظفي الشركة بحادث أثناء الغوص في بحر جزيرة كايمان، إذ تقوم الشركة باستثمارات غامضة وتملك بنكاً ومقصفين. يشك في موتهما ويكلف التحري الخاص إيدي لوماكس التحقيق. وأثناء الاستراحة لتناول الغداء، يقترب منه العميل الفيدرالي واين تيرنس، ويلقي في سمعه أن الحادث جريمة دبرتها الشركة، ثم يتابع طريقه.
وبدافع الغيرة على الشركة، ينقل كلام العميل إلى رئيسه تولر. وفي اليوم التالي، يسمع بمقتل التحري لوماكس في مكتبه، وتخبره سكرتيرته التي اختبأت تحت المكتب ونجت أن رجال الشركة هم القتلة.
فيواجه العميل تيرنس، ويعرف منه أن الشركة وراء مقتل الثلاثة، وأن عملها الحقيقي هو غسيل الأموال التي تجنيها عائلة المافيا مورولتو، من القمار وتجارة المخدرات، وبعد غسيلها في استثمارات ضخمة، تهربها من الضرائب. ويطلب العميل منه التعاون لفضح الشركة لكنه يرفض.
الاختيار
يشك فيه ديفاشير، عميل المافيا في الشركة، ويطلب تكليفه مهمة في جزيرة كايمان، ويرسل وراءه فاتنة لتغويه وتتجسس عليه. وهناك يصل إلى الدليل بأن الشركة قتلت الموظفين. ويدرك أنه متورط في الجريمة من غير علمه. ينزعج ويقع في حيرة، وإذا بالشركة تلوّح له بالقتل. وفي المؤتمر السنوي للمحامين في شيكاغو، يعترضه العميل تيرنس ويجمعه مع مديره في الحديقة أثناء الاستراحة.
يطلب المدير منه تزويدهم بصور عن الملفات السرية التي تدين الشركة، ويعرض عليه مليوني دولار مكافأة، لكنه يرفض، فيخيّره المدير بين التعاون معهم أو السجن، فيقبل ميتش العرض رغماً عنه، ويطلب من المدير إطلاق سراح أخيه السجين راي.
الخوف الدائم
يبدأ ميتش بتصوير الوثائق في بنك الشركة في جزيرة كايمان. ويعطي ما يصور إلى العميل تيرنس. يكشف العميل الفدرالي المزدوج تاري روث أمره إلى الشركة، ويبدأ رجالها بمطاردته مع زوجته وأخيه كالكلاب المسعورة. يستقتل ميتش ليجد مخرجاً آمناً من شيكاغو..
ويتجنب الاستخبارات الفيدرالية، لأنه لا يثق بعملائها المزدوجين. يتنقل من مكان إلى مكان خلسة كاللص، ثم يحط في مكان منعزل لا تصل إليه عيون المافيا، ويعيش هناك في رعب دائم، لأنه يعرف أن المافيا، عاجلاً أم آجلاً، ستصل إليه وتسحقه. تستطيع وكالة الاستخبارات أن تدين نصف موظفي الشركة بالوثائق التي أعطاها لها.
الواقعية الجديدة
لم تعد الأعمال الأدبية ذات المغازي التقليدية تثير القارئ الأميركي، ولم يعد القارئ الأميركي يهتم بالفلسفة والتحاليل النفسية التي تميط اللثام عن خفايا النفس البشرية، فهي تشكّل ثقلاً على عقله المثقل بهموم الحياة اليومية المعقدة. بات في حاجة إلى الأدب الذي يميط اللثام عن خبايا المجتمع ويفضح أسرار المؤسسات والأيادي الخفية التي تديره.
وأدت هذه الحاجة إلى ظهور لون أدبي جديد لا هدف له غير التشويق والإثارة في الكشف عما يجري وراء الستارة. وتعتبر روايات جون غريشام، ولا سيما «الشركة»، رائدة في المجال.
لكل عملة وجهان
تنقلنا هذه الرواية إلى شركة قانونية تمثّل الناس في المحاكم وتدافع عن مصالحهم، ثم تتركنا مع الموظف الجديد نستكشف أسرارها وأهدافها غير المعلنة. إنها تتصيد الأذكياء من الفقراء وتغدق عليهم الهبات حتى يغضوا الطرف ويلتزموا الصمت حين يشاركون في أول عملية من عملياتها غير المشروعة، عندئذٍ تضعهم تحت المراقبة -يكتشف ميتش أن هناك كاميرات للمراقبة والتنصت في مكتبه وشقته وسيارته.
وإذا تململ أحدهم وتردد، هزت له العصا بفضح أسراره- يهدده ديفاشير بالصور التي التقطتها له الكاميرات وهو في السرير مع تلك الحسناء في جزيرة كايمان، ثم تخيّره بين الولاء المطلق لها أو الموت، وحين لا يخضع، ترسله في مهمة لا يعود منها. كل موظف في هذه الشركة له وجهان، وجه بشوش يخدم الناس باسم القانون، ووجه متجهم يخالف القانون.
ولا تختلف الاستخبارات الفيدرالية عن الشركة. إنها تطبق القانون بوجه وتقوم بأعمال غير قانونية لتحقيق مآربها، ترغم ميتش على سرقة الملفات من البنك، وهي تعاقب من يقوم بهذا العمل. كثير من عملائها يعملون في الخفاء لمصلحة المافيا. وعندما يفشل عميلها في إقناع ميتش بالتعاون معهم، تغريه بمليونين من الدولارات، ثم تخيّره بين التعاون معها أو السجن.
من هي؟
يمكن أن تكون أية شركة! هذا ما يلمح إليه المؤلف الذي لم يعطها اسماً محدداً، لا حقيقياً ولا وهمياً، واكتفى بتسميتها«الشركة»، كما أنه لم يعط معلومات كافية عن الذين يديرونها وأصحاب النفوذ الداعمين لها، كأنه يخشى أن يكتشف القراء هوياتهم الحقيقية، وهو بذلك يثير الفضول:
هل هي قصة حقيقية استمد وقائعها من تجاربه حين عمل محامياً قبل تحوله إلى الأدب؟ وسواء أكانت حقيقية أو خيالية، فإنه يشير بوضوح إلى أن كثيراً من الشركات في أميركا تقوم بأعمال غير مشروعة، وتتستر مثل هذه الشركة بوجهها القانوني اللماع.
في السينما والدراما:
تحولت هذه الرواية إلى فيلم لقي ترحيباً عالمياً سنة 1993، أخرجه سيدني بولوك، ومثّل فيه توم كروز جين هاكمان واد هاريس وهولي هنتر، كما تحولت إلى مسلسل تلفزيوني من إنتاج أميركي وكندي 2012، عرضه تلفزيون غلوبال في كندا، تلفزيون إن. بي. سي في أميركا. وبدأ العرض في 8 يناير 2012، وانتهى في يونيو 2014.
إضاءات:
فتحت لمؤلفها الباب إلى عالم الثراء ففي طبعتها الثانية دفعت له المؤسسة الناشرة «راندوم هاوس» تسعة ملايين دولار لقاء تسعة ملايين نسخة
جون غريشام روائي يصنف حالياً من بين أغنى ثلاثة أدباء في العالم بفضل الأموال التي درتها عليه «الشركة»
حبكة وسرد يغوصان عميقاً في عوالم الشركات الخفية وطبيعة ممارساتها اللاشرعية المتدثرة بواجهة قانونية
المافيا الأميركية وتغلغلها في المجتمع يكبلان وكالة الاستخبارات لتبدو غير قادرة على إدانة أي موظفين برغم المستمسكات والوثائق
العمل أفرز بروز نموذج روائي مستقل جوهره فضح أسرار المؤسسات والأيادي الخفية التي تديرها بأسلوب التشويق والإثارة
سيرة
جون غريشام من أشهر الروائيين المعاصرين، والروائي المفضل رقم (1) في أميركا. عمل محامياً ثم انتقل إلى الأدب. نشر روايته الأولى «وقت للقتل» سنة 1989، واشتهر مع روايته الثانية «الشركة». لديه تسع روايات تحولت إلى أفلام ناجحة، وجنت له أكثر من 250 مليون دولار. ترجمت «الشركة» إلى 42 لغة. وباعت الشركات الناشرة منها: 275 مليون نسخة.
_________
*البيان

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *