أنجلينا جولي بطلة خارج النظرة الذكورية



بانة بيضون *


بعدما اعتمدت أفلام الأطفال على جملة تنميطات لا تنتهي، ها هو شريط Maleficent يحطّم المفاهيم والكليشيهات: لا تكريس للخير والشرّ، سخرية من الحبّ الرومانسي الأبدي، والأهم أنّ المرأة هي بطلة في الحرب والسلم على حد سواء! 

في «مليفيسنت»، تقدّم السيناريست ليندا ويلفرتون وهي المرأة الأولى التي شاركت في كتابة أفلام «ديزني» عبر فيلمها الأول «الجميلة والوحش» عام 1991، نسخةً مستحدثةً من «الأميرة النائمة». لكنّها تختلف جذرياً عن القصة الأصلية وكل الأنماط الذكورية السائدة التي قولبت على أساسها الشخصيات النسائية في حكايا الأطفال.
يتناول الفيلم القصة من وجهة نظر مليفيسنت التي يُفترض أنّها ــ في القصة الأصلية ــ الساحرة الشريرة التي رمت لعنة مشؤومة على الأميرة لدى ولادتها، مفادها أنّها ستغطّ في سبات عميق أشبه بالموت إثر جرحها إصبعها بالإبرة في عيدها السادس عشر لا توقظها منه إلا قبلة حب حقيقية. ما الذي دفع مليفيسنت إلى أن ترمي هذه اللعنة المشؤومة على الأميرة؟ تساؤل منطقي تنطلق منه ويلفرتون وتتخيل قصة حياة مليفيسنت. الأخيرة التي تؤدي دورها أنجلينا جولي في أداء متميز هي جنية تعيش في مملكة الجنيات المجاورة لمملكة البشر.

بين المملكتين، عداوة بسبب طمع الملك هنري ومحاولاته الدائمة للاعتداء على مملكة الجنيات. تلتقي مليفيسنت وهي صغيرة بستيفان البشري الذي يتسلل إلى أرض الجنيات وتنشأ بينهما صداقة وبعدها علاقة حب إلى أن يشن الملك هنري يوماً هجوماً على مملكة الجنيات، فتتصدى له مليفيسنت وتجرحه. مدفوعاً برغبته في الثأر، يعلن هنري أن من سيحضر له رأس مليفيسنت، سيزوجه ابنته ويرث العرش بعده. مدفوعاً أيضاً بطموحه الأعمى وأنانيته، يستدرج ستيفان حبيبته مليفيسنت ويخدرها. وحين تنام، يقص جناحيها ويأخذهما للملك. تستفيق مليفيسنت ولا تجد جناحيها. إثر ذلك، تنقلب إلى مليفيسنت السوداوية المسيطرة التي يخشاها الجميع في مملكة الجنيات. وحين تعلم أن ستيفان رزق طفلة بعد زواجه بابنة الملك هنري وتسلَّم العرش، تذهب وتلقي بلعنتها على الأميرة أورورا الصغيرة. لا يبدو عبثياً خيار ستيفان بقصّ جناحي مليفيسنت عوضاً عن قطع رأسها. هو يعبّر عن سلبها حريتها واستقلاليتها وتجريدها من سيطرتها وتفوقها على ستيفان الذي يمثله هذان الجناحان. أكثر من ذلك، بحسب التحليل النفسي إذا عدنا إلى فرويد، هو يمثل نوعاً من الإخصاء، أو كما أيضاً في تحليله لأحلام الطيران بأنها تجسيد لتصاعد اللذة الجنسية والهبوط، وهو ما يأتي بعد انتهاء اللذة كما الموت الصغير الذي ألحقه ستيفان بمليفيسنت. حتى إنّ فعل الطيران بحد ذاته بحسب التحليل الفرويدي يرتبط أيضاً بالعضو الذكري لعلاقته مع الانتصاب. وباحتكارها لهذا الفعل، تتمرّد مليفيسنت على دورها الأنثوي الذي يتجسد بكونها ذكراً ناقصاً أو مخصياً. بقطعه جناحيها، يعيدها ستيفان إلى دورها المنوط بها كامرأة، تأكيداً لتفوقه. حتى بعيداً عن فرويد، إذا استذكرنا بعض الأمثال الشعبية، سنجد أنها تجسد الفكرة نفسها كما لما يقال عن امرأة وحيدة أو أرملة بأنّ «جناحها مكسور» أي إنها بلا رجل أو بطريقة أدق بلا عضو ذكري. هذا كله طبعاً ليس لتأكيد نظرية تفوّق الرجل على المرأة المبنية على امتلاكه العضو الذكري وافتقادها له، بل لتجسيد كل الصور المترسخة في اللاوعي والمتخيل الجماعي التي تعبّر عنها ونجدها في علم النفس كما الأدب والسينما وغيرهما من الفنون، وهي ليست سوى دلالات لهيمنة النظام الذكوري الذي يرمز فيه العضو الذكري إلى وهم السيطرة حيث المرأة انعكاس لذلك الوهم وأداة لتأكيده عبر استضعافها وقمعها المستمر لإثباته. المشكلة الفعلية أن المراة بحد ذاتها ليست تماماً خارج ذلك الوهم، فهي عاشت ضمن النظام الذكوري وتماهت مع صورته عنها، كمن اعتاد أن يرى نفسه في مرآة الآخر. أهمية «مليفيسنت» تكمن في محاولته إيجاد صورة مختلفة للمرأة عن نفسها خارج المتخيل الجماعي الذكوري الذي يحكم عادة قصص الأطفال. مليفيسنت لا تشبه البطلات اللواتي يكنّ عادة في حالة انتظار سلبي كما «الأميرة النائمة» أو قهر واستضعاف كما «سندريلا» و «بياض الثلج» إلى أن يأتي الأمير وينقذها. وإن كانت تعاقب من قبل النظام الذكوري على تمردها بقطع جناحيها، إلا أنها تسترجعهما لاحقاً بمساعدة «أورورا» الأميرة النائمة التي رمت اللعنة عليها. المختلف أيضاً في «مليفيسنت» أنه على عكس ما جرت عليه العادة في قصص الأطفال، لا يكرّس مفاهيم اعتباطية كالخير أو الشر المطلق. الشخصيات ليست مسجونة في صور نمطية أو مثالية، بل هي في تحول مستمر. أما النساء، فلسن سجينات النظرة الذكورية أو كما تقول الناقدة السينمائية لورا ملفي في بحثها الشهير «اللذة البصرية والسينما الروائية» إنّ دورهن الوحيد في السينما الهولوودية الكلاسيكية هو إثبات تفوق الذكر أو العضو الذكري، وهن دائماً في حالتين: إما موضوع التلصص والرغبة أو موضوع القلق من الخصي. غير ذلك، فالفيلم يسخر من مفهوم الحب الحقيقي الأبدي الذي تكرسه قصص الأطفال، فـ«مليفيسنت» لم تضف هذا الجزء الأخير إلى لعنتها عن أنّ الأميرة لن تستيقظ إلا بقبلة حب حقيقية، إلا للسخرية كما تقول لصديقها الغراب الذي تسحره إنساناً. حتى إن الأمير الذي قابل الأميرة فقط مرة قبلاً ويأتون به على أمل أن يوقظها من سباتها، يجيبهم بأنه لا يعرفها فكيف به يقبلها. أما المفارقة أنّ قبلة الحب الحقيقية التي توقظ الأميرة هي من مليفيسنت رغم كرهها الظاهري لها، حين تراقبها تكبر في الغابة إلى جانب الجنيات اللواتي لا يعرفن كيفية الاهتمام بها، فتساعدها وتهتم بها من غير علمها، إلا أنها تتعلق بها وتحبها. بالتأكيد، ينحاز الفيلم إلى المرأة، وخصوصاً في نهايته حين تنتصر مليفيسنت على ستيفان بمساعدة ابنته أورورا، وتتوحد المملكتان تحت حكم الاثنتين، ويعمّ السلام حين ينتهي حكم الرجال. لكن أيضاً ما هو لافت في هذه الحبكة الروائية هو اختلافها في تركيبتها والصراعات التي تجسدها ودلالاتها النفسية عن غيرها. في حين أنّ الصراع الأساسي في العديد من قصص الأطفال هو بين الابنة وامرأة أبيها الشريرة، كما «سندريلا» و«بياض الثلج» حيث تنافس الابنة أمها على حب أبيها، فإنّ أورورا تفضّل مليفيسنت على أبيها، وهي التي تساعدها عملياً على قتله، وهي في ذلك تعود إلى المرحلة التي تسبق ارتداد الرغبة صوب الأب عند الفتاة، ويتناولها فرويد حيث الأم هي موضوع الرغبة الأساسي عند الفتاة كما عند الصبي. إلا أنه حين تدرك الفتاة عجزها عن منافسة أبيها بسبب عدم امتلاكها عضواً ذكرياً، تتحوّل رغبتها إلى الأب. الفيلم الذي يعد التجربة الإخراجية الأولى لروبرت سترومبرغ بعد عمله السابق مصمماً فنياً لأفلام «ديزني»، يتميز أيضاً بجماليته البصرية وشاعرية استثنائية في بعض المقاطع تعتمد على المؤثرات لخلق لغة سينمائية خاصة، وليس فقط للإبهار المجاني كما المشاهد التي تطير فيها مليفيسنت أو لما تقود أورورا الممددة التي تطوف وراءها في الهواء. 

– الأخبار 

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *