سناء أبوشرار *
( ثقافات )
رواية ” قبل أن أموت”
Before I Die
Jenny Downham,2007
” اطفأت النور وراقبت عائلتي من خلف النافذة ، ربما أنا ميتة ، ربما هذا هو كل شيء ، الأحياء سوف يستمرون في الحياة …وأنا سأستمر في هذا العالم الفارغ ،
أطرق دون صوت هذا الزجاج الذي يفصل ما بيني وبينهم”
بلغة انجليزية رقيقة تتحدث بطلة الرواية صغيرة السن عن حياتها التي تتأرجح بين الحياة والموت لكونها مصابة بسرطان الدم ومن غير المألوف أن تتم كتابة رواية عن حالة مريض يقترب تدريجياً من الموت بإدراك ومعرفة كاملين، تحاول في كل لحظة أن تحيا مثل أي انسان عادي وتضع قائمة للأشياء التي ترغب بالقيام بها قبل أن تموت ولكنها تدرك ومن خلال أحداث الرواية أن تلك الأشياء البسيطة التي ترغب بالقيام بها صعبة لأن طاقتها الضعيفة لا تسمح لها بذلك.
تنتهي الرواية بأحداث تراها البطلة أو الكاتبة ما بعد موتها وكيف تنسحب من الحياة ببطء رغم كونها ميتة بالنسبة لمن حولها إلا أنها ترسم أحداثا قصيرة لما بعد موتها وفي النهاية تقول:
“صوت العصافير تطير منخفضة عبر الحديقة ، ثم لا شيء ، لاشيء ، سحابة تمر ولا شيء مرة أخرى ، الضوء يتسلل عبر النافذة ، ثم يتسلل لي وإلى أعماقي”.
بهدوء وصمت تقودنا سطور الرواية للتفكير العميق بالموت ، هذا الحاضر الغائب ، البعيد القريب ، يرصدنا ونتجاهله ، يراقبنا ونغفل عنه ، وحين يداهمنا ندرك أخيراً وأولاً أنه الحقيقة الوحيدة التي تبقى رغم أكوام الحقائق التي كدسناها طوال حياتنا والتي تتبعثر كشظايا أمام حضوره العملاق.
وماذا لو كان الموت ليس غائباً ولا بعيداً ! نرصده ولا نتجاهله ، نراقبه ولا نغفل عنه ، يكون الموت بهذا الحضور المُسيطر بالنسبةِ لأولئك الذين فرض عليهم مرض خطير أن يعيشوا متجاورين مع الموت ، فكل خطوة وكل حركة قد تكون بإتجاه الحياة أو نحو الموت، وهم فقط من يعرفون القيمة الحقيقية للحياة وللصحة وللشمس التي تُشرق بكل يوم
رواية ” قبل أن أموت” تجسيد لمعاني عديدة لإقتراب الموت منها الألم والإنسلاخ عن من نحب وما نحب .
لا تتطرق الرواية بأي صورة للناحية الإيمانية حتى في الفصول الأخيرة منها ، كقارئة لا يحق لي تقييم الكتاب من الناحية العقائدية ولكنني وبمجرد الإنتهاء من قراءته ادركت أن الأصعب من الموت هو الموت دون إدراك كينونة الوجود ونهاية الإنسان الحتمية وأننا لسنا سوى ودائع أودعها الله تعالى في هذه الأرض ويستردها حين يشاء .
معاناة بطلة الرواية استمرت طوال السنوات الطويلة من حياتها القصيرة وكأنها تنظر إلى الساعة المُعلقة على الجدار الرمادي تنتظر الدقيقة الأخيرة ، ومن يقرأ الرواية لابد أن يستيقظ في كل يوم يفتح النافذة ويبتسم لأنه يحيا ويرى السماء والشمس ومن يحب والأجمل أن يدرك أن الله بكل شيءٍ محيط.
* روائية من الأردن