سيد محمود
| أحبط التشكيل الجديد للمجلس الاعلى للثقافة الجماعة الثقافية المصرية التي رأته مخيباً للآمال الى حد كبير. وعبّر مثقفون على مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضهم لقرار التشكيل الذي أصدره رئيس الحكومة المهندس ابراهيم محلب، إذ لم تتعرض تركيبة المجلس لتغييرات جذرية تخالف البنية القديمة التي كانت قائمة طوال ما يزيد عن ربع قرن.
هكذا ضمّ من الرموز السياسية لنظام مبارك: علي الدين هلال مهندس عملية التوريث السياسي لمبارك الابن واستاذ العلوم السياسية المعروف، ومصطفى الفقي سكرتير مبارك السابق للمعلومات، والصحافي مكرم محمد أحمد آخر نقيب للصحافيين خلال حقبة مبارك، وصبري الشبراوي أستاذ العلوم الادارية الذي ظل على قائمة الانتظار ضمن المرشحين لرئاسة الحكومات الأخيرة لمبارك أيضاً، وأُبقيَ على عضوية أحمد عمر هاشم الذي كان رئيساً للجنة الشؤون الدينية في برلمان مبارك الأخير. كذلك، احتفظت ليلى تكلا وثيقة الصلة بسوزان مبارك، بعضوية المجلس مثلها مثل اسماعيل سراج الدين مدير «مكتبة الاسكندرية». وحافظ المجلس في التشكيل الجديد على المبدعين من ذوي التوجه المحافظ وابرزهم الشاعران فاروق جويدة وفاروق شوشة. وأبقي كذلك على الشاعر احمد عبد المعطي حجازي، والكاتب السيد ياسين، والناقد صلاح فضل كأعضاء خالدين لا يمسهم التغيير. وأكثر ما لفت النظر أنّ أغلب اعضاءالمجلس تجاوزوا العام الثمانين حتى بات جابر عصفور نفسه ومعه المخرج داوود عبد السيد والكاتب جمال الغيطاني هم أصغر الأعضاء سناً. وضم التشكيل العديد من الأسماء التي لعبت أدواراً ثقافية مهمة، لكن اعمارها لا تسمح بمواصلة العطاء. بعضهم يعاني من امراض الشيخوخة المزمنة مثل الكاتب ادواراد الخراط، واستاذة الموسيقى عواطف عبد الكريم، واستاذ الفلسفة مراد وهبة.
وبدا واضحاً ضعف تمثيل المرأة في المجلس الذي اكتفى الى جوار عبد الكريم وليلى تكلا، بتمثيل المحامية تهاني الجبالي العضوة السابقة في المحكمة الدستورية التي كانت من أبرز المناهضات لحكم جماعة الاخوان المسلمين وأكثر الاسماء التي تم استهدافها على مواقع التواصل الاجتماعي، ونالت نصيباً وافراً من السخرية بحثاً عن تفسير لعضويتها أكثر من حماسها المفرط لحكم الرئيس السيسي وخطابها الاعلامي الذي روج لنظرية المؤامرة على مصر.
من جهته، رفض وزير الثقافة المصري جابر عصفور في اتصال مع «الأخبار» وصف التشكيل بالجديد، مؤكداً أنّ ما جرى ليس تشكيلاً جديداً انما هو ضمّ لأعضاء جدد محل الذين توفوا لأنّ قانون انشاء المجلس يجعل عضويته مدى الحياة شأن عضوية مجمع اللغة العربية أو مجمع الخالدين ولا تسقط الا بوفاة صاحبها وبالتالي لا يحق له من الناحية القانونية إعادة تشكيله، بل يجوز له فقط اقتراح اسماء اعضاء جدد يحلّون محل الاعضاء المتوفين، وهو ماحدث بالفعل بضم المخرج داوود عبد السيد محل الراحل توفيق صالح والشاعر سيد حجاب وعواطف عبد الكريم التي حلت محل سمحة الخولي وحلت المحامية تهاني الجبالي محل عائشة راتب استاذ القانون.
وكان مثقفون مصريون قد عبّروا طوال الاعوام الثلاثة الماضية عن رغبتهم في اعادة تشكيل المجلس الذي يوصف بأنه «العقل المفكر» لوزارة الثقافة ليكون اكثر تعبيراً عن تنوع الرؤى والاتجاهات، فضلاً عن الرغبة في اعادة هيكلته والنظر في الادوار التي يلعبها بحيث يتحول الى برلمان ثقافي يرسم السياسات الثقافية وتكون له سلطة الرقابة على مختلف اجهزة الوزارة. وأوضح جابر عصفور أنّ مثل هذا التعديلات بحاجة الى تغيير قانون تأسيس المجلس الذي أنشئ بقرار جمهوري يحمل الرقم 150 لسنة 1980. من ناحية أخرى، بقي المناصرون لـ «ثورة يناير» في عضوية المجلس أقلية واضحة يمثلها بهاء طاهر (الصورة) وعالم النفس الشهير مصطفى سويف الذي يحاكم حفيده علاء سيف بتهمة خرق قانون التظاهر، إضافة الى المخرج داوود عبد السيد والفقيه القانوني نور فرحات، والشاعر سيد حجاب الذي أعلن دعمه المباشر للمرشح الرئاسي السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، ورفضه لترشح السيسي لرئاسة الجمهورية.
ويظهر التشكيل الجديد إصابة الدولة بـ «حالة تصلب» تتجاهل حيوية المشهد الثقافي المصري بعد «ثورة 25 يناير»، وتنوع عناصره في تمثيل الاجيال والفئات العمرية والانواع الفنية والأدبية، استناداً الى حجة قانونية كان يسهل تفاديها بصدور مرسوم رئاسي يعيد تشكيل المجلس وفق أسس جديدة. من ناحية أخرى، كشف التشكيل الرغبة في إبقاء المجلس كمؤسسة مانحة للجوائز، وليس كجهة ترسم السياسة الثقافية. اتهامات رفضها عصفور مؤكداً أنه يرغب شخصياً في تغيير اكثر من نصف اعضاء المجلس لكن القانون لا يمنحه هذا الحق، لافتاً الى تغييرات أخرى في قطاعات الوزارة أُعلن عنها أخيراً اتسمت بالايجابية منها تعيين المخرج المسرحي ناصر عبد المنعم رئيساً لقطاع الانتاج الثقافي، والناقد وليد سيف مديراً لـ «المركز القومي للسينما»، والشاعر مسعود شومان في رئاسة «الهيئة العامة لقصور الثقافة». وسوف يمثل هؤلاء بحكم مناصب في عضوية المجلس، الى جوار المؤرخ محمد عفيفي الامين العام الجديد للمجلس، والكاتب حلمي النمنم رئيس دار الكتب. لكن السؤال: هل تكفي وردة واحدة لتصنع ربيعاً للثقافة المصرية؟
* الأخبار