إليانور كاتن: هكذا كتبت روايتي “اللامع”


*ترجمة: ميادة خليل


تأثير الابداع قد يمتلك شحنة سالبة أو موجبة. إما تقليدي (“أريد أن أجرب ذلك”) أو جريء (“أريد أن أرى ذلك بشكل مختلف”)، كلا التأثيرين حيوي لنجاح الفكرة. جريء جداً, والفكرة ستكون صاخبة, تقليدي جداً والفكرة ستكون آمنة. بالنسبة لي, في اللحظة التي التقت فيها الفكرتان معاً لأول مرة ــ عندما ربطت, تخيّلت, شيئا ما أحبه كقارئة بشيء ما أتمناه كقارئة ــ في تلك اللحظة ولدت فكرة القصة.
مع رواية “اللامع” (The Luminaries) الشحنة الموجبة جاءت أولاً. أحببت دائماً القراءة للأطفال والشباب, خاصة تلك الكتب الغامضة. ثلاثية فيليب بولمان “سالي لوكارت”, “جزيرة الكنز” روبرت لويس ستيفنسون, و”ما وراء البحر الغربي” و”حقيقة شارلوت دويل” لـ آفي. كل هذه الروايات أثرت فيّ بقوة: قرأتها وأحببتها بطرق مختلفة تماماً عن قراءتي وأعجابي لكتب أخرى. هناك كتب تجعلني متأكدة من رغبتي في الكتابة, وأعيد قراءتها ليس باعجاب فقط، ولكن بامتنان ومودة، لأنها قدمت لي مهنة حياتي. (هناك العديد من الكتب التي أعجبت بها لكن لست مدينة لها, أو شعرت عند قراءتها بتأثر بسيط. هذا النوع من الامتنان, في تجربتي الشخصية, لا يخلق علاقة التأثير: شعور ليس شخصي بما يكفي.)
منذ البداية كان لدي طموح بــ”اللامــع”, الاتجاه ــ لكن الفكرة لم تكن حقيقية. أعرف بأني أريد كتابة مغامرة غامضة من نوع ما, بالأعتماد على كل ما أحببته في كتب الأطفال. أعرف بأني أريد كتابة كتاب تدور أحداثه في نيوزيلاندا ــ روايتي الأولى لم تكن أحداثها في مكان محدد, وأردت أن أعرف إن كنت على مستوى التحدي لكتابة قصة تجري أحداثها في زمان ومكان محددين بدقة. العصر الذهبي للساحل الغربي في منتصف الستينات من القرن الثامن عشر قدم نفسه بشكل طبيعي: الساحل الغربي هو جزء من نيوزيلندا, أعرف ذلك جيداً, والعصر الذهبي يبدو كمسرح رائع تجري على خشبته أحداث المغامرة. بدأت بالقراءة, بدأت بقراءة تاريخ العصر الذهبي, الذي قادني الى طبيعة الثروة, التي قادتني الى حيل وخدع يمكن تصديقها. والتي قادتني بدورها الى ثروة سردية, والتي قادتني الى النجوم. 
دونت الكثير من الملاحظات أثناء قراءتي, خاصة في تلك المرحلة الأولية في البحث. أضع علامات على كل شيء أجده مهماً, ثم أطبع كل شيء وضعت عليه علامة, ثم أنسخه على الطابعة, وأعيد بعد ذلك قراءة هذه الملاحظات المطبوعة كلما كان ذلك ممكناً. بالاضافة الى الكتب غير الخيالية, بدأت بقراءة روايات القرن التاسع عشر وروايات الجريمة ما استطعت. أضع علامات على المصطلحات, تفاصيل تلك المرحلة وابداعات الحبكة. معظم الملاحظات التي كتبتها لم أستخدمها في روايتي ــ ليس بشكل مباشر على الأقل ــ لكن لم يكن بأمكاني البدء بالكتابة على الأطلاق بدون تلك الملاحظات. بطريقة أو بأخرى أرى تلك المرحلة الأولية على أنها عملية إعادة السيطرة, أو إلقاء نظرة على العناصر الأولية لمستقبل عالم الرواية. أحب دائماً ذلك “الكاتب” الذي نشأ مع اللغة اللاتينية, وتطور معها. 
مرحلة القراءة والبحث تلك استمرت نحو عامين تقريباً, لكن حتى مع نهايتها, فكرة الرواية لم تكن قد ولدت بعد بشكل حقيقي. مثل قُبرة تعلمتُ قراءة أوراق التاروت, وبالصدفة عثرت على نسخة من “قلعة الأقدار” لـ إيتالو كالفينو, الحبكة التي تحاكي ورق التاروت, وجدت في الكتاب صراعا رهيبا, بالرغم من ضآلته, وبينما يشتد الصراع, كنت أتساءل لماذا كانت تلك الروايات معقدة البناء الى درجة الجمود, ولماذا كانت تقف نمطية بنتيها في طريق ترفيه القارئ ومتعته. هل تأتي البُنية على حساب الحبكة؟ أو هل من الممكن أن تُصاغ البنية والحبكة, في نفس الوقت, بحيوية؟ فكرت بالرواية وتمنيت أن تكون “قلعة الأقدار” ــ ولهذا, أخيراً, كان تأثير الشحنة السالبة, مؤثراً وجريئاً أكثر من التقليدي, أشتقت الى كتابته أكثر من ما أحببته. 
وجدت برنامج على الأنترنت يُمكنني من متابعة حركة الكواكب خلال دائرة الأبراج. كتبت وفق نسق حقول هوكيتيكا للذهب, وعودة عقارب الساعة الى عام 1864, عندما أُكتشف الذهب لأول مرة في المنطقة, وبدأت بمشاهدة السماء دوران السماء. وبعد أربع سنوات (على اكتشاف الذهب) تعقبتُ حركة الأشكال السبعة التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة في سماء هوكيتيكا, وأتساءل عن كيفية تحويلها الى شخصيات بشرية, ومجموعة الأبراج الى قصة. شيء ما لفت انتباهي ــ التوافق الثلاثي في برج القوس, البيت الذي ربطه يونغ* باللاوعي الجمعي ــ وعرفت حينها أن لدي مكاناً لأبدأ.
____________
المصدر: الغارديان/ صحيفة العالم الجديد 
*إليانور كاتن: كاتبة نيوزيلندية ولدت في 1985. فازت بجائزة البوكر لعام 2013 عن روايتها “اللامع”, وهي الرواية الثانية للكاتبة. وتعتبر روايتها أطول رواية فازت بالجائزة. 
* كارل غوستاف يونغ: هو عالم نفس سويسري ومؤسس علم النفس التحليلي.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *