*بديعة زيدان
في الذكرى المئوية لمولد الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود، قام تلفزيون فلسطين بإنتاج فيلم وثائقي عنه حمل اسم «شمس على جرح القصيد»، حيث تناول حياته في ستين دقيقة، هي مدة عرض الفيلم.
ويسرد الفيلم، الذي عرض للمرة الأولى في رام الله، أحداثاً تاريخية خلال الانتداب البريطاني لفلسطين وصولاً إلى النكبة عام 1948، مروراً بعدد من الشواهد على نضالات المجاهدين ضد العساكر البريطانيين واليهود الذين هدموا قرى فلسطينية في الداخل.
كما يتطرق لحياته الشخصية منذ ولادته في بلدته عنبتا بالقرب من مدينة طولكرم عام 1913 مروراً بمراحل دراسته حتى عام 1936 حيث أن الشاعر انضم لصفوف الثوار بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد «أبو كمال»، وشارك في الثورة بالبندقية والشعر.
واشتهر عبد الرحيم محمود بأبلغ بيتين يرددهما شاعر عربي تواق للشهادة، نظمهما قبل 11 عاماً من استشهاده، وهو يؤبن القائد الشهيد أبو كمال، الذي استشهد في الثورة الفلسطينية الأولى في 26/3/1937، وقال فيهما: «سأحمل روحي على راحتي/ وألقي بها في مهاوي الردى. فإما حياة تسر الصديق/ وإما ممات يغيظ العدى»، فبقيا نشيداً يتغنى به كل مقاوم يعيش ظلم الاحتلال.
وحقق عبد الرحيم محمود «حلم الشهادة» عام 1948، عندما أصيب بشظية قنبلة في غمار معركة الشجرة قرب الناصرة، التي لم تكن قد وقعت بيد اليهود بعد.
والفيلم الوثائقي «شمس على جرح القصيد»، من سيناريو وتقديم كوثر الزين… وعنه تقول الزين لـ«الحياة»: «اتصل بي زميلي في اتحاد الكتاب الفلسطينيين الكاتب والباحث جهاد صالح واقترح أن أقدم برنامجاً تلفزيونياً بمناسبة مئوية عبد الرحيم محمود من كحلقة حوارية… فطرحت بدوري الموضوع على إدارة البرامج وتم الاتفاق على إنتاج فيلم وثائقي وتم تحديد المخرج نبيل أبو لبن لإخراج الفيلم». وتضيف: «شرعت مباشرة في البحث والإعداد لكتابة السيناريو، من خلال الغوص في التراث الشعري لعبد الرحيم محمود (مجموعته الكاملة، وهي النسخة التي جمعها ونقحها عز الدين المناصرة التي تضم كامل أعماله حيث أن هناك نسخاً سابقة ناقصة)، إلى جانب قراءة ما توافر من كتب ودراسات عن الشاعر، من بينها «شاعران من جبل النار» للكاتب وليد صادق، و»عبد الرحيم محمود: جزالة الشعر وروعة الاستشهاد» لجهاد صالح، و»عبد الرحيم محمود بين الوفاء والذكرى»، وهو عبارة عن مجموعة شهادات… إلى جانب دراسات في الدوريات الأدبية.
ولم تتوان الزين في الغوص بعملية بحث ميدانية أيضاً من خلال زيارات لأقارب الشاعر في عنبتا، بخاصة بيت العائلة والأماكن التي كان يرتادها، والحديث مع أقاربه للتطرق إلى الخطوط العريضة في شخصيته وطباعه، وذلك من خلال ابني أخيه الشاعران أديب رفيق محمود والشاعر طارق عبد الكريم محمود، حيث كان لهما الدور الأكبر في إنجاز الفيلم.
ولشح المادة المصورة بحكم أن الأحداث تعود إلى قرن مضى، ولتغطية هذا النقص، تضمن الفيلم مشاهد درامية أداها كل من الممثلين عبود عبيد وسليم الدبيك ونوال حجازي، إلى جانب مادة أرشيفية مرئية ضخمة من الأرشيف البريطاني والأردني والفلسطيني لتعطية الأحداث التاريخية المرافقة لحياة الشاعر، والتي تعد أحداثاً مصيرية ومفصلية في تاريخ فلسطين والمنطقة العربية.
وبخصوص السيناريو تقول الزين: حاولت أن يتخذ السرد الصبغة الأدبية تماهياً مع المضمون، كما تم التركيز على البيئة والمرحلة والظروف الموضوعية التي نشأ فيها الشاعر وتشكلت من خلالها شخصيته الشعرية والنضالية، من دون إهمال البعد الذاتي الإنساني حيث ركزت في اللقاءات مع أقاربه، وخصوصاً مع نجله الطيب عبد الرحيم، على الجانب العاطفي الإنساني والأبوي حتى لا يتحول الفيلم إلى مجرد أحداث حياتية وتاريخية متعاقبة.
أما مخرج العمل نبيل أبو لبن فيقول لـ «الحياة»: عد دراستي للمادة التي أعدتها الزميلة كوثر الزين تم التوافق معها على تحويل هذه المادة إلى فيلم، حيث قامت بتحويل المادة إلى سيناريو تصويري بطابع الدكيودراما وذلك لتعويض المشاهد المفقودة في مسيرة الشهيد الشاعر عبد الرحيم محمود، الذي أمضى حياته يتنقل من خندق إلى خندق، ما أضاع الكثير من أرشيف حياته، مضيفاً: العمل على الصعيد الوطني في السينما ليس جديداً بالنسبة لي، لكني أعتقد أن هذا النوع من الأفلام فتح نافذة للارتقاء أكثر في الموضوعات التي تطرح وكيفية تناولها، كما أن تلفزيون فلسطين ساهم ويساهم في دور طليعي في رفد المكتبة الأرشيفية بأعمال تـــتـناول الحيــاة الثـقـــافـــية الفلسطينية.
على صعيد الإنتاج والإمكانيات الفنية يقول مخرج العمل: لا يزال ينقصنا الكثير، حيث أن صناعة الأفلام تتطلب موازنات ضخمة… ما زالت الأفلام الفلسطينية تشق طريق المنافسة في السينما العالمية بإمكانيات محدودة، وهذا يدل على أهمية ما تطرحه… النجاحات السينمائية الفلسطينية ليست إلا محاولات فردية جادة وطموحة، ولكن هذا لا يعفينا من التقصير جميعاً في بناء سينما بعيون فلسطينية تحمل رسالتنا إلى العالم.
_______
*الحياة