*خليل قنديل
ما من زمن مرّ علينا مثل هذا الزمن الأميبي الذي يبدو فيه الواحد منّا وكأنه فقد القدرة على تهجئة التاريخ، ومنحه المسمى المعقول الذي يتناسب مع هذا الوضع العام. وفي هذا المقام اعتمد الفقراء والبسطاء على تسمية تقاويمهم الشهرية أو السنوية بربط الحوادث التقويمية بالكوارث الطبيعية، فيقول ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ إن أمي ولدتني «سنة الهزة»، أو سنة «الثلجة الكبيرة»، أو حتى عام النكبة، وقد ظلت مثل هذه التوقيتات صالحة لأكثر من جيل، وظلـت تشكل مرجعية تقومية لا يستهان بها، ويمكن الاعتماد الكلي عليها!
ولأن منطقة بلاد الشام والهلال الخصيب من المناطق المستقرة طبوغرافياً عبر التاريخ، فقد شكلت المرجعيات المرتبطة بالكوارث الطبيعية مرجعاً لا يستهان به، وسط أمية لا يستهان بحجمها أيضاً! ولهذا تجد أن من الطبيعي جداً أنك حينما تسأل أحد المسنين عن عمره ليقول لك إني ولدت سنة الثلجة الكبيرة، أو سنة الهزة الأولى!
وهكذا ظل التقويم يعتمد في استرداد ذاكرته على الكوارث العظيمة التي اكتسحت بلاد الشام بوجه خاص، والمنطقة العربية عموماً!
والسؤال الذي ينبت ــ وعلى نحو مباغت ونحن نعيش كوارثنا الاجتماعية والسياسية هذه الأيام ــ هو ما الذي يمكن أن يلهمنا ويدلنا على طبيعة المرحلة التي نعيشها هذه الأيام؟
وعودة على بدء في تهجئة واقعنا الحالي، ومنحه مسماه الذي يتطابق مع تعرجاته الغامضة، نقول: هل من الممكن أن نسمي مرحلتنا هذه مرحلة التراشق بالجغرافيا التاريخية، وهي عودة إلى أمية الجغرافيا السياسية في تشكلها التاريخي الأول، ومحاولة إعادة صياغة نطقها الجغرافي الأول؟ وهل يمكن أن نقول إن منطقتنا تتحلل أمام أعيننا لتعيدنا من جديد إلى العناصر التي شكلتها من ديانات وطوائف وانحرفات تكـوينية؟
أو هل من الممكن أن نسمي مرحلتنا هذه بمرحلة إعادة غسل للطبوغرافية السكانية، فنقول إننا في المرحلة «الداعشية»، وهي المرحلة التي استردت فيها القبائل القاطنة في هذه المنطقة روحها العشائرية، وإعادة عسكرة الروح من جديد؟
ونحن حين نرى الملامح الاندهاشية حينما نستعد لإلقاء بعض هذه المسائل؛ علينا ألا نندهش من بطء تطورنا، ومن قسوة التراكم الحجري فوق أرواحنا.
من هنا يمكن القول إنه علينا أن نطوع أرواحنا من جديد، ونحتمل كد التغير وكيمياء التحولات المتسارعة، وتلك الأثمان البغيضة التي علينا أن نسدد فواتيرها للتاريخ!
ذلك أن الأمم التي عادت إلى صياغة روحها من جديد دفعت الثمن الكبير كي تقوى على التوازن والمواءمة مع عصرها ومع التاريخ.
_______
*الإمارات اليوم