هواجس قلب…


*ريبر هبون

( ثقافات )

-تباً!!
شيء ما يصيبني بالغثيان ،بالهذيان، أفكار تداهمني،تستوطن الهواجس نعش مخيلتي، طيف فتاة بلهاء يدنو قربي, وطيف شاب أبله يخيم فوقي..
يخيل لظله أنه مجنون ،ظل يتساءل هكذا بينما راح يحاول النوم أخذت الهواجس تراوده ،يزدحم طابور النعاس بجفنه فينسى ويستسلم لشيء يشبه الموت أو النعاس ويشبه أحياناً الحلم، قال في نفسه عندما بدأ التعب يتسرب داخله:
-عذراً سأتوقف عن الكتابة ،ساعدني ياليل على النوم فأنا الوحيد الذي يستحق النوم كأمثالي من الذين ليس من الضرورة أن يبقوا يقظين، حيث لا جدوى من يقظة لا تفعل فعلها في إدراكنا لما يحدث في هذا الوجود
وحيد ذاك الرجل الغارق بمحيط تأملاته ومعضلاته الفتية، يملأ وقته أحياناً بمجالسة صديقه الذي يشاركه تقاسيم عوالمه فيغدوان معاً وحيدين ، يمضيان كل في طريقه يبكيان بطريقة مختلفة ويضحكان بشكل متشابه وعلى حدة ،المدينة التي يقيمان فيها تسكنها الوحدة ومن في المدينة وحدهم ، وحيدون يسهرون في أزقات الضجيج لهم نفس الملامح معدوموا السمع ويتناقشون بصوت مرتفع وعن لا شيء فقط لمجرد أنهم يتناقشون ،حول أزمة ارتفاع المازوت وارتفاع أسعار الخضار والبطالة والرشوة في المؤسسات والبغايا في الطرقات وكثرة المخبرين وسوء أوضاع البلاد ، حيث يميل ذاك الرجل الوحيد لأحاديث النساء ويشتد حنينه لفتاة وحيدة تشاركه رغباته مثل كل امرأة عذبة وجميلة ، وحيدات يمشين في ناظريه متأرجحات القوام يطأطئن نهودهن للظلال التي يسيل لعابها ويختلفن لأتفه سبب ويضجرن من صمتهن
وحيدة أنغام تلك الشابة التي تقرأ نفس الآخر الذي تتوقه بحكمة العطشى في استجداء الماء ،تعشق ذاك الغارق فيها غرقه بتأملاته ومعضلاته الفتية،ظل عشقه يتلبسها كجني أزرق يخيِّم في زرقة عينيها، تندب أرقها وتقلق من نظرة عفوية يصوبها أحد والديها إليها فتشعر بالانفعال وقليل من الرضى، تأتي سعاد إليها فتبقى معها لفترات غير قصيرة صامتتين وحيدتين، تخلعان سراويلهن من شدة رطوبة الغرفة المطلة على الشاطئ من بعد أمتار قليلة وينمن بعد أن تدلك إحداهن ظهر الأخرى ويشردن فترة بعدها قبل أن ينمن ويحلمن بفارس أحلامهن عدا أنغام ففارسها مروض كالفرس من حب أخذه أخذ عزيز مقتدر
الوحدة ملكٌ لرواد هذه المدينة التي تختزل الوطن الوحيد والكون اليتيم،حيث يمضي نادر الغارق في محيطات أنغام العميقة وتمضي معه أنغام تتفحص ندرة الشوق الذي يعتريها تجاهه، يفكران من خلال لقاءاتهما عن سبل النجاة والخلاص ، فيقعان في أفخاخ سوء المصطلحات وفهمها يفكر أحدهما بالموتى الأحياء والأحياء الموتى،وفي أتون هذا الصراع الدائر تتعانق في أرجاء روحهما تلك الزوبعة الملتفة حول خضاب دم الحب وسواد الليل، ليبحرا بحبهما طويلاً وعميقاً بامتداد المدى الأبيض ،وفي شتاء عاثر أضاع فردة حذائه بدأ الحوار الانساني يثب على قدميه لحظة بادلت أنغام شرود نادر بهمس هادئ يحاكي جنون العاصفة قائلة:
-لا شيء يشبه صمتي ولا حتى ضجيجي سوى هدوءك وهمسك
-لأن الكل هارب من زنزانته والكل يفكر بالهرب ،لا أحد يدرك حريته حين يهدأ فجأة
-أحتاج إلى ذراعيك كي أنمو زهرة في ترتبتك
_أحتاجكَ أيضاً
هكذا بدأت الأنامل تهتز سروراً داخل بعضها ،يدهما تتشابك يمشيان معاً ،ظلت وردة الجوري البيضاء ترقبهما ،استدارت قربهما، بخجل يشبه خجل البرق حين يلامس أعلى شجرة طويلة همست الوردة البيضاء لهما بعبق كثيف وامتلئت براعمها بشوقهما ،هناك في الحقول كل الأشجار تملك ذاكرة الحزن التي تستولي على الضجيج والأحلام التي لا نهاية لها ،حيث تمد روائحها إلى النيران التي تأبى الانطفاء حين تعلن نهاية الخوف،وحده الصمت يعقد قرانه مع الريح لحظة شرود ثقيل يهبط من ثناياه الدمع كسطل مطر شتائي ، كل الزخات مخدوشة ، كل الخطوات ممزقة الآثارفي هذه المدينة التي تجر أذيال خيبتها العريضة تخبئ حمّاها وسط شوارعها وخلف حاوياتها، دروبها تنكر أقدام الذين اعتادوا على الفرار عليها ، والموسيقا تطلق حواراتها في مهب الحب حين تعزف الألم أنشودة صاخبة ،تطلق خيول أعماقنا لجري طويل حيث يبقى نادر لساعات يحفظ فيها روتينه المتقلب ومزاجة المتبعثر من هيئة غرفته المبعثرة وجوها المغبر، ارتدى الشجن بارتخاء ، وبدأ يعقد حلقات دبكته وأنغامه في قرى حنينه النائية خلف هضبات الجحود وسفوح خيبة عرجاء ،هنا في هذه المدينة الوحيدة يجر الباعة آهاتهم المتصاعدة خلف عمال البنايات الذين بلغت شهقاتهم ناطحات السحاب،كل رواد المدينة يعيشون وحدتهم ،حيث يخرج من بين الصخب سرب أطفال صغار أخرجوا طائراتهم الورقية وأخيلتهم الفصية ليملئوا التأمل من مياه المرح الفاترة، ظلت أنغام مترسلة بشرودها وهي تنظر من خلال بلكونة غرفتها لصمت نسج غزله المتقن في ملامح نادر ، الرجل الذي أخذ يعاين أورام شوقها من خلال المدينة التي تتجلى بهمساتها المعروقة تعباً وشحوباً قتامة الكون وشهوة البسمات 

شاهد أيضاً

كأس وظلال

(ثقافات) كأس وظلال عبد القادر بوطالب تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني سارت خلفي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *