أجمل كتب 2014؟


* عبده وازن

ما أجمل كتاب قرأت هذا العام؟ هذا السؤال الذي يُطرح في آخر كل عام ينصرم، يُحرج فعلاً من يُطرح عليه. ليس أصعب من أن تختار، بصفتك قارئاً، واحداً من الكتب التي قرأتها خلال عام. تجد نفسك محرجاً جداً، أولاً أمام أصدقائك الذين أصدروا كتباً وأحببتها ثم مدحتها كتابة أو شفاهة. ويحرجك ثانياً أن تختار كتاباً أجنبياً قرأته وأحببته فعلا، فتبدو كأنك تترفع عما صدر من كتب بالعربية. ثم إذا اخترت كتاباً مجهولاً لم يكن في حسبان أحد، تحس أنك متعجرف لا يرضيك ما يرضي سواك.

لكنّ صيغة أخرى قد تكون أفضل لطرح مثل هذه الأسئلة في آخر السنة: ما هي أهم عشرة كتب قرأتها هذا العام؟ هذا السؤال أقل إرباكاً وإحراجاً. يمكنك آنذاك أن تجيب بحرية و»ديبلوماسية» ترضي من تخشى إزعاجهم. عشرة كتب لا يمكن قصرها في ميدان واحد، بل يستحيل. تختار فرَضاً روايتين أو ثلاثاً وديوانين أو ثلاثة ثم كتاباً في حقل الفلسفة وآخر في حقل السياسة وآخر في حقل الدين…
شئت أن أجيب على هذا السؤال شخصياً من دون أن يطرحه عليّ أحد. ساورتني حال من الحيرة ولم أتمكن من اختيار الكتب العشرة. كان أمامي أكثر من عشرة. بضعة كتب أحببتها لكنها غير جديرة في أن تكون في الصدارة. كتب صغيرة أو عادية تجذبك في أحيان من حيث لا تدري وقد تخجل أن تجاهر بها أمام أصدقائك أو قرائك إن كنت تكتب في الصحافة. وإن أعلنت عناوينها فالأصدقاء هؤلاء سيُفاجأون لأنهم ما كانوا يتوقعونها. في ظننا دوماً أن الكتب التي ينبغي اختيارها يجب أن تكون من الكتب المتوقعة. وغالباً ما تتصدر مثل هذه الكتب اللوائح والواجهات. إنها عادةً الكتب الأكثر قراءة، عن جدارة طبعاً، وليس المقصود كتب الأبراج والطهو…
لعل الحافز الذي يجب أن يكمن وراء طرح مثل هذه الأسئلة حثّ الكاتب -القارئ المعني هنا، على اختيار كتاب مجهول أو شبه مجهول، كتاب لم يحظ برواج أو نجاح، كتاب مفرد ومبعد ومنسي… وكم من كتب مهمة فعلاً ظلت أسيرة الهامش والنسيان لأسباب عدة وفي مقدمها تواضع أصحابها وابتعادهم عن الضوء وعزلتهم أو رحيل بعضهم بما يشبه الصمت… مثل هذه الأسئلة عن أفضل الكتب يُفترض بها أن تؤدي إلى اكتشاف مثل هذه الكتب المهمشة وإلقاء ضوء على أصحابها. وأسوأ اللوائح في هذا القبيل هي التي تُجمع على كتاب واحد أو كتابين لا يحتاجان إلى من يختارهما لأنهما أصلاً رائجان. وكم يُلاحَظ أن الكتّاب-القراء الذين يشاركون في مثل هذا الاستفتاء لا يكلفون نفسهم عناء التذكر والبحث بل تراهم يختارون أول ما يرد على أذهانهم. وهذا أبشع ما في هذه البادرة.
أي كتاب اختار هذا العام؟ لا أجد نفسي محرجاً إن اخترت الأعمال الشعرية الكاملة لشاعر لبناني مجهول، شاعر ما عادت تذكره سوى قلة قليلة من الشعراء والنقاد، هو جوزف نجيم الذي رحل عام 1983. أعماله الكاملة التي التأمت أخيراً في مجلد تربو صفحاته على الأربعمئة، وبادرت إلى جمعها مشكورة دار نلسن (يديرها الكاتب سليمان بختي)، هي من أجمل هدايا هذه السنة أدبياً. هذا شاعر كبير يخرج إلى الضوء بعدما حلت به ظلامة وأهُمل شعره وكاد اسمه يغيب عن قائمة المدرسة اللبنانية في الشعر المعاصر، الكلاسيكي النهج، الحديث الروح. شاعر هو في طليعة المجددين العصريين وإن أصر على القصيدة الموزونة والمقفاة وعلى اللغة العربية القشيبة المشبعة بلاغةً وبياناً وبديعاً. على أنّ ما كتبه يصب في صميم الحداثة، رؤية وموقفاً، فهو في آن واحد، سليل التراث الشعري القديم وعصر النهضة والمدرسة الرمزية الفرنسية لا سيما كما تجلت في شعر شارل بودلير الذي كان له على شاعرنا كبير أثر. ولعله أدرك من خلال بودلير «اللعنة» التي حلت به فجعلته شاعراً «رجيماً» في إبداعه ورؤيته إلى الحياة والجسد والذات. وهو كتب قصيدة طويلة أفرد لها ديواناً عنوانه «القصيدة الملعونة» وفيها تتأجج نار الشهوة والخطيئة و»الاروسية» الشبقة ولكن المسبوكة سبك المعلم القدير. وحملت دواوين هذا الشاعر الفريد والذي يعد نسيج ذاته، عناوين «اروسية» وكان يلح على إرفاقها برسوم إباحية، ملؤها نسوة شبه عاريات. أما دواوينه ذات العناوين المثيرة فهي: «جسد»، «تخت»، «بنات»، علاوة على «القصيدة الملعونة» و»الديوان الأخير» الصادر بعد وفاته ومسرحية شعرية هي «ابشالوم»، وبها يحاكي سعيد عقل في «قدموس» و»بنت يفتاح»، صناعة وحبكاً شعرياً. وما زاد من مأساة الشاعر موته قتلاً في ظرف غامض، فهو وجد مرمياً أرضاً في بيته وراء بابه المخلوع وعلى رأسه آثار ضرب.
ما أجمل كتاب قرأت خلال العام 2014؟ أعمال جوزف نجيم الشعرية هي حتما من أجمل ما قرأت، ولعل اختياري إياها لا يعني أنني لم أقرأ كتباً جميلة وبعضها لأصدقاء، شعراء وروائيين. لكنّ صدور أعمال هذا الشاعر هو أشبه بحدث يجب ألا يمر مرور الطيف، وهو الفرصة السانحة لمعاودة اكتشافه وقراءته وتكريمه.
________
*الحياة

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *