جهاد هديب
عن دار فضاءات للنشر بعمّان، صدرت مؤخرا للروائي الأردني زياد أحمد محافظة روايته الجديدة التي حملت العنوان: «نزلاء العتمة» وجاءت في 200 صفحة من القطع المتوسط.
ليست «نزلاء العتمة» هي الرواية الأولى التي تتناول الموت وإشكالية «فناء» الجسد البشري، فهذه الفكرة نوقشت في العديد من المدونات السردية العربية خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. إنما منذ مطلع هذه الألفية باتت النصوص السردية العربية أقل انشغالا بأسئلة الوجود وقلقه، وهذه تضاف إلى ميزة أخرى لـ «نزلاء العتمة» تجاور ميزة أخرى فيها هي أن الروائي زياد محافظة يدخل مباشرة إلى موضوعه الإشكالي منذ السطر الأول من روايته: «لست أبحث عن موت باهت، فحتى الموت أحبّ أن يكون شهيّ المذاق». كانت تلك آخر عبارة رماها في وجوههم قبل أن يعبر وحيدا إلى عالم فاتن». لا فائض في السرد وما من دواع أخرى للتأسيس لهذا الانتقال، حتى أن المرء يشعر، أثناء القراءة، أن الشخصية ذاتها، التي هي العمود الفقري للرواية، تجرّ الروائي باتجاه المنطقة التي ترغب في الرحيل إليها أكثر مما يود أن يفعل هو. بهذا المعنى تكون «نزلاء العتمة» اختبارا لتلك العوالم تشحذه المشاعر والأحاسيس والمخيلة أكثر من أنها نتاج أفكار وتصورات وخيالات مسبقة أو موروثة عن ذلك العالم.
وتنطوي الرواية على العديد من الأسئلة المقلقة التي تفرض حضورها على الإنسان؛ وتغوص بتأن في تحليل جدوى التأويلات الميتافيزيقية التي تظل تؤجل الخلاص إلى عالم الماوراء، وهي بذلك تنسج عوالم متداخلة تكاد غرائبيتها تكون مألوفة إلى درجة الواقعية، وواقعيتها غريبة إلى درجة الفانتازيا. بمعنى أن الرواية بشخوصها وأحداثها وتداعياتها، تدور في حيز واحد لا يخرج عن مخيلة بطلها، فيما هو يقضي اللحظات الأخيرة في هذه الحياة، محاولاً في صراعه مع كل شيء يحيط به، بلوغ لحظة الخلاص المنشود، وناحتاً لنفسه عالماً مشبعاً بالحرية. إن بطل الرواية وفقا للصراعات التي يخوضها يدرك بهذه الممارسة أن الموت وهو يغير في نظام الأشياء وصيرورتها، قد لا يزيح عن كاهل المرء تلك النتائج التي أورثه إياها القمع والكبت اللذان يتكاثران حوله، لكنه يدفعه بالضرورة إلى النهوض، وإلى التحرر من الصراعات التي تهيمن عليه.
فالرواية وفقا لهذا المنظور تمضي نحو التصدي لقوى الظلام والقهر تحت أي مسمى كانت. وفي الوقت الذي تفتح فيه الرواية الباب أمام المخيلة الخصبة، لتمضي نحو عوالم جديدة لم يختبرها المرء من قبل، فإنها تسعى بلغة روائية شفافة وبناء مشهدي محكم، إلى خلق مقاربة تدريجية تتيح فهماً أعمق لتلك المنطقة الغامضة بين الحياة والموت؛ تلك المنطقة التي لابد أن يتوقف عندها المرء، قبل عبورها بشيء من الخوف والقلق. وأخيرا، فإن زياد محافظة روائي أردني يقيم في أبوظبي ويعمل فيها، ويحمل درجة الماجستير في الإدارة العامة، وقد كتب في العديد من القضايا الفكرية والأدبية.
صدرت له عن دار الفارابي ببيروت رواية «بالأمس.. كنت هناك»، ورواية «يوم خذلتني الفراشات» التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2012، وصدرت له عن دار فضاءات بعمّان مجموعة قصصية بعنوان: «أبي لا يجيد حراسة القصور».