*مي منسى
هو ذلك المسرح الذي يخطف الجمهور من مقعده المريح ويكسوه بدور قد يجد قسراً نفسه حالة طارئة من بين الأدوار الموزّعة على الممثلين. على خشبة “مسرح مونو” حاز عمل ياسمينا ريزا الذي اقتبسه المخرج رومان بولانسكي للسينما في العام 2009 بمشاركة ممثلتين بارعتين، جودي فوستر وكيت ونسلت، على موافقة الكاتبة بأن تكون له نسخته اللبنانية بإخراج كارلوس شاهين، الذي شغف بالموضوع موكلا لبننة النص الفرنسي إلى رندا أسمر سيدة المسرح، المعجونة باللغة العربية والمدعوكة بالدياليكت اللبناني.
كارلوس شاهين الذي واكب حركة المسرح في باريس متابعاً على مدى ثلاث سنوات الدورات التدريبية في المعهد الوطني العالي للفنون الدرامية، ثم عمل مع مخرجين أوروبيين وفرنسيين في هذا المضمار، اكتشف وطنه لبنان بفضل غسان سلهب، ومعه أخرج ثلاثة أفلام.
في العام 2008 كتب وأخرج ومثّل في فيلمه القصير الأول، “طريق الشمال”، وقد نال جوائز تقديرية في المهرجانات الدولية. أما درامية “مجزرة” فهي عمله المسرحي الأول في لبنان.
قبل أن نتصاهر مع الممثلين الأربعة على الخشبة، المرأتين والرجلين، كانت المطوية في يدي تعرّفني عليهم، متخرجي دروس عليا للمسرح. برناديت حديب شاركت في العديد من العروض المسرحية والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية في لبنان والعالم العربي، ولا سيما عملها مع كبار الأسماء في المشهد اللبناني والسوري أمثال روجيه عساف وسهام ناصر ودريد لحّام وقد حازت جائزة أفضل ممثلة في دورها “لما حكيت مريم”. في المجزرة، تلعب شخصية فيرونيك. كارول الحاج متخرّجة في جامعة القديس يوسف بشهادة الفنون البصرية. مثّلت في “بيت برناردا ألبا” و”طالبين القرب” و”الرغيف” ونالت على دورها مريانا جائزة الموريكس الذهبية. الجمهور عرفها في مسلسلات تلفزيونية منها “إبنة المعلّم” و”الشحرورة” و”عندما يبكي التراب”، وكراقصة محترفة ظهرت في “الرقص مع النجوم”. وفي المجزرة تلعب شخصية أنيت”. فادي ابي سمرا حائز شهادة الدراسات العليا في قسم المسرح من الجامعة اللبنانية. مدير قسم الرسوم المتحرّكة في تلفزيون “المستقبل”. ممثل سينمائي محترف، عرف في أفلام عدة، منها “بيروت الغربية” لزياد دويري، و”باب الشمس”، ليسري نصرالله، و”كارلوس” لأوليفيه اساياس، و”فندق بيروت” لدانييل عربيد وغيرها. وفي “المجزرة” يمثل شخصية ميشال زوج فيرونيك.
رودريغ سليمان ممثل ومخرج لبناني، حصل على شهادة في الإخراج من المدرسة العليا للعلوم السينمائية في باريس. من أفلامه “غدي” و”كرة مفقودة” والمسلسل التلفزيوني “قيامة البنادق” للمخرج السوري عمار رضوان، و”اليوم الأول” من إنتاج فرنسي – لبناني و”اشرقت الشمس” لشارل شلالا و”شريعة الغاب” لمنصور رحباني. في “المجزرة” يمثل شخصية ألان، زوج أنيت.
الموسيقى المواكبة لمسار المسرحية، ليست موسيقى بالمعنى الصحيح، سبع نوتات رتيبة لا غير، بها نتكيّف مع هذا الجو الذي بدأ حميماً، لائقاً، كبحر ساكن، إلى أن يعلو الموج شيئا فشيئا ويكشف كل شخص عما في خباياه من كراهيات وأحقاد ولوم وعتب.
فردينان وبرونو، رفيقان أدى الشجار بينهما إلى ضربة عصا من الأول أدت إلى كسر في أسنان الثاني وورم في وجهه. أنيت وألان يأتيان إلى منزل فيرونيك وميشال لتسوية الأمور. الأداء كان من شخصية إلى أخرى رائعاً بالفعل، في تداولهما هذا الموضوع والسعي إلى تذليله، وبتقديم ألان والد فردينان، المساعدات المطلوبة، كتعويض لفيرونيك وميشال عما سبّبه لابنهما. القهوة والحلويات لم تجد نفعا، فتحت المجاملات والصداقات المفتعلة، قنبلة على وشك الانفجار.
لقد كنا في مشهدية من واقع الوجود، حيث الانسان الذي تطلب منه اللياقة ضبط النفس، والتهذيب المزغول بكلام مفبرك في طاحون المجتمع، سرعان عند المحك ما يفلت “الملق” ويغرق الانسان اللائق في غريزته التي تكشف له عاهاته وعوراته.
كارلوس شاهين في إدارته هذه المشاهد، كان يصنع أكثر من مسرح للمتعة والضحك أحياناً. لقد خرق ما في داخل كل شخصية من أوهام ومكبوتات، وغرائز دفينة، وجعلها تتفجر
من شخصية إلى أخرى عبر عناصر تمثيلية كفوءة، أشعلت الخشبة بتجسيدها مجتمعاً قاسياً، أنانياً، اختصره في عمل مسرحي من صنع ياسمينا ريزا، وإخراجه.
_________
*النهار