الإبداع بين الموهبة والتلقين في مدارس غربية


*جاكلين سلام

في ورشات الكتابة الإبداعية غالباً ما يسأل الأستاذ طلابه عن أسماء الكتب والمجلات والكتاب الذي يتابعهم ليأخذ فكرة عامة عن اهتمامات الطلبة، توجهاتهم وتجربتهم في خانة القراءة والكتابة. وقد لا يكون لبعض الطلبة تجربة في الكتابة، ولكن من البديهي أن يكون الطالب قارئاَ مجتهداً. أوهذا ماكان يفترضه الأستاذ حين وجه السؤال لطلابه في إحدى حلقات النقاش. ولم يخف دهشته حين أجاب أحد الطلبة بأنه لا يقرأ مجلة معينة. يسأله عن الكتب الروائية أو القصصية أو الشعرية التي يقرأها، فيكون الجواب أيضاً بأنه لم يقرأ وليس لديه قائمة مفضلة. يبتسم الأستاذ في هذه الحالة ويتوقع أن الطالب لن يعود ثانية، ولكن الطالب يواظب على أخذ الدروس.

فإذا كان يراودك الحلم بأن تصير كابتاً وكنت تعيش في امريكا ما عليك إلا الانخراط في ورشات الكتابة الإبداعية وتحت إشراف الجامعات وأساتذة مخضرمين في الصنعة. المبلغ المطلوب للتسجيل في هذا البرنامج حوالي 50 ألف دولار أمريكي فقط. وتكون مدة الدراسة عامين مع القراءة المكثفة والتمارين. ولكن الأمل في أن تنشر مجموعة قصصية أو شعرية بعد التخرج ضئيل جدا إن لم تكن كاتباً موهوبا أساساً. وهذا جواب أحد الاساتذة المحاضرين ردا على سؤال الطلاب المسجلين في المنهاج التعليمي. ورغم هذه المعلومة القاسية يقدم عدد لابأس به من عشاق الأدب للدراسة في هذا القسم. فهل يمكننا الجزم في النهاية بأن الكتابة «صنعة» يمكن تلقينها؟
تختلف الإجابات من قبل الأساتذة وتختلف أيضا توقعات الطلاب كما نلاحظ عبر تصفحنا لكتب عدة عن تلقين الكتابة الابداعي فنقف على دقائق مختلفة الأهمية، من حيث توجهها إلى المبتدئين أو المخضرمين في حقل الكتابة. وهنا اصدارات كثيرة في هذا الباب وكتب اكاديمية منها هذا الكتاب «المحمول في تلقين الكتابة الابداعية» الذي يقدم بعض الخطوات الأساسية والتوصيات حين الإقدام على الكتابة في الحقول التالية: القصة والرواية، المقالة، والسيرة الذاتية، الكتابة للمجلات، الشعر، الكتابة المسرحية، والحوارات.
هناك بعض النقاط أو النصائح ترد في مقدمة الكتاب ويجدر بالطالب أو مقتني الكتاب أن يقف عندها وهي:
1- اكتب ما تعرفه، لا تكتب ما لاتعرفه.
2- الأسلوب البراق أو اللغة بدون قصة، تكون كحال من يتأنق في لباسه، ولا يجد مكاناً يذهب إليه.
3- الكتابة لا يمكن تلقينها.
4- احذف كل «الظروف» وفي مواقع أخرى ينصح بحذف الصفات أيضا.
5- لا تستخدم أبداً كلمة «دائماً»
6- لا تكتب سيناريو للتلفزيون، هذا يخرب مقدرتك على كتابة السرد.
7- هناك أشكال شتى من القصص.
8- لن تصبح كاتب روائي « فيكشن»
بالتوقف عند هذه الملاحظات الأساسية، وبينما كنت أقرأ قصائد للشاعرة المعروفة إيميلي ديكنسون، لفت انتباهي أنها استخدمت مفردة «دائما» مرات عديدة في قصائدها. أما البند الثاني من القائمة، فكثيراً ما يصدفنا في الكتابات العربية التي تعتمد على التنميق اللفظي والبهرجة، من غير أن تصل إلى مرفأ. وهذا يذكرنا أيضا بنسق من الكتابة ساد في الغرب وانتقل إلى الشرق هو «الكتابة اللغوية».
أما في باب كتابة المقال، فيعرض خطوات عملية مهمة تسهل الطريق للمبتدئين، منذ كتابة المسودة الأولى وإلى تفصيلات التنقيح والبحث عن صحيفة لبيع المقال. يرد في هذا السياق، أن استهلال المقال بسؤال لهو دليل على تقاعس الكاتب، وهو أسلوب غير ناجح في أغلب حالاته. حين كنت أطالع في نفس اليوم مقالات الثقافة في بعض الصحف العربية وجدت أكثر من ثلاث مقالات تبدأ بأسئلة.
ومن التوصيات في خانة كتابة المذكرات، يذكر بأن الحذر الأكبر في مثل هذه الحالات، هو خوف الكاتب من إيذاء مشاعر أحد أفراد الأسرة، الزوج/ة، أو الأصدقاء. لكنه يقترح بأن الكتابة الناجحة هي الصادقة والتي تذهب للحفر في الطبقات المعتمة من روح الفرد ومجتمعه. ويعطي أمثلة عن كتّاب قارعوا خوفهم وكتبوا عن أسرهم، ونجحوا في النهاية في كسب الثقة وإعادة العلاقة إلى مجراها الطبيعي. وهنا نجد أن حرية الكتابة والتطرق للشخصي محفوف بقيود داخلية ومجتمعية في الغرب كما في الشرق مع تفاوت واضح. القراءة كما نعلم وكما يشير هذا الكتاب، جزء مهم وأساسي في حياة الكاتب وتطور أدواته ولغته وأسلوبه. في كل فصل من فصول الكتاب نجد لائحة بأهم الكتب التي ينصح بقراءتها لتحسين مهارات الكاتب. ويقدم في فصوله الأخيرة كل الوسائل الممكنة لتسويق المادة والوصول إلى الناشر المناسب.
يقولون إن «الشيطان في التفاصيل» ولكنني وجدت أن ثمة تركيزا كبيرا على أهمية التفاصيل في جميع الحقول الأدبية المذكروة أعلاه والشعر ضمنا ويرد ذلك في أمثلة يذكرها الكتاب من شعر «إزرا باوند». هذا ونجد في جميع الفقرات شواهد كتابية ومقولات لكبار الكتاب تدعم الفكرة النظرية المقترحة.
قد يكون تدريس «الكتابة الإبداعية» غير مطروق في الجامعات العربية لكنها مسألة يجدر النظر فيها. فهناك مواهب لدى البعض ودراسة هذا الكتاب او «المنهاج» قد تختصر على الكاتب مراحل طويلة من التجربة.
شخصيا حضرت إحدى «الكورسات» في جامعة رايرسون في تورنتو، ولم تكن تجربة سيئة. وصدف أن كانت معنا امرأة في السبعينات وتعشق القراءة والكتابة. حين كتبت إحدى القصص نصحتها المعلمة أن ترسلها إلى صحيفة للنشر، بعد أن أعطتها بعض الملاحظات لإغناء النص. وفعلاً نشرت المقالة في صحيفة مهمة وقبضت الكاتبة/الجدّة ثمن مقالتها الأولى.
لا شك أن هناك استعدادا روحيا وفطريا لدى كل شخص للنجاح في صنعة دون أخرى. فهذا ينجح في التأليف الموسيقي والعزف وذاك في الرسم، وآخر في الكتابة. لكننا لا نستغرب إن وجدنا أن الموسيقي يحتاج إلى دروس في تعلم «النوتة» ويحتاج إلى دروس للعزف على البيانو أو العود، وكذلك الفنان يحتاج إلى دراسة الفن والنحت والتعرف على المدارس المختلفة وتقنياتها، وقد يصح هذا على تلقين مهارات ممارسة الكتابة والتأليف.
_______
* كاتبة مترجمة سورية كندية/جريدة عُمان

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *