حوار مع الكاتبة السنغافورية كاترين ليم


*ترجمة: لطفية الدليمي

كاترين ليم Catherine Lim : كاتبة قصة و روائية سنغافورية و ناشطة سياسية عرفت عالميا بانها تتناول الموضوعات المؤثرة في المجتمع السنغافوري مثلما تكتب عن الثقافة الصينية التقليدية . نشرت كاترين ليم تسع مجموعات من القصص القصيرة و خمس روايات و مجموعتين شعريتين و عددا من التعليقات السياسية في كبريات الصحف المحلية و العالمية تنتقد فيها أجندات الحزب السياسي الحاكم في سنغافورة .

ولدت كاترين ليم في مدينة كوليم Kulim في ماليزيا سنة 1942 وتحمل كاترين الجنسية السنغافورية وهي صينية الأصل ،عاشت في ماليزيا وتخرجت في جامعاتها و نالت بكالوريوس الآداب عام 1963 من جامعة مالايا الماليزية ثم هاجرت الى سنغافورة .واستقرت فيها وكتبت عن المجتمع والثقافات المتنوعة المتعايشة والسياسة في سنغافورة وعن ثيمات الثقافة الصينية التقليدية ،نشرت كاثرين ليم عددا كبيرا من الكتب المتنوعة فاحتلت موقعا متقدما في المشهد الأدبي السنغافوري و حصلت عام 1988 على شهادة الدكتوراه في اللغويات التطبيقية من جامعة سنغافورة الوطنية ونالت منحة فولبرايت الى جامعتي كولومبيا و كاليفورنيا ( بيركلي ) الامريكيتين عام 1990 عادت بعدها الى سنغافورة لتدير معهد تطوير المناهج و عملت في ذات الوقت أستاذة لمادة اللغويات الاجتماعية و الأدب . في عام 1992 تخلت عن جميع وظائفها الأكاديمية و تفرغت تماما لعملها في الكتابة . حصلت كاترين ليم على وسام الفنون و الاداب ( بمرتبة فارس ) من فرنسا عام 2003 و عملت أيضا سفيرة لمؤسسة هانز كريستيان أندرسون الدانماركية عام 2005 .
ولمع اسمها في التسعينيات عندما نشرت سلسلة مقالات شكلت نقطة تحول في نشاطها الصحفي والاجتماعي انتقدت فيها اداء الحزب الحاكم pap (People”s Action Party ) حزب الحراك الشعبي )تحت عنوان ( الفجوة الوجدانية التي أحدثها الحزب في المجتمع ) منطلقة من حقيقة التاريخ المضطرب للبلاد في السنوات الاولى لحكم هذا الحزب فتصدى لها الفريق الصحفي لرئيس الوزراء بردود قاسية كما علق على مقالاتها بنفسه رئيس الوزراء الأسبق (Lee Kuan Yew لي كوان يو ) مؤلف كتاب قصة سنغافورة وهو احد قادة الحزب إذ تولى الحكم بعد الاستقلال حيث أفرد مقاطع خاصة من مذكراته المنشورة للحديث عن كاترين ليم . .
اشتهرت الروائية كاثرين ليم كأبرز كاتبة حضورا وانتاجا ومبيعا في سنغافورة وتقدم في روايتها ( المستعبدة ) التي نشرت في أوائل الثمانينيات تأكيدا على موهبتها الإبداعية التي تمزج ببراعة بين الحوار و اليوميات و الأحداث والسرد وتتبادل هذه العناصر مواقعها في الرواية ويعلو صوت الراوي بين آونة وأخرى – صوت الساردة ليؤكد تحولات الأحداث في السياق السردي، تحكي الرواية قصة حب تراجيدية بين امرأة مستعبدة وبين ابن سيدها – في الصين اوائل القرن العشرين حينما كانت العوائل المعدمة تبيع بناتها الصغيرات لضمان عدم موتهن في فترة المجاعات الكبرى .
تقول ليم : ان بطلتي العاشقة تعاني عندما يكون محبوبها قريبا منها او بعيدا عنها ، ولا تنسى عذابات جلدِها بالسياط من قبل سادتها ممتزجة بمتعة صداقة طفولتها المثالية مع السيد الشاب تلك الصداقة التي تحولت الى عنف جسدي ممزوج بالحب الصاعق ، وتشرح الكاتبة ان قصص الحب الموجعة تعزز لدى المرأة قدرات الحدس وتنمو لها عيون وآذان إضافية لتلتقط كل شيء وتضخمه لفرط معاناتها في الحياة و الحب ..
نالت كاثرين ليم جائزة المرأة السنغافورية لعام 2011 لمنجزها الأدبي ونشاطها ومواقفها ، نذكر من روايات كاترين ليم : ” ناب الأفعى” عام 1982 ،و” المستعبدة 1984″ وثبة للحب ” عام 2003 ، ” أغنية السعفة الفضية ” عام 2003 ، ” الآنسة سيتوه و العالم ” عام 2010 وقصص “سخريات صغيرة “، و ” ظل لظل الحلم ” وقصص هجائية ” اوه سنغافورة ” والعديد من المجاميع القصصية ودراسات عن أوضاع المرأة..
. هنا أغلب أجزاء الحوار الذي أجرته مجلة ( Prime ) مع كاترين ليم في كانون اول 2007 و نشر لاحقا في موقع catherinelim.sq الالكتروني.
لطفية الدليمي
____________

الحوار
× ولدت في مقاطعة بينانغ Penang الماليزية . كيف تبدو لك سنوات طفولتك الأولى الان ؟ هل تفتقدين بيت طفولتك في ماليزيا؟
• كانت سنوات طفولتي سعيدة فقد نشأت مع 13 طفلا و كنت مع أخواتي نستمتع كثيرا بصناعة لعبنا الشخصية و بخاصة البيوت الجميلة التي كنا نصنعها من علب الكبريت الفارغة . لا افتقد منزلي في ماليزيا و أنا على تواصل دائم مع أخوتي و أخواتي المتوزعين في أماكن متباعدة من العالم : سنغافورة ، ماليزيا ، أستراليا ، كندا ، و عندما يحصل ان نلتقي فغالبا ما نستغرق في استعادة الذكريات المرحة لطفولتنا في ماليزيا.
× كيف اكتشفت في داخلك الصوت الذي دفعك لتكوني كاتبة ؟
• ليس ثمة من لحظة في حياتي قلت فيها ” يوريكا Eureka – وجدتها وجدتها ” ، فلطالما أحببت الكتابة و كان درس الإنشاء هو المفضل لي على الدوام بين واجباتي المدرسية . صرت كاتبة و انا في سن الثلاثين و بطريقة غاية في السرنديبية ( السرنديبية Serendipity : كناية عن أن يلقى المرء أمورا لم تكن في حسبانه و لم يكن قد خطط لها و في العادة تكون مصدرا للسعادة و الدهشة معا و مطعمة بفكرة غرائبية ، المترجمة )، فقد جذبت قصصي أنظار صديق لي هو روبرت يوو الذي لم يتردد في أخذها الى الناشر و هكذا حصل الأمر كما ترى بغير ترتيب مني.
× لو لم تكوني كاتبة ، ما الذي كنت تتوقعين أن تكون مهنتك؟
• احسب أنني كنت سأعمل في حقل التعليم فقد بدأت مهنتي معلمة على ذات النهج الذي سلكته بعض من أخواتي الأكبر سنا مني .
× تفتح قصصك النوافذ على عالم يكاد يتلاشى من التقاليد الصينية . من أين استقيت إلهامك في كتابة قصصك هذه؟
• إلهامي الرئيسي يكمن في ذاكرتي : فأنا لدي ذاكرة تحتفظ بالكثير من الأحداث المرتبطة بما هو فائق للطبيعي Supernatural و احتفظ في عقلي بمنجم ثمين تقبع فيه ذاكرتي الطفولية و ما يعلق بها من زياراتنا للمعابد و الإنصات الى احاديث النساء الطاعنات في السن اللواتي يطلق عليهن ( Kiow Kia ) ممن كن يطلبن لمساعدة طفل في التعافي مما الم به فكن يؤدين طقوسا احتفالية ملغزة لاسترضاء الأرواح التي كانت السبب وراء المرض و كن يستخدمن قطعة من ملابس الطفل و شموعا و مقصا كأدوات عمل لهن !! . لا زالت ذاكرتي تحتفظ بصورة بهية لي و انا اطعم السلاحف الصغيرة المقدسة في احد المعابد و قد سجلت كل هذه الاحداث الغنية في رواياتي و لا زلت دائمة التنقيب في ذاكرتي بحثا عن المزيد من ذكريات الطفولة المنعشة . قيل ان الكاتب ينبغي له ان يكتب عن كل ما يمكن ان يسبب له رعشة و لا شيء غير هذا !! و انا لا أزال أحتفظ بهذا الدافع للكتابة فتراني كمن أصيب بصعقة كهربائية متى ما كتبت عن أحداث طفولتي و بخاصة تلك المرتبطة بكل ما هو فائق للطبيعة.
× عندما تكتبين ، هل تجدين ان كلمة ما تنزلق بطريقة دون وعي منك و تستقر بين ثنايا ما تكتبين؟
• لست اذكر كلمة بهذا التوصيف و لكنني مدركة تماما مدى حبي لكل الكلمات التي ترتبط ب ” إثارة الذكريات evocative ” : تلك الكلمات التي تمرر الأحاسيس بقوة طاغية و تدق بعنف على وتر داخلي يقبع عميقا في أرواحنا .
× هل ثمة من كتاب لطالما تمنيت كتابته و لم تفعلي ؟
• ليس هناك كتاب كهذا و لكن يوجد عديد من الكتب التي تمنيت لو استطيع كتابتها كتلك الكتب التي تقارب الموضوعات الوجودية الكبرى : الله ، الحياة ، الموت ، الهدف ، المعنى .
× ماذا تقولين في من يوجهون لك تهمة بأنك تصورين كبار السن بطريقة سلبية و غير منصفة و منفرة ؟
• لا أتقصد أبدا في قصصي أن أحكي عن طائفة خاصة من الناس : صغار أم كبار ، أغنياء ام فقراء ،،،،، و من ثم أطلق عليهم أوصافا محددة ، فقصصي عادة ما تؤسس على أحداث واقعية اختزنتها من أيام طفولتي و اذا كان ثمة توصيفات فيزيائية سلبية و منفرة لأي كان من الناس فلابد أن يكون مستمدا مما اختزنته في ذاكرتي و ليس بقصدية مسبقة .
× يبدو الصراع بين الحداثة و الخرافة واضحا في روايتك ” ناب الافعى ” و في قصصك الأخرى بعامة . هل لا زالت مؤثرات هذا الصراع تلقى اهتماما لديك مثلما فعلت من قبل؟
• لم يكن موقفي من إشكاليات الحداثة و الخرافة مؤسسا في رواياتي على تجاربي الشخصية بل كان لي العديد من الأصدقاء الذين اخبروني قصصا مرعبة عما كان يحدث من صدامات بينهم – كأجيال شابة – و بين الأجيال المتقدمة في السن .
× تصف جانك Chang و هي احدى شخصيات روايتك ” وثبة للحب ” يوم 29 شباط 1980 باليوم الأكثر حزنا في حياتها . هل ثمة يوم في حياتك لا يمكنك محوه من ذاكرتك ؟
• ليس من يوم كهذا في حياتي يمكنه بمفرده ان يقارن مع توصيف جانك في روايتي ” وثبة للحب ” أو بكل الشخصيات الرئيسية الأخرى في رواياتي كلها و لكن في المقابل يوجد الكثير من الذكريات الرقيقة التي لا زالت تملؤني توهجا بعد كل هذه السنين . 
× لنبق قليلا مع جانك: هل انت رومانسية مثلها بكل شغفك العاطفي؟
• نعم انا رومانسية الى حدود لا يرجى معها شفاء !! و لكنني في ذات الوقت براغماتية و واقعية بذات قدر رومانسيتي المفرطة . يمكنني القول في ذات السياق أنني ليبرالية و محافظة ، و روحانية و لصيقة بالحقائق الأرضية أيضا . وصفت نفسي ذات مرة بأنني : كتلة من القيم غير القابلة للتوفيق فيما بينها و أرى نفسي مكونة من عناصر متناقضة كثيرة تتجول في الشوارع.
_______
*المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *