حوار مع الروائي الماليزي تان توان انغ


*ترجمة: لطفية الدليمي

تان توان إنغ : الكاتب الماليزي ، مؤلف رواية ” حديقة ضباب المساء ” The Garden of Evening Mists ” عام 2012 التي نال عنها جائزة مان بوكر للكتاب الأسيويين وبذلك يكون الكاتب الماليزي الأول الذي ينال الجائزة التي ابتدأت مشروعها عام 2007 لتكون عاملا لجذب الاهتمام العالمي الى أعمال الكتاب الآسيويين.

ولد تان توان إنغ في جزيرة بينانغ Penang الواقعة في الشمال الغربي لإندونيسيا و نشأ فيها ثم انتقل مع عائلته للإقامة في كوالالامبور : العاصمة الاتحادية الماليزية و تخرج من الجامعة ليحصل على إجازة في القانون متخصصا في قانون ” الملكية الفكرية “، ثم تفرغ للكتابة و ظهرت روايته الأولى ” هِـبة المطر The Gift of Rain ” عام 2007 عندما كان يواصل دراسته لنيل شهادة الماجستير في القانون في جامعة كيب تاون الجنوب أفريقية.
المحاورة نيكول ايدار Nicole Idar : الروائية الماليزية التي تعمل كبيرة محررين في موقع ” Asymptote ” حاورت الكاتب الماليزي عندما زار لندن في أيار 2003 حين دعي ليتحدث عن الأدب الأسيوي ، والتقت المحاورة مع( انغ ) في كافيه مطل على ساحة البيكاديللي في أحد الصباحات الربيعية المشمسة في لندن.

___________
الحوار
× منذ أن أعلن عنك كأول ماليزي يحظى بالجائزة الأدبية للكتاب الآسيويين صرت تعامل كأنك سفير للأدب الماليزي على الصعيد العالمي . ما الذي يعني لك هذا الدور ككاتب ؟
• لا أرى في نفسي سفيرا للأدب الماليزي فأنا ما زلت كاتبا و روائيا حسب . لا أقول أن من الخطأ أن يوصف كاتب ما بهذا الوصف لكنني أقول أنني لا أبحث عن دور مثل هذا و يكفيني أن يقال عني بأنني كاتب ، و اذا ما شئت توصيفا أخر فليكن أني كاتب ماليزي و حسب .
× تعد روايتك ” حديقة ضباب المساء ” العمل الأول الذي قدم الأدب الماليزي إلى القراء في العالم . هل كانت مقروئيتك العالمية هاجساً عندما كنت تكتب هذه الرواية ؟
• كان اطلاع القراء العالميين على عملي هاجسي الأكبر عندما كتبت روايتي الأولى ” هِبة المطر ” ، فعندما تكتب عملا ما تكون مدركا – و لو الى حد ما – بالمجموعة الكاملة من القراء القريبين و هم يحومون حولك و يملكون رؤيتك ذاتها أو ما يقترب منها مع أنك لا ترى وجوههم و لا تدري لمن أنت تكتب بالضبط .
× لدي فضول عظيم لمعرفة هل لديك أصدقاء من الجيل الناشئ من الكتاب ممن لهم خلفيات ثقافية هندية و صينية من أمثال : ” بريتا سامارسان Preeta Samarsan ” و ” تاش آو Tash Aw ” ؟ 
• عندما ظهر الكتاب الأول لـ ” تاش أو ” عام 2005 أخبرني أصدقائي أنني و تاش ندرس في ذات المرحلة العليا A- Level من جامعة كوالالامبور و لكنه كان يسبقني بسنة واحدة و لم يسبق لي رؤيته أو الحديث معه مع أننا كان لنا أصدقاء مشتركون عديدون . أظن أن الكاتب يبحر وحيدا في قارب وسط المحيط الإبداعي الواسع الأرجاء و عندها لا يكون ممكنا له التفكير بأي كان من الناس . لطالما عملت وحيدا و أفضل ان أكون وحيدا و لم يكن موضوع انتمائي الى جيل أدبي ما أمرا مؤثرا في تكويني .
× يلاحظ أن ” تاش آو ” تناول في روايته الأولى أحداث ما جرى عام 1940 و تناولت أنت في روايتيك المنشورتين الأذى الناجم عن الاحتلال الياباني في الفترة 1942- 1945 و ما تبعه من معاناة مؤلمة . هل يمكن ان تخبرنا لماذا تناولتما بالتحديد هذه الفترة القاسية من التأريخ الماليزي ؟
• كان الاحتلال الياباني لماليزيا الحدث الأكثر مأساوية و قسوة منذ الحقبة الكولونيالية ، لكن الاحتلال الياباني يظل نوعا اخر اقسى بكثير من الاحتلالات الكولونيالية التي خبرناها من قبل ، فتصور مثلا انك تنهض صباح يوم ما و يقال لك : ” عليك من اليوم ان تتحدث اليابانية !! ” . كان ذلك جرحا كبيرا لنا جميعا و ليس سهلا أن يندمل يضاف الى هذا إنني أصلا شخص مولع بالتاريخ كثيرا و لطالما قرأت الكثير من كتب التاريخ و انا تلميذ في المدرسة الابتدائية .
× بدأت كتابة روايتك ” هِبة المطر ” عندما كنت في كيب تاون . أية عناصر كان ينبغي عليك ان تبدأ منها في كتابة الرواية ؟
• أولا مكان الحدث ، فلم يكن عندي ثمة شك بأن أحداث روايتي الأولى يجب ان تجري على أرض بينانغ التي ولدت فيها إلى حد إنني أردتها ان تكون هي بذاتها احدى شخصيات روايتي !! ومن المؤكد ان بعض القراء قد انتبهوا الى أنني أسميت بعض شخصياتي بأسماء شوارع في بينانغ و قد فعلت هذا بقصدية كاملة . أردت للشخصية الرئيسية فيليب هتون Philip Hutton أن يكون نصف صيني و نصف إنكليزي لكي أوسع من وجهات النظر المختلفة فقد كان الصينيون و البريطانيون هم المجتمعات المهيمنة في بينانغ حتى جاء اليابانيون فحطموا كل ما كان قائما و أحلوا القوة اليابانية الطاغية مكانه . 
× تحكي روايتك ” هبة المطر ” عن قصة تعاطف مقموع بين ” فيليب ” و ” أندو – سان ” : يأتي القمع من جهة السمات الجنسية sexuality و بسبب ضغط اللحظة التاريخية لان الرواية تجري وقائعها إبان الاحتلال الياباني و كان أندو – سان يابانيا………..؟
• نعم تماما و كانت ثمة فروق عمرية بينهما أيضا .
× عندما بدأت كتابة حكاية فيليب في روايتك الأولى ، هل كنت تظن أنها كانت ستتناول موضوعة التعاطف المقموع ؟
• لا ، القصة هي التي واصلت النمو و انتهت الى ما صارت عليه . أنا في العادة لا أضع حبكات لرواياتي و لا اعرف ما الذي سيحصل عندما أجلس صباح كل يوم للكتابة ، و ربما لا يحصل أي شيء أحيانا !! ( يضحك ….. ) . عندما أبدا الكتابة أرى المشهد الذي أكتب عنه أمامي و أفكر في ما عسى ان تقول شخصياتي الروائية ثم أنطلق بعدها في الكتابة . 
× دعنا نتحدث الآن عن روايتك الثانية ” حديقة ضباب المساء ” التي تحكي عن ” يون لنك Yun Ling ” : القاضية في المحكمة العليا التي تتقاعد عن العمل و ثمة إضاءات في الرواية عما حصل لها من أحداث إبان الاحتلال الياباني . كيف عملت على هيكلة هذه الرواية : أعني هل كتبتها بترتيب زمني صارم أم أنك غيرت في مواضع الفصول لاحقا ؟
• كتبت الرواية بترتيب زمني منضبط : بدأت من ” يون لنك ” كما كانت عليه في تلك اللحظة ثم حاولت متابعة حياتها حتى النهاية .
× عندما كنت أقرأ روايتك الثانية فكرت عميقا و كثيرا كم ان عملية خلق رواية يشابه خلق حديقة يابانية : فالعملان تمرين بديع في كيفية خلق نظام رائع من قلب فوضى شاملة . كيف استطعت في روايتك المعقدة هذه ان تخلق نظاما من قلب الفوضى و كيف تمكنت من متابعة جميع خيوطك السردية ؟
• أحتفظ على الدوام بمفكرة صغيرة أدون فيها ما يساعدني على تذكر أن أكتب شيئا ما فيما يخص هذا أو ذاك ، و قد أدون أحيانا جملة أراها محببة لي و انتظر ان يأتي مكان مناسب لها في الرواية و قد يحصل أحيانا ان أقرأ ما دونت في المفكرة و أتساءل : ” ما الذي كنت أفكر فيه عندما دونت هذا ؟ !! ” .
× ماذا عن مالك الحزين ؟ يبدو ان له دورا رمزيا في روايتك هذه؟
• نعم ، كان مالك الحزين حاضرا منذ البدء و منذ أن رأيت مالك الحزين أول مرة عرفت كم هو طائر أنيق و أحببت أن أضمه الى الرواية . طيور مالك الحزين وحيدة دوما و لم يسبق لي أن رأيت أثنين منهما معا يوما ما .
× كيف تشعر وأنت ترى رواياتك مترجمة الى لغات أخرى؟
• انه شعور غريب للغاية لأنني لا أمتلك سلطة ما على الترجمات فقد يحصل ان يغير المترجمون في العناوين بطريقة قاسية و غير مفهومة لي ، و كمثال لما أقول ظهرت نسخة إيطالية من روايتي ” هبة المطر ” تحت عنوان ” الفتاة التي جاءت مع المطر”!!.
________
*المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *