فرصة سنوية للمثاقفة


يحيى القيسي*



منذ سنوات قريبة حينما أصبح لي نصيب في العمل والعيش في هذه البلاد الجميلة وأنا على موعد يتجدد مع “معرض الشارقة للكتاب” وما يزخر من فعاليات يومية كثيفة، وضيوف يأتون بكل جديد من شتى أنحاء العالم، وكتب يحار المرء كيف بامكانه على الأقل أن يتعرف على جديدها في ظل منصات عرض لا تعد، ودور نشر تتنافس لتقديم كلّ ما هو مختلف، وجاذب للقارىء.
ولا يمكن للمرء أن يتجاهل بصورة من الصور السمعة الدولية لهذا المعرض الذي يمكن القول بدون مواربة إنه يعد من أهم المعارض العربية في مجاله، وهو يشكل فرصة حقيقية لكلّ ناشر في أن يتفاعل مع السوق العربية والدولية للكتب، وأن يعقد الاتفاقيات مع المؤلفين، والصفقات مع موزعي الكتب، إضافة بالطبع إلى إمكانية متابعة الندوات والأمسيات التي تتواصل صباح مساء بمشاركة نخبة من الضيوف.
في كلّ معرض للكتاب أقرر عدم شراء أي كتاب بانتظار أن استكمل قراءة الكتب التي تصرخ ليل نهار في مكتبتي لأقرأها والتي كنت قد اشتريتها من الدورة السابقة للمعرض، لكن شهوة القراءة وشراء الكتب تشبه حالة من الادمان، ودائما ثمة أمل في حيوات مقبلة ربما لاستكمال قراءة هذه الكتب التي تستهلك الميزانية الشهرية لمعظم الكتاب وعشاق القراءة، وأذكر أنني في الدورة الماضية لمعرض الشارقة كنت أبحث خصيصاً عن كل ما يتعلق بالمتنبي، سواء دواوينه أو ما كتب عنه أو ضده، واكتشفت بعد انتهاء المعرض أن لدي مكتبة ربما لا توجد عند أحد غيري تخص هذا الشاعر العبقري المثير للجدل، كما أن سنوات العمر قد علمتني أن لا أشتري الآن سوى الكتب التي فعلاً أرغب بقراءتها ولو بعد حين، وبما أن انشغالاتي الأثيرة في السنوات الأخيرة تتعلق بالتصوف والروحانيات والماورائيات فقد أصبحت لدي أيضاً مكتبة صغيرة لهذه الموضوعات، وأدين لمعرض الشارقة في أنني حصلت عليها، وهذا أمر ليس سهلاً البحث عنه في ظل وجود عشرات المكتبات التي تعرض أيضاً الكتب التقليدية للفقه والمسائل الدينية والجوانب الاجتماعية والروايات والكتب التراثية المحققة وأجنحة المؤسسات الرسمية والخاصة.
بقيت مسألة مهمة في مثل هذا المعرض وهي أنه يجمعنا بأصدقاء لم نرهم منذ سنوات بعيدة وخصوصاً الأدباء والصحفيين المدعوين للتغطية أو للمشاركة في الندوات وحفلات توقيع الكتب، وما بين كل الجولات أجد الكثير من الأصدقاء جالسين في المقهى المتوسط بين الأجنحة فنتبادل الحديث ونتواصل بعد طول غياب ، وأستذكر في هذا السياق صديقنا الراحل الشاعر عاطف الفراية، والذي كنت دائما التقيه في هذا المعرض وهو يتجول بين أجنحته أو يقف خارجه يدخن سيجارة ثم يعود بكل همة ونشاط للتجول فيه أو المشاركة في فعالياته أو يسلم على أصدقائه بروح عفوية مدهشة وهو يتأبط الكثير من الكتب الجديدة، وقد شعرت حقا منذ الدورة السابقة بفقدانه في هذا الحدث السنوي الذي كان فيه حالة ثقافية متوهجة ومنحازة إلى الابداع والحياة.
بقيت أيام قليلة إذن على لقائنا السنوي بمعرض الشارقة، وننتظر منه في هذه الدورة الكثير من التجديد في الفعاليات ودور النشر والضيوف، ومن المؤكد أن هواجسنا في شراء الكتب التي تخرج طازجة مثل أرغفة الخبز الساخنة من المطابع ستثير لدينا من جديد شهوة الاقتناء بلا كلل ولا ملل، فلعل أياما قادمة تأتي لكي تنال هذه الكتب منا وقتا ثمينا لسبر أغوارها واكتساب ما فيها من حكمة أو على الأقل الاكتفاء بلذة القراءة وغبطة معانقة النص، وذلك أمر يستحق لوحده الكثير.

* روائي وإعلامي من الأردن

شاهد أيضاً

ليست مرثيّة لإميل حبيبي

(ثقافات) ليست مرثيّة لإميل حبيبي: الإنسان في جوهره مرزوق الحلبي عندما اتخذ الحزب الشيوعي قرارًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *