*خليل قنديل
صباح الخير يا غزة، وصباح بشارة الوطن حينما يصبح بحجم الكف التي تلوّح لنا بوعد النصر بعد كل هذا الخرس النضالي. صباح الوعد المقدس بالنصر الذي هشم ولأول مرة وهم التفوق الإسرائيلي!
صباح الخير أيتها الصابرة، وصباح الخير يا سيدة المدن، وأنت تعطينا حصتك الأولى في النصر، وبوعد الصمود وقطف النصر. صباح الخير يا غزة وأنت تفتحين طرقاتك وأزقتك وتسحبين الأطفال بعظامهم الطرية من الميادين والساحات، كي تتركي تلك المساحة في حضن الأم فارغة، ويبدو الرضيع الذي كان يغفو على صدر أمه وهو يرسم دهشة فقدان العائلة مرة واحدة!
صباح العائلة التي فقدت وقارها في الفقدان، فصار الأب ينحب وهو يعدد مزايا أطفاله الذين فقدهم تحت وابل من الصواريخ، بينما الأم تركض في الحارات والطرقات الترابية النحيلة وهي تعفر وجهها بالتراب حزناً على الصغار السبعة الذين فقدتهم مرة واحدة، وصباح الجد الذي رأى السقف الإسمنتي وهو يطحن الصغار تحت ثقله الإسمنتي، وترك الفضائيات تصوره وهو يبكي كالأطفال على الصغار الذين سرقهم القصف مرة واحدة!
صباح الخير أيتها الجدة التي فارقت أخيراً مكانها الدهري في حوش الدار، صباحك خير أيتها الجدة، وأنت تودعين أدعيتك التي كانت ترتسم كهالات مقدسة فوق رؤوس أبناء الدار، وشقاء رب العائلة وهو يودع الأطفال بـوعد الرزق.
صباح الخير، صباح الدار التي فقدت جدرانها وبوابتها وتركت السقف يحلق ويتحول إلى ذرات بفعل التفجيرات المباغتة، وصباح الدالية التي كانت تعرش على المساحة البخيلة للبيت، وصباح بوابة البيت والعتبة التي كان يغفو على حوافها الصغار!
صباح تلك الرائحة الغزاوية المعشعشة في الفراش البيتي، تلك الرائحة التي كانت تشبه رائحة الطمأنينة.
صباح الخير يا غزة، وصباح الساحل الفلسطيني المعبأ برائحة البرتقال، وصباح الصبر الذي تفجر أخيراً وهو يمنحنا الدرس الأول في النصر، وصباح الصواريخ التي عرفت طريقها، أخيراً، إلى فلسطين وهي تشق طريقها في زرقة السماء كي تزلزل هذه الطمأنينة البقرية في تعاملنا مع عدو ونحن نبحث في عماء الردهات الدولية عن سلام غاشم مع هذا العدو. صباح الخير يا غزة وأنت تمنحينا الطريق المضاء الذاهب إلى فلسطين.
صباح القصف الفلسطيني الذي جعل عصابات إسرائيل تستغيث بكيري كي يحضر على وجه السرعة، ليبحث في وقف إطلاق النار وترتيبات الحوار والتوسط عند «حماس». صباح الذعر التوراتي وهو يرتسم على وجوه المستوطنين، وصباح القصف الذي صار داخلياً، وصباح الوطن المحاصر بنيران قريبة!
صباح الخير يا غزة، وأنت تؤثثين لخريطة الشجاعة الفلسطينية، وتوزعين النياشين على أبطال فلسطين.
صباح الخير يا غزة، وصباح الشهداء الأطفال الذين تحولوا إلى طيور جنة خفيفة وقريبة من القلب حد العناق!
ها أنت تقبلين علينا وتصفعيننا بالورد، ورد النصر.
فإليك وحدك شارة الحب وشارة النصر.
________
*الإمارات اليوم