شابلن متحدثًا !!


*فهد الأسطاء

سبق أن كتبت في مقال سابق بعنوان “لنتحدث عن شابلن مجددًا”؛ لأعبر عن قيمة سينما “شابلن” ومدى تأثيرها، معتمدًا بذلك على أبرز أفلامه وأشهرها في حقبة السينما الصامتة، مثل City Lights, Modern Times, The Kid ,,The Gold Rush فيما يجدر الإشارة إلى أن “شابلن” كان قد قدَّم فقط في تلك الفترة ستة أفلام طويلة صامتة كلها تعتبر من روائع السينما، وتعبر بقدر كبير عن “شابلن” كاتبًا ومخرجًا، بل وحتى في كتابته لموسيقى أفلامه. ولكن ما الذي تغيَّر في “شابلن” ومستوى أفلامه وطريقة تنفيذها حينما جاء الصوت وانتقلت الأفلام لمرحلة السينما الناطقة، حيث قدم خمسة أفلام شهيرة؟

كانت البداية مع تحفته الشهيرة عام 1940 The Great Dictator والتي مثَّل فيها “شابلن” شخصية حلاق يهودي مضطهد شبيه بديكتاتور في إسقاط على النازية وقائدها هتلر. ثم في عام 1947 قدَّم فيلمًا رائعًا للغاية في دراما جريمة كوميدية بعنوان Monsieur Verdoux يؤدي فيه “شابلن” بكاركتر مختلف شخصية رجل طريف ورقيق لكنه مخادع يقوم بالتلاعب بالنساء الثريات ويقتلهن بعد أن يسرق أموالهن, ثم في عام 1952 يقدم “شابلن” إحدى تحفه السينمائية بعنوان Limelight في دراما مفعمة بالميلودرما والكوميديا السوداء في قصة ممثل كوميدي مسرحي تلاشت نجوميته يعتني بفتاة راقصة باليه مريضة، ويسعى لتقديم عرض كبير يعيد للأضواء، وكان “شابلن” وقتها قد استعان بأحد مجايليه ومن يوضع على مستوى المقارنة معه كأحد أفضل كوميديي الفترة الصامتة وهو الأمريكي “باستر كيتون” في مشهد غامر بالكوميديا لا ينسى، في الوقت الذي كان يعيش فيه “باستر كيتون” أسوأ فتراته بعد انصراف المنتجين عنه وخفوت نجمه مما يصنع تماهيًا محزنًا مع قصة الفيلم ذاتها. وبعد ذلك بخمس سنوات عام 1957 يقدم “شابلن” فيلم A King in New York وهو آخر ما ظهر فيه “شابلن” ممثلاً حيث يؤدي في هذه الكوميديا السياسية شخصية رئيس دولة يهرب بعد ثورة الشعب عليه إلى أمريكا، وهناك يقوم “شابلن” بالعديد من مواقف النقد الساخر تجاه صخب الحياة الأمريكية إعلاميًّا، وسيطرة الفكر الرأسمالي. ثم بعد توقف عشر سنوات وفي عام 1967 يقدم “شابلن” آخر أفلامه إخراجًا وكتابة للنص والموسيقى دون أن يمثل فيه سوى في حضور عابر ليسند البطولة إلى نجوم وقتهم، وهم الأمريكي “مارلون براندو” والجميلة الإيطالية “صوفيا لورين” في فيلم A Countess from Hong Kong حيث يؤدي “براندو” شخصية مليونير دبلوماسي يتفاجأ بوجود كونتيسة روسية سابقة مختبئة في مقصورته للهرب من هونج كونج في رحلة بحرية إلى أمريكا.
وإذا كان من السهل ملاحظة التغير الذي طرأ على أفلام “شابلن” في فترة السينما الناطقة من حيث الموضوعات ومستوى جديتها، وطريقة السرد وكتابة الموقف الكوميدي، والتقليل من كوميديا الجسد بإيقاعها السريع كما كان يجيدها “شابلن” كثيرًا، وحتى تغيير الكاركتر الشهير للصعلوك المتشرد وغير ذلك مما يشكِّل تماهيًا مع السينما العالمية عامة، والتغييرات التي حدثت لها، وأثر الحركات والموجات السينمائية التي مرَّت بها، إلا أن ما يمكن ملاحظته أيضًا بشكل أدق حول استغلال “شابلن” لعنصر الصوت والحوار خلال هذه الفترة فهو وبطريقة ليست فجة وكثيرًا ما حالفه التوفيق في توظيفها أصبح يستغل الحوارات للتعبير عن أفكاره وحكمته تجاه الحياة والإنسان والسياسة والمجتمع، ويمكن ملاحظة ذلك من أوائل أفلامه الناطقة “الديكتاتور العظيم ” في مشهد الخطبة الشهيرة مع نهاية الفيلم, ويمكن ملاحظته أيضًا من خلال شخصيتي” كالفيرو” الممثل المسرحي الكوميدي في فيلم “أضواء المسرح” وحواراته الشهيرة مع راقصة الباليه في بيته تجاه الحياة ذاتها والرغبة والإنسان، كما يمكن اقتناص طبيعة النقد السياسي والاجتماعي في فيلم “ملك في نيويورك ” مع شخصية الملك شادوف وحواراته أيضًا سواء مع مساعده أو حتى مع أحد الصبية الذين التقى بهم في مدرسة خاصة، وتوجه الصبي الشيوعي الاشتراكي الطريف بسبب والديه. وهذا ينسحب بطبيعة الحال على آخر أفلامه مع شخصية السياسي الدبلوماسي “مارلون براندو” في فيلم “كونتيسة من هونج كونج”, وبكون “شابلن” هو من يكتب أفلامه بكل تفاصيلها وحواراتها فإنه ليس من المستبعد أن نعتبر أن أفلامه الناطقة عبَّرت عنه تحديدًا، وأعلن من خلالها العديد من أفكاره بعد أن استنفذ أفلامه الصامتة مع الإنسان البسيط في أنقى مراحله.
_________
*مجلة المجلة

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *