محمد مسعد*
( ثقافات )
نظمت مؤسسة سلامة للفنون في ألمانيا أمسية موسيقية للفنان السوري أشرف كاتب، وهي مؤسسة تديرها السيدة ميساء سلامة فولف المقيمة في برلين منذ سنوات طويلة ، وتعني بتنظيم المعارض التشكيلية والأمسيات الأدبية وسبق أن أقامت العديد من الفعاليات للأدباء :عادل قرشولي، كمال العيّادي ، إسكندر الديك إضافة إلى أمسية للموسيقار السوري مروان الكرجوسلي.
هنا مقال حول الأمسية الأخير لأشرف كاتب ورامونة نيريس بقلم الإعلامي المغربي محمد مسعد :
الموسيقى هي اللغة الأم للعالم، مقولة قديمة لكنها لم تفقد راهنيتها، ولربما هي لغة الكون الوحيدة. إنه الدرس البليغ الذي يلقنه لنا أشرف كاتب، الموسيقار السوري الألماني. يقف أمامنا بكامل مشمشمه ويدوزن كمانه على إيقاع الحضارات. كلما أتيحت لي الفرصة أن أسرق تفاحة الجنة، أجدني هائما في إيقاعات تصول وتجول بين أمواج الموسيقى العاتية. هكذا ودون سابق إنذار وفي أمسية برلينية بطقسها الخانق مؤخرا، يقف أشرف ويسافر بنا في عوالم رحبة لموسيقي سوري آخر اختاره ربه إلى جواره، ضياء سكري. رحلة ابتغاء لمرضاة الله كأنها صدقة جارية، تخفف عنا ما نزل. بين برلين وحلب قصة تاريخ مشترك. تعدد ثقافي وموسيقي رفيع. لقد حاول أشرف أن يحملنا عبر مشروع أطلق عليه” موسيقي من حلبي” وكأن رسالة بصوت مشروخ بالحرب عن حلب التي تتدمر الآن على يد الطغاة وخفافيش الظلام. إنها المرة الأولى في ألمانيا التي يقدم فيها أشرف كاتب مشروعه للعلن. إنه عمل توثيقي للأعمال الفنية للمؤلف الموسيقي السوري المعروف «ضيا السكري». وقد قدم فيه أشرف كاتب عددا كبيرا من المقطوعات الموسيقية الخاصة بآلتي الكمان والبيانو، بمشاركة عازفين سوريين وعرب وعالميين. ويدخل هذا المشروع ضمن إهتمامات أشرف للتعريف بالموسيقى السورية والعربية من خلال الأمسيات الموسيقية التي يقوم بها حول العالم، كما قدم العديد من الأمسيات الموسيقية في سورية وساهم في إطلاق أمسيات الخريف الموسيقية التي كانت تحية من مدينة حلب إلى باقي المدن السورية العام الماضي. يحملنا أشرف كاتب في رحلة موسيقية إلى عوالم ضياء سكّري (1938-2010)، أبرز الموسيقيين العرب المعاصرين الذين أسهمت مؤلفاتهم في تعريف الغرب بالموسيقى العربية. كما أن سكري ألف مقطوعات موسيقية كثيرة تستمد جوهرها من الألحان العربية الأصيلة التراثية وفق رؤيته المعاصرة وروحه الفني واختياراته لتنويعات الموسيقى الداخلية الدقيقة. هذا بالاضافة إلى أن مؤلفاته عزفت في باريس منذ ثمانينات القرن الماضي، لتنطلق وتنتشر في مدن العالم وتعزفها فرق موسيقية كثيرة. ويبرز في أعماله تنوّع العناوين والمضامين، فمنها ما هو ذو سمة شرقية واضحة كـ”على دلعونا” و”عشتار والموجة” و”أغنية المهد”، ومنها ما له طابع معاصر شخصي كـ”تحية إلى كرايسلر” و”تحية إلى ساراسات”، وما يتّسم بتوجه روحاني كـ”صلاة” و”صفاء نيسان”. وعن هذه العوالم يقول العازف أشرف كاتب عن تجربته مع هذه العوالم: “كانت أول تجربة لي مع ألحان ضياء سكري في عام 1992 عندما عزفت مقطوعة من تأليفه في موسكو نالت إعجاب اللجنة. كما التقيت ضياء سكري لأول مرة عندما زرته في باريس عام 1993.“ وفي الفترة الأخيرة قام مجلس مدينة حلب برعاية مشروعي في تسجيل أعمال الموسيقي ضياء مشروع “موسيقي من حلبي” عبارة عن أسطوانتين تحتويان مؤلفات ضياء سكري مسجلة يؤديها عدد من العازفين العالميين.“ تضم كل منهما إثنى عشرة مقطوعة. لقد كانت حقا أمسية موسيقية راقية أتحفنا بها أشرف كاتب والموسيقية الليتوانية رامونه نيريس، تحت إشراف منظمة المعارض التشكيلية و الأمسيات الثقافية والموسيقية ميساء سلامة – فولف التي تبذل جهدا إستثنائيا كي تتنفس برلين موسيقى وفنون وثقافة عربية.
* كاتب وصحافي مغربي
برلين