سمر يزبك تنير فضاء الادب السويدي في خريف ضبابي


*رزاق عبود

دعيت الروائية السورية المعروفة سمير يزبك الى السويد لحضور معرض الكتاب الدولي في جوتنبرغ، واللقاء العالمي للكتاب في ستوكهولم. ونُظمت لها لقاءات مع جمهور قرائها من السويديين، والعرب، وللتواصل مع ابناء وطنها السوريين.

دعتها دار النشر “اورد فرونت” بمناسبة حصول المترجمة ماري انيل على جائزة احسن ترجمة لعام 2013 لروايتها “رائحة القرفة” التي ترجمت الى السويدية تحت عنوان “ومضة داكنة من الضوء”! ماري انيل سويدية تجيد العربية بشكل ممتاز، وقامت بترجمات سابقة لنوال السعداوي، وعلاء الاسواني، وغيرهما.
سمر يزبك درست الادب العربي في جامعات سوريا. كاتبة، وصحفية، وروائية، ومناضلة عنيدة في سبيل حقوق الانسان، المرأة خاصة. تعتبر نفسها روائية بالدرجة الالولى، وتتمنى، ان تتفرغ لذلك كليا، بعد استقرار الاوضاع، وقيام نظام ديمقراطي في سوريا.
أصدرت مجموعتي قصص قصيرة: مفردات امرأة، وجبل الزنابق. كتبت سيناريوهات العديد من المسلسلات، والافلام السورية. ساهمت في مجموعة “انتولوجيا بيروت 39” من بين العديد من الكتاب تحت سن الاربعين، عندما اختارت اليونيسكو بيروت عاصمة للكتاب عام 2009. حصلت على جائزة “تشولوسكي” التي يمنحها نادي القلم السويدي (PEN) للكتاب، والناشرين المطاردين، والمهددين، والمنفيين. وعلى جائزة “هارولد بنتر” البريطانية عام 2012 مناصفة مع كارول آن دافي. ونالت جائزة “بن اوكسفام” من هولندا.
منحتها منظمة الامم المتحدة الجائزة الاولى لسيناريو فيلم السماء الهابطة. بعض هذه الجوائز منحت سابقا لكتاب مشهورين مثل سلمان رشدي، ووابرتو سانيانو. جعلتها هذه الجوائز، ايضا، خطرا اعلاميا على النظام السوري. استخدمت اموال الجوائز للمنظمة، التي أنشاتها لمساعدة الناس المتضررين من الحرب الاهلية في سوريا خاصة النساء، والاطفال.
اولى رواياتها طفلة السماء 2003، ثم الصلصال 2005، رائحة القرفة 2008. تقطع نيران 2012، ولها روايات، ومجوعات قصصية اخرى. ستصدر لها قريبا رواية بعنوان “بوابات ارض العدم”! تتسم كتاباتها بقوة الملاحظة، وحدة الوصف، وجرأة التعبير، وضمير حي تعكسه المشاكل، والهموم، والمواضيع والاشخاص الذين تتناولهم! تسلط الضوء بشكل خاص على طبقية، وباترياركية المجتمع السوري الذي تعاني منه المرأة والاطفال بشكل خاص.
سمر يزبك تنحدر من عائلة علوية لكنها كحال الكثير من شرفاء المثقفين السوريين رفضت الصمت، واختارت الوقوف الى جانب شعبها. وقامت بانتقاد، وتعرية جرائم، واساليب نظام الاسد التعسفية على صفحات مدونتها، والفيسبوك مما اثار غضب النظام. بعد ان قامت، ومنذ بداية الانتفاضة السورية بجولات عبر سوريا لوصف عنف النظام المفرط، والاستماع الى، ومشاهدة معاناة الناس المحاصرين، والمعرضين لقصف القنابل العشوائي، واطلاق النار على المظاهرات السلمية ضد نظام حكم البلاد بالحديد والنار لاكثر من 40 عاما، فأصبحت بذلك شاهدا حيا، وعالميا لانتفاضة الشعب السوري ضد نظام الاسد.
تعرضت، بسبب ذلك، للاعتقال خمس مرات اضافة الى التهديدات، والمضايقات اليومية. شاهدت بعينها اقبية التعذيب، وشهدت الجحيم عندما اقتادتها المخابرات السورية معصوبة العينين، الى زنزانات التعذيب حيث مشاهد الدم، والبول، والبراز، وصراخ المعذبين. شباب معلقين من ايديهم المقيدة من الخلف، يأنون شبه موتى. التقت المليشيات الفظة المرعبة المسماة بالشبيحة. حاولوا كسبها فرفضت، وإسكاتها فعاندت. قيدت حركتها، ولم تعد تلتقي اهلها، واقاربها، أو زيارة مدينتها “جبلة”. في نفس الوقت اصبحت هدف كراهية، وحقد الاسلاميين المتشددين. اعتبرت كافرة، ومرتدة، و”متهتكة” حتى من اصدقاء الطفولة، وزملاء الدراسة، ورفاق المهنة. حاولوا تشويه سمعتها، وتلويث صورتها بنشر الاشاعات المغرضة، الكاذبة، الملفقة ضدها. لما اصبحت حياة ابنتها الوحيدة مهددة بالخطر اضطرت الى مغادرة بلدها، والاستقرار في باريس.
كتابتها غنية بالصور، ومفعمة بالمشاعر، والاحاسيس، والدراما مما يعكس تاثير كتابة السيناريو، ربما، عليها. الامر الذي تفسره بأنها تعشق تصوير المشاهد، والحالات الانسانية، ونصوصها تعكس امورا حقيقية، واحداثا واقعية. اما شعرية لغتها، التي يتحدث عنها النقاد السويديون فتعزيها الى حبها للشعر، وانعكاسه، عن غير قصد، في كتاباتها، وانها ممتنة لوصف النقاد نصوصها بالشعرية. فهي تحب الشعر، وتقرأه يوميا. ومثلما تعرضت للمضايقات بسبب نشلطها السياسي، ومواقفها ضد القمع، والديكتاتورية في بلادها، فانها تلقت الكثير من النقد الجارح، والمحاربة لنتاجاتها بسبب تحررها الفكري، والاجتماعي، وخروجها عن خيمة العائلة، والعشيرة، والطائفية، وتمردها على القوالب الجامدة، فتجرأت على الحديث عن “التابو” المحرمات الاجتماعية، والاخلاقية، والنفاق، والزور الفكري، والاجتماعي في المجتمعات التقليدية.
كتاباتها تعكس هموم الطبقات المسحوقة، وتصور احزمة البؤس حول المدن السورية، والتمايز الطبقي، وتاثيرات الحرب الاهلية، ومعاناة فئات الشعب السوري في الوطن، والملاجئ، ولقاءاتها مع المقاتلين من اجل تغيير النظام. تركز على موقف، ومعاناة، ووضع المرأة في ظل نظام غير ديمقراطي، ومجتمع شرقي تقليدي، ومحاولات الاسلاميين جر المرأة، والمجتمع الى الوراء بسلفيتهم المقيتة. بعد ان اختطفوا الثورة السورية، يحاولون فرض أجندتهم السياسية، والدينية، والطائفية، وادخلوا البلاد في حرب اثنية، وطائفية مدمرة يعاني منها الان كل السوريين، بدل توجيه النضال بانواعه ضد نظام الاسد.
روايتها “رائحة القرفة” الصادرة عام 2008 تعكس فيها الفقر المدقع، والغنى المفرط، والاستهانة بكرامة الانسان، والعلاقات الانسانية بين الرجل، والمراة، او المرأة، والمرأة. موقع المرأة، وصورتها، ودورها، وحدودها المرسومة في مجتمع تقليدي محافظ، ومنافق. الاستغلال الجسدي، والنفسي، والجنسي، الذي تتعرض له المراة السورية، خاصة من الطبقات المعدمة. توضح المظالم، والمشاكل، التي تنشأ، وتتراكم في ظل نظام ديكتاتوري.
كتاباتها تعكس شخصيتها المستقلة، وقوة ارادتها، ولا تخفي علمانية تفكيرها، ومنهجها. عن الرواية بشكل عام تقول: انها مثل الشجرة جذورها، وجذعها من الواقع، لكن الاغضان، والفروع يدخلها الخيال، والتصور، والصنعة الفنية. عن رائحة القرفة تقول: “لم اختر الرواية، هي التي اختارتني، فأحداثها، وشخوصها شدتني، ووجدت ان من واجبي ان اكتبها”.
كتابها “تقاطع النيران ـ يوميات الانتفاضة السورية” يعكس تجارب شخصية، ومعايشات قائمة على الواقع بالكامل، وتعكس معاناة الناس البسطاء من الحرب وآثارها، خاصة المرأة، التي تفقد معيلها، ولا تجد من يساعدها، أو اطفال فقدوا الابوين. مشاهداتها، ولقاءاتها في ارياف المدن، خاصة ريف دمشق. زياراتها لمخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، ولبنان، والمشردين في الارض السورية وعلى الحدود. شخوص التقتهم، تحدثت اليهم، ولا زالت صورهم ماثلة في ذاكرتها.
عن الغربة تقول إن الغربة، والمنافي، لم تعد، كما في السابق، فوسائل الاتصال الاجتماعي متوفرة عبر التلفون، او الانترنت بشكل يومي. “انا ارى ان المنفى والغربة اختلفا، وانظر لهما كجسر بين الداخل، والخارج. بامكاني ان اقدم الكثير لوطني، وشعبي عبر وجودي الاضطراري في الخارج. وجودنا في منافينا الاوربية يمنحنا تجارب، وآفاق جديدة، ويوسع من مداركنا، وحتى ادواتنا، واساليبنا في تناول قضايانا عبر الادب. لكن الانسان، وخاصة المثقف المهموم بمصير وطنه، وشعبه يبقى في الغربة، كأنه جسد بدون رأس. افكاره، وحواسه، ومشاعره تسافر دائما الى ارضه الاولى”.
سمر يزبك تدخل سوريا بين فترة، واخرى بشكل سري لترى بعينيها ماذا يجري هناك، ولتقدم خبرتها المكتسبه من المنفى، والعيش في بلد حر، او نقل المساعدات لأبناء وطنها، رغم المخاطر التي ترافق ذلك. وعبر مشاهدتها، ومعايشتها الشخصية، ترى كيف، ان وسائل الاعلام الاجنبية لا تنقل الحقيقة كاملة، ولا تصور الامور كما هي، وانما وفق تصورات، واحيانا حسب مصالح البلد المعني. مثلا تسلط الاضواء اليوم على الحرب ضد داعش، او حصار كوباني، رغم اهميته ذلك، لكن الاعلام الاوروبي، يتجاهل قصف نظام بشار الاسد للمدنيين، مثلا، او ما تتعرض له المدن، والقرى المحررة من سيطرة النظام من قصف عشوائي، وتدمير مستمر. وكأن الاعلام الغربي يتحدث عن شيطان داعش، وينسى ان هناك شيطانا اخر اسمه بشار الاسد. “اشعر احيانا، وكأن العالم تخلى عن الثورة السورية”! ورغم كل ماتقوم به من نشاطات، واعمال فهي شديدة التواضع، ولا تحب الحديث عن نفسها، ودورها، بل تفضل الحديث عن دور، وشجاعة الاخرين.
في سؤال عن تجاربها، وموقفها، ورأيها في موقف المثقفين السوريين قالت، انها تحترم اختيار البعض للصمت، لانهم لا يريدون مغادرة الوطن، ولكني: “لا افهم، ولا احترم، ولا اسامح من خان ضميره، وزوّر الحقائق. شهود الزور هؤلاء مشكلتي معهم صعبة جدا. انا لا اوافق على الصمت. على المثقف ان يقول كلمته، مهما كانت النتائج، والظروف”. وفي ردها عن الافاق المتوقعة، اشارت الى انها تثق بالمستقبل، وبالشعب السوري، وقواه الحية، وان هناك اجيالا جديدة من المبدعين ممن يقدمون نتاجات متطورة حديثة، معظمهم ترك الوطن، لذا تتوفر لهم الامكانية الافضل في قول ما يريدون.
كتبها ترجمت الى عدة لغات منها السويدية، والايطالية، والفرنسية، والانكليزية، لكنها ممنوعة داخل وطنها سوريا.
_________
*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *