محمد ناجي.. فلتهدأ روحك في سلام


إسراء عبد التواب*


لا يكف عن البحث عن مساحات معتمة بالروح لإنارتها، أنها حرفة امتلكها الروائي محمد ناجى، الذي رحل عن عالمنا مساء أمس، وهو يقاوم مرض سرطان الكبد منذ سنوات عديدة.
وجه “ناجى” كان يستقبل قرائه بابتسامه جميلة، لا يمكن أن تنتهى من روايته “الأفندى” إلا وأنت مبهورا رغم السخط الذي يعتليك بسبب التقلبات السياسية التي شهدتها فترة السبعينات من تدهور في النسق القيمي للطبقات التي تساند طبقة رأسمالية دون أي قيم لتسحق الطبقة المتوسطة.
ومن خلال الرواية نرى صورة مصغرة لمصر التي كانت عند عبد الناصر، ومصر التي صارت من بعده، والتي شهدت تغييرًا جذريًا في كل شيء لمسه “ناجى” ليعبر عنه.
من يقرا روايات “خافية القمر”، و”لحن الصباح”، “والعايقة بنت الزين “،”ورجل أبله.. امرأة تافهة”، “ومقامات عربية”، و”الأفندى”، “ليلة سفر”،و”قيس ونيللى” سيجد أن الإنتاج الأدبي للروائي لم يكن غزيرًا من حيث الكم، ولكنه كان يمتلئ بالمتعة، التي يجدها أي قارئ يقرر الدخول إلى عالم “ناجى”، الذي استطاع أن يحجز له مساحة خاصة تجعله في مصاف الكتاب الذين أسسوا قاعدة للرواية العربية بعد الروائي نجيب محفوظ.
استطاع “ناجى” أن يمزج الأسطورة بالخيال ويهرب تدريجيا من عالم “محفوظ” الأب الروحي للرواية العربية، ليحجز له مكانًا لا يقلد فيه. 
الراحل ابن قرية “سمنود” بالغربية، يعرف جيدًا قيمة مصر لأنه كان جنديا شاهدًا على حرب الاستنزاف عندما التحق بالخدمة العسكرية من 1969 إلى 1974، ولذا نجده مؤرخا يعشق التغول في التاريخ ويمزجه بالأسطورة، ليعد لنا عالما نظيفا يدعو إلى التمرد على القوالب التقليدية في الكتابة.
كتب عن المهمشين وعن القرويين وعن الفاسدين، وعندما يدخل عالم الصحافة يدخله بقلبه ليقدم لنا شرائح عارية من كل زيف.
تقلب جيدا في السيرة الذاتية للمبدع لتبحث عن تقاطعات في حياته فستجده أنه بدأ شاعرا، قبل أن ينصرف عن الشعر ليحترف الرواية، وهنا ستهدأ الدهشة قليلًا لأن الروح التي ستجدها في رواياته ممزوجة بلغة شعرية، تمزج بين الخيال والواقع، بين الإحباط والأمل، هذا المزيج هو الذي ميز مبدع “خافية قمر”، وهو يفتش عن التراث.
اهتمامات “ناجى” كانت عميقة بالتراث والموروث الشعبي، كان يجده الحناء التي تزين عرس الكتابة، وتشعر وأنت تقرأ “خافية القمر” أنه يلخص كل التفاصيل الصغيرة في لحظة جنونية تفتح لك براحا متسعا على الخيال.
دائما ما يمتلك “ناجى” مفتاح النص، مسلح دائما بميراث كبير من الثقافة العربية ليعيد لنا نسج الحكاية القديمة بلون جديد.


– البوابة نيوز

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *