*وليد رباح
( ثقافات )
كثرت مبيعات لحوم الحمير في الوطن العربي كسرا لموجة الغلاء .. ولقد افقت في هذا الصباح وشاهدت جمعا من الناس ( ينهقون) ويبرطعون ويغنون ويتمرغون بغبار الطريق تقلبا فضحكت .. ولكني عندما اجتزت شارع بيتنا رأيت الناس يضحكون وينظرون الي ببلاهة فاذا بي أنهق وابرطع واغني واتمرغ بكامل جسدي على قارعة الطريق مثلهم .. وتفكرت فاذا زوجتي( رضي الله عنها وارضاها) قد اشترت لنا لحما رخيصا في العشاء .. وقيل فيما بعد في صحافة الدولة ان لحوم الحمير قد بيعت برخص التراب .. فاذا بي حمار من نوع الحارق الخارق .. واذا زوجتي اتان تلبي حاجة اطفالي من الحليب واللبن .. وتخبؤه في الثلاجة خيفة العفن .. واذا بها تقوم الليل لا للصلاة ولكن لتخيط ( برذعة) لي كي البسها في المساء وحتى لا يصيبني برد الشتاء .. فهل نضع الحق على الحمير ام على فساد الضمير !!
***
ولما كانت اخريات هذا الزمان اسوأ من أوله فقد احجم الناس عن اكل اللحوم الضانية .. بسبب نقص القوة الشرائية.. وانعدام وزن الليرة الايطالية .. وسقوط الدولار الامريكي واستبداله بكرتون (ميكي) .. وذوبان (الين) في مستشفى الامراض العقلية .. والاسترليني قيل ( فعصه التوربيني) أما الليرة العربية .. فقد اصبحت باتفاق الجميع كرتونية .. واتجه الناس نحو لحوم الحمير .. ليقيموا الحجة على ( الامير) الذين نهب طعامهم بالقناطير .. واخفى ملايين من الذهب ومثلها من الدنانير ..
ولما كان بنو يعرب يتأثرون بما يأكلون .. اذ جعلتهم لحوم الخراف يهربون ويجبنون .. وعششت جينات الضأن في لحومهم فاستبدلوا كل جميل بقبيح .. فانهم اتجهوا نحو الحمير التي ديدنها ( التطنيش) واكل الحشيش .. وحب المرعى حتى لو كان من بين اخوتها جوعى .. ولا تشكو العطش والجوع .. ولا تقترب من الينبوع .. بل تشرب الماء الملوث .. واكثر ذكورها من النوع المخنث .. لذا فقد تحول العرب الى قوة بلهاء على اجساد عجفاء .. تضربها على رأسها فتدير لك استها .. وتعطيها الدولار قرضا فتعيده اليك ليرة او دينارا .. وتضرب الناس على الياتهم فيحرنون ويتبلدون.. واخذ تفكيرهم ينمو نحو التطنيش والحمرنة فلا يفهمون الجزمة من كوب الماء .. والسيارة من شجرة الياسمين ..
وعلى مدار سنوات بنت اجسادهم لحوما حميرية .. واخذت اشكالهم تلتوي على شكل حوافر .. واختفت اصابعهم من بين ايديهم ونبت بدلا منها حوافر حادة في شكلها كاطراف السكاكين .. لكنها غضاريف تلتوي عند اول عضة .. وتنكسر عند بوادر ( الخضه) . فاصبح اميرهم لينا كخصور الراقصات .. وتبعه العامة من الناس فاصبحت عظامهم غضاريف لا تقوى على مقارعة الزمان
ولما كان الناس على دين ملوكهم وامرائهم فقد كانوا يهزجون كلما عن للحاكم ان يغني .. ويقيمون الافراح والليالي الملاح عندما تظهر فحولته في ولادة طفل له .. ويغضبون اذا ما هجرته احدى زوجاته غضبا لغضبه .. فان اكل اموالهم فرحوا .. وان طغى وبغى هللوا ..وان مر بموكبه صفقوا .. اما ان ادار ظهره لهم فانهم( يمدون اصابع اكفهم الوسطى) له ضاحكين ..
وكسرا لموجة الغلاء .. وحتى لا تنتشر الفاحشة والبغاء .. فقد قام البعض ( شكر الله سعيهم) بحل المشكلة .. وتليين المعضلة ..وشهدت ساحات المحاكم جملة من محاكمات الجزارين .. بتهمة استبعاد البعارين .. وبيع لحوم الحمير .. وتسويقها بالقناطير .. فاذا القاضي قبل ان ينطق بالحكم ( ينهق) واذا به ينزل عن منصة القضاء ويلتحف الفضاء ويتمرغ بجسده امام المحامين والحاضرين .. واذا النيابة ترد عليه النهيق بالنهيق .. والتمرغ بمثله .. ويشمر القاضي لباسه الزاهي ويبول على منصة القضاء .. واذا بول القاضي يشبه بول الحمير رائحة وشكلا .. واذا النيابة والناس يفعلون مثله .. وهكذا تحولت المحكمة الى حلة زاهية .. فيها مناظر باهية .. وانتقلت المراحيض الى غرفة القاضي .. والفاضي دائما يعمل قاضي .
وهكذا تغير الزمان .. اما شيخ القبيلة ايها الساده .. فكما هي العاده .. فقد ظل على حاله من الجبن .. وكان اذا ما احس بالخطر يهرب من على عرشه الى القن .. ذلك انه يتناول لحوم الضأن .. ولا دخل له بالحمير او شأن .. ولكن التاريخ كتب بعد كل ما جرى .. ان الدنيا قد انقلبت .. فاصبحت الهرة اسدا والارنب نمرا والغزال ثعبانا والنساء رجالا .. واتسعت طبقة الاوزون وقربت من رؤوسنا فاصبحنا نمد ايدينا من خلالها الى الفضاء .. ليمن الله علينا برغيف من الخبز نتيجة الدعاء .. وتصبحون على خير .