*رشيد أركيلة
بمناسبة انعقاد “منتدى كايو”، وعند اختتام اليوم الأوروبي المخصص للكتاب، الذي نظمه المركز الوطني للكتاب، ألقت أوريلي فليبيتي، وزيرة الثقافة الفرنسية، خطابا كان سيبدو عاديا لولا جملة وردت في معرض حديثها: “لا أعتقد أن هناك ما يستوجب تحديث حقوق المؤلف”. إقرار دون ميزة ظاهرة، لكنه خلف على الفور عدة ردود فعل، إلى درجة أن البعض نعت الوزيرة بفاقدة الذاكرة.
تلك الجملة القصيرة ستشكل شبه صدمة لدى المهتمين بالشأن الثقافي بفرنسا، خاصة أنها تتعارض مع التوجهات التي سبق أن أفصحت عنها الوزيرة غير ما مرة وهي تتحدث عن البرنامج الحكومي في شقه الثقافي.
هفوة فادحة
هكذا، وتحت عنوان “عدم تحديث حقوق المؤلف: فقدان عام للذاكرة بشارع قالوا. هل أوريولي فليبيتي على دراية بالسياسة التي تقودها وزارة الثقافة؟”، نشرت مجلة أكتوياليتي مقالا تعرض فيه بعض الأمثلة الصارخة التي تحتم على الفاعلين في المجال الثقافي التفكير بجد في إصلاح وتحديث وتكييف منظومة حقوق المؤلف تماشيا مع عصرنا الرقمي.
من بين هذه الأمثلة، هناك الرقابة على “موقع تامبلر”، الذي كان يستعمل خانات منقولة من ألبومات ” تانتان” كتعليقات مصورة لتغطية أحداث راهنة. الدعابة والمفارقة كانتا في الموعد. لسوء الحظ، عانى الأمرين محامو “منشورات مولينسار” في فرض الرقابة أو الحصول على تعويض ما. مثال آخر كان هو تدخل “أوليفيي داغاي”، مدير التركة بالنسبة لـ”الأمير الصغير”. فبالنسبة للمدارس، بفرنسا والولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر، لن يسقط المؤلف ضمن الأملاك العامة إلا في 2035 و2038، على التوالي. في حين سيكون ذلك سنة 2015 بالنسبة لباقي العالم. لكن على الأخص، فمن الآن فصاعدا، سوف تخضع الشخصيات إلى نوع من الترخيص يمنع استعمالها دون أداء الحصة الواجبة لذوي الحقوق.
الكتاب الرقمي
من بين تداعيات الجملة إياها، كتب مدير النشر نيكولا غاري: “مقتنعة تبدو وزيرة الثقافة وهي تعتبر أنه لا تقتضي الضرورة تحديث حقوق المؤلف… لكن، هل كلفت فرق وزارة الثقافة نفسها عناء تنبيه الوزيرة حول السياسة التي تقودها، منذ استلامها المهام؟ في أغسطس 2012، كانت أولى قرارات الوزيرة هي تكليف بيير ليسكور بإنجاز تقرير كانت الغاية منه تفحص وضعية الصناعات الثقافية و«الخروج بخلاصات حول الخطوط العريضة لمحاربة فعالة ضد الممارسات غير القانونية»… هل يجب الرجوع إلى إنجاز قانون الثمن الموحد للكتاب الرقمي، ومقتضياته حول أجور عادلة للمؤلفين، لنفهم أن تحديث حقوق المؤلف قد بدأ فعليا؟”
ضمن التطورات التي يشهدها التشريع الثقافي بفرنسا، هناك أيضا مشروع قانون إعادة القراءة الذي يُتوخى منه إنجاز نسخ رقمية بالنسبة للمؤلفات غير المتوفرة في السوق. يتحدث هذا المشروع عن اعتماد نظام تدبير جماعي لا يستدعي بالضرورة موافقة المؤلف من أجل تدبير المؤلفات. نظام يرتئي البعض أنه جاء على خلاف المنطق التقليدي لاحتكار التدبير. بالفعل، فقد ورد بالفصل (111ـ1) من قانون الملكية الفكرية أن «مؤلف عمل ذهني يتمتع من خلال عمله، لمجرد حدوث إبداعه، بحق للملكية المعنوية حصري ويمكن الاحتجاج به ضدّ الجميع».
في الواقع، فمشروع إعادة القراءة، الذي لم يسجل أي اعتراض عن دستوريته، أقل ما يمكن القول عنه أنه يمثل تجديدا واضحا لحقوق المؤلف. لمعاينته لغياب التدبير، وجود مؤلفات وعدم توفرها بالسوق، يتيح المشروع إمكانية توفير نسخ رقمية، الشيء الذي يبدو منطقيا كخدمة للقراء وضمانا لاستمرارية المؤلف نفسه. هذا، ويتوجب على المؤلِف إبداء اعتراضه للبقاء خارج المنظومة. إنها مقاربة جدّ عصرية، وقد تمّ اقتباسها من “غوغل بوكس”.
من جهة أخرى، فمنذ مدة تمّ الاعتراف بالعقود الألكترونية كعقود قانونية ملزمة للمتعاقدين وقد صدرت في العديد من دول العالم قوانين تنظم هذا النوع من العقود.
قانون الإبداع
لقد سبق للنقابة الوطنية للنشر أن عبرت عن ذلك في بيان رسمي: إن أسس هذا الاتفاق ترتكز على بعض التغييرات في قانون الملكية الفكرية والابتكار تحت رعاية وزارة الثقافة بقانون للاستعمالات الرقمية. إنها تشكل تقدما بالغ الأهمية وتجسد توصيات النقاشات السابقة التي فشلت حتى الآن.
أخيرا، وإن كان صدوره يعرف شيئا من البطء حتى الآن، فقانون الإبداع يعتزم الأخذ بعين الاعتبار الاستعمالات الرقمية الجديدة ويرتئي أنه «علاوة على إصلاح منظومة الجواب المدرج (التدريجي)، هناك تطورات مهمة فيما يخص إجارة الفنانين الموسيقيين، تحسين حالة الاستثناء لصالح الأشخاص المعاقين، أو أيضا بعض التدقيقات حول مسألة الملك العام».
يجدر التذكير بأن مجموع هذه العناصر تضمنها الجواب الذي قدمته فرنسا عند المشاورات التي شرعت فيها اللجنة الأوروبية. لنأخذ فرنسا كمثال، فقد شهدت السنين الأخيرة وضع نظام ما يسمى بالجواب المدرج من خلال إرسال كمّ هائل من رسائل تحذير قصيرة لتحسيس مستعملي شبكة الأنترنت الذين يقومون بتحميلات غير قانونية، تبنّي تشريع لإتاحة إمكانية تدبير 500 ألف كتاب غير متوفر من القرن العشرين، أو أيضا تبنّي اتفاق حول تجديد قواعد عقد النشر في العصر الرقمي.
لا يحتاج المتتبع للشأن الثقافي إلى براهين أخرى ليعرف أن فرنسا شرعت منذ مدة في تحديث حقوق المؤلف وخطت عدة خطوات في اتجاه ذلك. لهذا رأى نيكولا غاري أنه «من الغريب أن يصفق الجمهور على عدم الاعتقاد بوجود ضرورة ملحة لتحديث حقوق المؤلف، في حين أن ذلك من صميم السياسة المتبعة، بل وتتم ّمناصرتها أمام اللجنة الأوربية».
_____
*العرب