أغنية ُ و خاصرة !


*ماجد شاهين

( ثقافات )

كان يحاول أن يتذكّر !
المرأة لم تظهر أمامه ، لكنّ لمح ترهلاً في جسدها حينما استدار من شدّة ألمه و وجع خاصرته .. نهشته بقسوة في لحم الخاصرة و أحس أن أسنانها ظلّت مغروسة تحت جلدِه ِ ، كأنّما المرأة خلعتها من فمهما و زرعتها لتنبت تحت الخاصرة ! 
لمح امرأة عريضة المساحة و واسعة الحجم ، لكنّها غطّت 
وجهها في سرعة .
سمع صوتها حينما قالت لأحدهم : هات َ حصتي أو أجرتي !
لم يتأكد إن كانت تطلب حصّتها ، وهي بذلك تكون شريكة لهؤلاء أو أنها صرخت وطلبت أجرتها وبذلك تكون مُستأجَرة ً لأداء دور و حسب .
أتقنت دورها و أنشبت أسنانها و أعملتهم في خاصرتي ، هكذا قال الذي فقد قطعة من لحم الخاصرة ونُزِف َ دمُه ولكنه احتفظ بجزء من عظم امرأة في جسده .
كانت امرأة نهشت الرجل بأسنانها ، فيما آخرون يركلونه و يهبطون على جسده بعصيّهم الغليظة .
الرجل قال للأطباء ، بعدما نزعوا أسنان المرأة من خاصرته وخاطوا الجرح ، أنّ مجموعة من الرجال و معهم امرأة ، هناك في تراب مهجور قرب شجر تالف ٍ ، أشبعوه ضرباً لكي يرضح لهم و يتزوّج تلك التي عضّته .
و قال في ما قال أن ّ المرأة كانت تعضه وتهمس في أذنه : خذني و ستخرج سالماً من هنا ! 
الرجل تذكّر أنّ مجموعة المعتدين نهروه مرّتين و توعّدوه بعقاب شديد إن هو احتفظ بقطعة الخشب التي كانت التصقت داخل الرغيف و آذت فمه ولسانه حين تناولها من دون طعام .
وكيف نجوت ؟
الرجل أجاب عن سؤال ممرّضة ، كانت تضمّد مكان الجرح و تشد الرباط لكي لا ينفلت ، و قال : كانت جاءت من بعيد أصوات بدت لدواب وكلاب و مجموعة من الناس ، فخشي المعتدون أن ينكشفوا ، غادروا وتركوني أنزف .. عندها جعلت ُ أنادي .
لكن لم يسمعني أحد سوى أن ّ الأصوات ظلّت تتردّد .
استطعت أن أنهض و أشد ّ على الجرح بيديّ و أسير قليلا ً ثم أهبط إلى التراب ، إلى أن وصلت مصدر الصوت وكان أمامي تراكتور زراعيّ يسوقه رجل قليل يهزّ رأسه مع صوت المذياع الصغير المربوط باعتناء واضح إلى ذراع مقود التراكتور .
أوصلني السائق إلى مركز طبّي و من هناك أعدّوا لي ما يلزم ونقلوني إلى هنا ، عندكم ، في المستشفى .
غادر الرجل المستشفى ، و صار في كلّ حين يرى فيه امرأة ، يتفقد ملامحها و يحاول أن يقيس حجم جسدها و أن يسمع صوتها .
الرجل يتمتم الآن : ليست خشبة في الرغيف ، فقط رغيف .. رغيف أو خشبة .. خشبة أو رغيف .
الرجل بعدما شُفيت خاصرته ، صار يسأل عن تلك الأصوات التي أنقذته ، بالضبط صار يسأل عن الراديو الصغير المربوط في ذراع التراكتور وعن الأصوات التي كانت تخرج منه .
الرجل الآن يعترف : أنقذتني أغنية . 
_______
*قاص وكاتب من الأردن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *