*خلود ناصر
افتتحت المخرجة والأستاذة في «الجامعة اللبنانية الأميركية LAU» لينا أبيض عرض مسرحية «هيدا مش فيلم مصري» في إطار «العمل الرئيسي» الذي يقوم به عادةً أساتذة الجامعة هناك مرةً كل عام. العمل الرئيسي عبارة عن عرض مسرحي مفتوح لجميع من يريد المشاركة فيه من طلاب الجامعة ومن آخرين خارجها. هو يعد أيضاً كمادة بحثية لأستاذ المسرح وكمشروع إجباري لبعض الطلاب. في هذه المرة، شارك العديد من خارج الجامعة بنسبة تتعدى سبعين في المئة من الممثلين المشاركين.
لعل سبب ذلك يعود إلى الموضوع الإنساني والاجتماعي الملح الذي تطرحه «هيدا مش فيلم مصري» أي العنف الأسري. نص العمل عبارة عن شهادات حية من بعض النساء المعنّفات اللواتي لجأن الى جمعية «كفى»، الأمر الذي يثير فضول الجمهور لمعرفة ماذا يدور داخل جدران منزل مشحون بالعنف.
اختارت المخرجة اللبنانية أن توثّق شهادات النساء المعنفات في لبنان. شهادات تلقيها الممثلات مباشرة الى الجمهور في أغلب الوقت. كان العرض يتأرجح بين محاولة أبيض مسرحة هذا النص على الخشبة ضمن لعبة تمثيل بين الرجال والنساء وديكور حاد يرمز الى سجن النساء، ولعبة أخرى بعيدة عن ذلك في صدقها وحميميتها، إذ تلقي الممثلات النص مباشرةً الى الجمهور بلسان المعنّفات.
يبدأ العرض بخطابات أولاد النساء المعنّفات يتحدثون عن معاناتهم عند مشاهدة العنف الممارس من قبل آبائهم على أمهاتهم ووقع ذلك نفسياً وسلوكياً عليهم. النساء مسجونات وراء القضبان عند أقصى يمين الخشبة، يتخبطن ببعضهن بعضاً، بينما يدخل الرجال ويخرجون أحراراً من جميع مداخل ومخارج المسرح بمصاحبة تعنيف لفظي. بعد ذلك، تتحرّر النساء من السجن، ويخرجن من أجل إلقاء شهاداتهن للجمهور. كأنّ بأبيض تقول إنّ بوح المرأة هو الخطوة الأولى للتعبير وبالتالي للحرية والتواصل.
لكن كان هناك تفاوت بين اللعبة الإخراجية الأولى والثانية من حيث المشهدية. جاء مشهد الرجال والنساء فوضوياً بعض الشيء وغير مقنع، وهو عبارة عن رشق جمل محمّلة بتعابير تعنيف للمرأة لفترة طالت ولممثلين يلقون نصوصهم أكثر مما يتبنّونها كشخصيات مسرحية، بينما كانت مونولوجات الممثلات في القسم الثاني أصدق وذات أبعاد نفسية تلامس المتفرج بشكل أكبر من القسم الأول.
توزعت الممثلات على الخشبة، وغاصت كل منهنّ في عالمها منفردة بمآسيها، ومنقطعة عن التواصل مع الآخرين، ومسجونة داخل نفسها إلا في بعض المقاطع التي نرى فيها تعاطفاً بين سيدة وأخرى. كان هذا القسم الأقوى لأنه أكثر إتقاناً نصاً وتمثيلاً وإخراجاً، وبالتالي ذا وقع أكبر على الجمهور. مع ذلك، جاءت المونولوجات متسارعة من دون أي متنفّس للجمهور كي يتأمّل قليلاً في المأساة، ما قد يؤدي الى شرود المتفرّج وعدم قدرته على ملاحقة كل ما يقال على الخشبة. كثرة النصوص وتزاحمها قلّصتا إمكانية تواصل أعمق بين الجمهور والعرض. حتى بدا أحياناً كأننا نستمع الى شريط توثيقي متقطع يحتاج الى حمل أبعاد أعمق وتفاصيل لكل شخصية على حدة، تأخذنا معها الى عالمها بدلاً من أن نتوه في متاهات العنف بشكله الظاهر. في كل الأحوال، فإنّ «هيدا مش فيلم مصري» تجربة مهمة من الناحية الإنسانية والاجتماعية، تسهم في نشر التوعية حول قضية تعنيف المرأة.
«هيدا مش فيلم مصري»: حتى 4 أيار (مايو) ــ «مسرح غلبنكيان»، «الجامعة اللبنانية الأميركية LAU» ـ للاستعلام: 01/786464 ـــ 03/791314
ومن الحبّ ما قتل
تقول لينا أبيض إنّ فكرة المسرحية راودتها عندما قرأت وشاهدت قصة الشابة منال عاصي التي قتلها زوجها بطنجرة ضغط. مع توالي التقارير التلفزيونية عن الشابة، وعرض صورها مع زوجها خصوصاً تلك التي بدا فيها الثنائي سعيداً، شعرت المخرجة اللبنانية بالفضول للتعمق أكثر في شخصية الزوج القاتل. من هنا بدأت أبحاثها التي قادتها تدريجاً إلى اكتشاف أنّ ألوف الرجال في لبنان يعنّفون زوجاتهم أكان لفظياً أم جسدياً، وهم يملكون طريقة متشابهة في التعنيف. واكتشفت أنّ الرجل المعنّف يكون عادةً محبّاً لزوجته، ومحبوباً بين وسطه وجيرانه، إلا أنّه يخفي وجهه الآخر عن المحيط. ولاحظت أبيض أنّ هناك دورة يعيشها المعنِّف تبدأ بكلمة مؤذية لزوجته ليغوص في التعنيف بل القتل لأسباب تافهة.
________
*الأخبار