*ماجد شاهين
( ثقافات )
( 1 ) رفوف و سلالم !
الرفوف أماكن إيواء و حفظ أدواتنا و دفاترنا وملابسنا و طناجرنا و مؤونتنا .. وكثيرناً ما كنّا نركن أشياءنا المؤجلة فوق الرفوف ، و نقول : ضعوا كذا على الرف إلى حين حاجة أو لزوم أو ضرورة !
… كثير من أدواتنا فوق الرفوف باتت لا تصلح للاستخدام ، و كثير منها فات أوانه ، و كثير منها نسنا أن نستخدمه في وقته المناسب .
… أمّا ما بقي صالحاً للاستخدام ، فلا نستطيع تناوله و تداوله لأن الرفوف عالية و سلالمنا مكسورة و قاماتنا أقصر من أن تطال ما يوجد هناك في الرفوف وعليها !
..
نحن لا نتقن لعبة التأجيل ولا لعبة إبقاء الأشياء إلى حين حاجة ولا لعبة استخدام السلالم .. و خسرنا كثيراً من أدواتنا المركونة لأننا اعتقدنا أن ّ قاماتنا لن تنخفض و أن الرفوف قريبة .
..
قبل سنوات خبّأنا طنجرة فوق الرفّ وكانت تنفع لطبخة صغيرة تكفي لاثنين أو أربعة .. الآن الطنجرة ما عادت تنفع لستة أفراد .. ندعو من يرغب بالحصول عليها أن يجلب سلّما ً متيناً لكي يصعد إلى الرفّ و يتناول الطنجرة .
… للمناسبة ، الطنجرة فارغة تماماً ، فقط وعاء بأذنين ثنتين لضرورات المسك والحمل ، و غطاء على حجم فم الطنجرة أو فتحتها .
..
قد يجد صاعد السلّم ، هناك فوق الرفّ ، قطعة حجر بحريّ مبزّر لغايات تنظيف و كشط تشققات القدمين و تسطحاتهما و قشب الكعبين .
… هل سمعتم أن فلانا ً بات مركوناً على الرفّ ؟ مثل الطنجرة والحجر و لوح الصابون و مرقاق العجين .
..في الرفوف ذاكرات قليلة ، وعند الرفوف المنسيّة نرى قاماتنا أقصر ممّا نعتقد .
( 2 ) دربّ ضيّق و غرسة قرنفل !
لو كان لي أن أتخيّل أو أرسم أو أمتلك ، كنت ُ رغبت في درب ٍ صغير ضيّق ٍ لا يتّسع لمرور أكثر من شخصين معاً .. و الدرب لا يزيد طوله عن مائة متر ٍ !
… في الدرب دكاكين صغيرة مفتوحة بشكل متقابل ٍ في جانبيّ الدرب ، هنا مقهى صغير ينفع للانتظار و للمواعيد الحميمة و للتأمّل و لقراءة الصحف ، و في الجانبين محلّ حلاقة و محل كوي و مخيطة و دكانة تبيع السجائر و محلّ للفلافل والساندويشات و دكانة للعطور و لوازمها و أخرى لمواد تموينيّة مثل البقالات المعروفة ، فيما هناك في آخر الزقاق محمص للبن ّ و الفستق و قد يكون في الزقاق / الدرب محلّ للأجبان والألبان .
… و يمكن للعابر أو الزائر أن يرى مقاعد في الجانبين لأغراض الجلوس أو الانتظار أو الاستراحة القليلة ، بما لا يعطّل الدررب و يجعله ضيّقا ً أكثر ممّا هو عليه ، فيما تظهر أبواب منازل تقليديّة تصعد بأصحابها إلى بيوتهم في طوابق عليا متقابلة .
… لو كان لي أن أحلم ، كنت رغبت ُ في أن تكون لي دكانة أجلس عندها و أرى العابرين و أشم ّ رائحة البن ّ و أضحك مع نادل ٍ يناديني لكي أشرب شايه و أطلب إلى حلاّق الحارة / حلاّق الدرب / أن يترفق بلحيتي .
… لو كان لي أن أحلم ، كنت رغبت في أن يكون لي بيت صغير في الزقاق ، كنت افترشت مكاناً في الدرب ، لا أغادره ، وهناك أقرأ وجوه الناس كما ينبغي ، و أسمع حكاياتهم كما ينبغي ، و أحفظ أسرارهم كما ينبغي ، و أكتب شعراً يليق بالحارة و الدرب والدكاكين القليلة والنساء اللواتي قد تتعب مناديلهنّ في الشبابيك أو الشرفات .
..
لو كان لي أن أكون هناك ، كنت ُ أضفت غرسة زيتون في أوّل الدرب و غرسة قرنفل في آخر الزقاق .
لو كان ذلك ، كنت ُ كتبت رواية الحياة و آخر ما صار إليه الولد .
( 3 ) أوارب !
نعم ، أنا أوارب الباب و أفتح ” نصف نافذة ” و أكتفي بشهيق ٍ واحد من قرنفلة !
.. وفي إعادة قول ٍ ( وليست إجابة عن سؤال ) ، أقول أن الكتابة المُباشَرة المتجهة إلى عناوين محدّدة ، تكون جافّة و فجّة و صعبة على العين واللسان والتذوّق !
.. أرى أن ” دندنة خفيفة بصوت خجول مشوق تحت النافذة ” تمكث في البال و توصل الرسالة و تضيء زوايا القلب ، أكثر بكثير من ” دبكة يهدر الراقصون فيها جهدهم و أصواتهم في ساحة عامّة ” ، لأنها سرعان ما تنمحي حتى وإن ْ ظن ّ العاشق أن دبيب أقدامه يحمل فكرة إلى بنت ٍ في الجوار !
…
والفرق يبدو شاسعا ً بين باحث عن فرصة عشق ، يجول الأرجاء والأزقّة ويطلق أصوات الصفير فيزعج المجاورين ولا يفوز بقلب امرأة .. و آخر يتحرّك بتؤدة ٍ و يرى بنصف عين ٍ و تمتمات قليلة ما ينفع وما قد يثمر عن تلاق ٍ للورد والمرحبات التي تسير على مهلها .
.. تماما ً مثل اثنين ، والفرق بينهما ، واحد يقطع وردة ويمسكها بين أصبعيه ويلوّح بها كأنما يحاول الرقص و افتعال الموقف ، وآخر ( يقطف ) وردة ويحتضنها بكلتيّ يديه لكي يظلّ الندى يرطبّ أوراقها في انتظار وجنة مشرقة تطلّ من زاوية في منزل ٍ أو نافذة .
…
نعم ، أوارب و أقطف الورد ولا أهرسه .
وأدندن في الدرب الضيّق ولا أملأ المكان صراخا ً .
.. تلك حكاية الكتابة التي تمكث في البال .