*محمود الحرشاني
( ثقافات )
لا يوجد أخطر من الاقصاء السياسي إلاّ الاقصاء الثقافي، لانّ الاقصاء السياسي يستهدف اذا طبّق وهو ابغض الحلال فئة معيّنة ، كانت ناشطة سياسيا وحزبيا في نظام وقعت عليه ثورة ان كانت هناك ثورة بينما الاقصاء الثقافي يشمل شريحة اوسع وتأثيرها أخطر في المجتمع، وهي شريحة المثقّفين والمبدعين والمفكّرين والكتّاب، وحملة الاقلام وزارعي الافكار… ومن هنا تأتي خطورة اقصاء بعضهم على النشاط والمشاركة الفاعلة في الحياة الثقافية مهما كانت المبرّرات والأسباب والأنظمة والمجتمعات التي تعاقب مفكّريها وكتّابها ومبدعيها بقانون الإقصاء بحجّة تعاملهم مع انظمة سابقة انّما هي بهذا الصنيع تعاقب العقول على حرّية اختيارها… وتعاقب المبدعين والكتّاب والفنّانين على جرم لم يرتكبوه… فالفنّان يبقى فنّانا في كلّ عصر ، والمبدع يبقى مبدعا في كلّ عصر، تتغيّر الانظمة ويتغيّر الحكّام ويبقى المبدع لانّه يؤسس دولة الجمال بما يخطه قلمه و وببنات أفكاره.
هناك أسماء لم تعد تسمع بها في المشهد الثقافي والإبداعي تمّ تغييبها قصرا وعمدا من قبل المسئولين عن الهياكل الثقافية بدعوى مساندتها للنظام السابق أو أنّها حظيت بالتكريم من قبل النظام السابق والرّئيس السابق وقد كنّا نعتقد أوّ وزارة الثقافة ستقف بالمرصاد في وجه هذه الممارسات اللاّمسؤلة التي يأتيها بعض المشرفين على الهياكل والندوات والمهرجانات الثقافية … ولكن مع الاسف الشيء زاد عن حدّه ولم يقع ايقاف هذا التيّار… وأصبحنا نلاحظ تغييبا ممنهجا لعديد الكفاءات الثقافية والإبداعية من كتّاب ومبدعين وفنّانين عن هذه التظاهرات والندوات بعد أن قفز الى ادارتها عدد من الشللة الّذين ركبوا قطار الثورية بعد 14 جانفي، ولم نعرف لهم وجودا في الشوارع والساحات الملتهبة والغاضبة قبل فرار الرئيس السابق، عندما أصبح الكل ثوريين سلاحهم سلاطة اللسان وبذاءة الكلام وادعاء ما ليس صحيحا.
ليتهم يستحضرون قولة الزعيم الخالد جمال عبد النّاصر ذهب الملك فاروق وبقيت أم كلثوم وبقي فنّها.
ومع الاسف وجد هؤلاء كل الدعم من بعض المسؤولين عن الهياكل والمؤسسات الثقافية ومن الوزيرين السابقين للثقافة، باش شاوش و المهدي مبروك. ان المبدع يبقى مبدعا بعد الثروة وقبلها… انّني اسف لانّ ندواتنا الثقافية ومهرجاناتنا الادبية لم يعد يدعى لها الكبار وأصبحت تخضع الدعوات لمبدأ استدعيني وأستدعيك أو وادعيني وأدعيك… وتقصى البقية طالما انّ الكل يرفع شعار لا لعودة الوجوه القديمة حقّا وباطلا … حتى تخلو لهم الساحة فهل نأمل من وزير الثقافة الجديد مراد الصقلّي مبادرات في هذا الاتجاه لتصحيح الوضع المتعفّن؟