*سعدي عباس العبد
( ثقافات )
** أبي النمام , المشغول بمراقبتي على الدوام . متى يعرف انّ قلبي الرقيق المشدود اليها ليس له نظيرا في التوق واللهفة ! , ولا اظن انّ هناك احدا يملك قلبا يسيل الحنان من كلّ جنباته وخفقاته كما املك انا ! .. قلب يسخر من حنانه وولهه أبي الجاحد .. كنت اضبطه دائما يختلس النظر عبر النافذة , نافذة غرفتي , يتلصّص كأي مراهق شبق وسجارة اللف مغروزة بين شفّتيه , كنت المحه وجهه الثعلبي المجدور عبر ستار النافذة الشفاف الحافل بالثقوب جراء جمرات سجائره اللف التي ينسيها سهوا إبان تلصّصه , ينسيها تلامس الستار الشفاف .. كانت هي في الغرفة جنبي تقتعد الاريكة , تتصفح مجلة , وتتطلع ناحية النافذة كاتمة ضحكة ساخرة وانا كنت ارى إلى خدودها المورّدة .. وابي هناك يعالج شبقه بمزيد من التلصّص وهي ترى اليه وتضغط على شفتيّها تغلق عبرهما ضحك على وشك الانفجار , فاشعر كأننا في قفص . فانهض على الفور , ناحية النافذة , فيأتيني صوته ساخطا ناقما عاويا وهو يرتدّ للوراء , فاتراجع , فيما كانت هي مشغولة بتصفح المجلة , هويت برأسي على صدرها . اتحسس عبر شفتيّ طريقي إلى الثدّيين , إلى طراوة اللحم الناعم الرجراج , فامدّ يدي امسح على شعرها المسفوح على ذراعها العارية , فتتراجع برأسها وهي تطلق همسا حارا مفعما برائحة رغبة محمومة , رغبة متأججة توقد خدودها وشفتيّها وتضرّجهما بمسحة قانية من الاحمرار … سمعت أبي المنافق النمّام يهتف من وراء النافذة مدفوعا برغبة شيطانّية , تملك عليه سائر حواسه النابضة بالشبق . ولما نزعت شفتي عن اللحم الريان الرجراج كان ابي قد فتح الباب , ويطل بسحنته العكّرة وهو يرى الينا بعيون شبقة مفتوحة على آخرها تشّع بريقا مسرفا في الرغبة !! . فوجدتني على غير توقع اجهش في بكاء مر , وانا ابحلق حزينا إلى مقعدها او مكانها الذي تركته وفرّت خشية من سخط ابي او شبقه , لا ادري . فماجت الافكار السود في ذهني وانا ارى الى ابي عبر غشاوة من الدموع , فبدا ليّ كأنه يتموج في ضباب ! فراح وجهه يزداد قتامة وهو يتراجع ويغيب خارج الغرفة ,.. لم اقل شيئا , فقط تذكّرت امّي وهي تطلب اليه باستمرار انّ يمسك عن ملاحقتي , لم يعلّق حينها بشيء . بيد اني لمحته من طرف خفي , ينهض بساقّيه الطويلتين وهو يتفرس وجهها , كأنه يبحث عن ذكرى أليمة .. فرقّ قلبها الرؤوم وهميت الدموع على خدودها فيلتمع وجهها في نور النهار فتلوح ملامحها اشد اضاءة وهي تغتسل بتلك القطرات البلّورية المشّعة ..فراح ابي يتراجع بظهره الى الجدار . وينظر صوب البعيد .. مالبثت انّ نهضت امّي ترفل بثوبها الاسود الفضفاض في ضوء النهار ,وما انّ دنت بخطواتها منه , حتى اشاح بوجهه عنها . فامتدّت يدها الحانية إلى رأسه , المؤطر بكومة من الشعر الابيض , وطبعت قبّلة تفيض بالود على جبهته .. فهتفت من بعيد اخاطب امّي _ : وانا ماذا عني .. , فصهل ابي ! واستدار برأسه ناحيتي فراعني البريق المنبجس من عينيه وصرخ في وجهي ساخطا _: ابن الكلب مئة مرة قلت لك لا تأتي بالنسوان القحاب إلى البيت .. كانت امّي تنظر قلقة مرتابة , محاذرة انّ يفيق المارد النائم في اعماق ابي . فجريت صارخا الى غرفتي , فاكتظ فضاء الحوش باللغط والصراخ . كان هتافي يتصاعد قوّيا فتضيق به مساحة الحوش , ! ويتلاشى صياح ابي في الريح , لمحت رؤوس الجيران المشرئبه تطل عبر الجدار الخفيض الفاصل بين الدارين , فتفاقم غضب ابي . فجعل هذه المرة يطلق صراخا متصلا بالوجوه المتطلّعة .. فلم ادخل الغرفة وبقيت مسمّرا ارنو للعيون الوقحة وهي تلعق عبر نظراتها فضائحنا واسرارنا وفقرنا ..كانت جارتنا البدينة اللعوب اوّل من اطل , بدت مخيفة بوجهها الممتلىء وهي عالقة اعلى الجدار , تتفرس بعيون لاذعة , ولا تمسك عن التدفق بالكلام النابض بالفضائح , الفضائح التي اقترفها ابي . اسمعها تطلق الشتائم بوجه ابي دون انّ اعرف السبب .. !! ابي الذي لم اعد اسمع صراخه , ذلك الصراخ الناقم الذي تلاشى في ريح العاصفة , العاصفة التي أججت نيرانها جارتنا .. ولكني لمحته يسارع للاختباء داخل غرفته , في حين مكّثت جارتنا على إشاعة الفضائح التي تتعلق بسيرة ابي , عازفة على ذات الوتر .. فاخبرتني لما رأتني ارنو اليها ذاهلا . بانّ ابي السكير كان لصا او [ نكريا ] متمرّسا في [ علاوي الخضار ] . فلاح في ذاكرتي في الحال طيف حبيبتي العاهرة التي غدت فيما بعد عاهرة علنّية ! على علاقة مشبوهة تحيطها اقاويل السمّسرة بولد جارتنا العازفة على وتر الفضائح والتي اوّقعتني في شِراكها منذ تلك اللحظة الفضائحية . فقد وجدّت فيَّ ملاذا آمنا ينبض بالاغواء .. فامضيت معها اوقاتا نادرة مشحونة بالرغبات المحمومة .. كانت رائحتها الانثوية تتصاعد نفّاذة في فضاء الغرفة المغلقة . غرفتها بالطبع ..وقبل انّ اغادر الغرفة تطلب اليّ انّ اعود في المساء ..
وقبل انّ اجتاز نهاية الممر الطويل تناهى لسمعي فحيح فاتر يتصاعد على مهل , يتدفق عبر نافذة الغرفة المجاورة .. ولما جعلت اتطلّع عبر الشباك , هالني ما رأيت . فقد رأيت حبيبتي التي هجرتني عارية مفروشة بكامل بدنها وعُرّيها تحت الولد المراهق ولدّ جارتنا البدينة التي ساضاجعها عند المساء , في بيتها طبعا كما جرت العادة.