*لطفية الدليمي
مرت عصور طويلة أسدل فيها الستار أو النقاب على نتاج النساء الفكري والعلمي في أوروبا والغرب بالذات بموازاة التعنت الشرقي الراسخ في مواجهة المؤنث ،وإزاء هذا الوضع المتصلب المتحفظ ،توجب على النسويات المشتغلات بالعلم والفلسفة والثقافة عموما أن يقمن بترسيخ مصداقية نتاجهن ومواقفهن قبل ان يحظين بفرصة إسماع نقدهن لما يجري في ميدان العلم والفلسفة المحتكر من قبل غالبية ذكورية.
تطرح الدكتورة ليندا جين شيبرد وهي عالمة معنية بالفلسفة النسوية في كتابها “Lifting The Veil ” وعنوانه الجانبي ( الوجه الأنثوي للعلم )- جانبا من النسوية يختلف تماما عما طرحته النسويات من قضايا خلافية أو مطالبات بحقوق أو مكانة عامة للنساء ، فهي تعد النسوية الجديدة “فلسفة للمرأة إلى جانب كونها فلسفة للبيئة وفلسفة لتحرر القوميات ” وتطرح محورا أساسيا في الكتاب عن العلم لتثبت لقرائها أن العلم هو أكثر فاعلية وحيوية وجاذبية من أي منشط إنساني آخر ،وتتساءل لماذا يعتبره البعض صعبا وثقيلا وتضعه الاعتبارات السائدة كنقيض للموضوعات الإنسانية مع انه اكثر إنسانية من جميع المنشطات ؟
وتعترف الدكتورة ليندا أستاذة العلوم – أنها سحرت بموضوع ( السيمياء) الذي كانت لا تعيره التفاتا وتصورته من العلوم الزائفة التي تعمل على تحويل الرصاص إلى ذهب ، لكنها اكتشفت عند مواظبتها على محاضرات البروفيسور ستيفن هويلر –أن السيمياء نسق رمزي عميق للتحول ،ونموذج لتوحيد الثنائيات من أجل إيجاد شيء جديد تماما ، شيء يشبه تحولات شخصية الإنسان بعد أزمة منتصف العمر ،أحبت دكتورا ليندا جين ما ترسمه نصوص السيمياء من صور مبهرة لاتحاد الذكورية والأنثوية كنموذج لكل الثنائيات والمتقابلات من حولنا : الشمس والقمر ، الكبريت والملح ، التفكير والشعور، الإحساس والحدس، وقد أفادت السيمياء في الارتقاء بالوعي الإنساني حين أضافت المرأة والأنثوية إلى العلم ، فعلم السيمياء يناشدنا أن نهدم ونقوض البُنى المعروفة المستقرة من أجل أن تتحد الثنائيات وتشكل كيانات جديدة مختلفة تماما – رغم ان البشر في جميع المجتمعات البشرية الراهنة –يرفضون التخلي عن منظوماتهم ونمط مؤسساتهم الذي اعتادوا عليه.
طوال العصور كانت الفلسفة الإغريقية الذكورية تهيمن على الفكر الغربي والعلوم الطبيعية ،بخاصة أفكار أرسطو عن العلم بنزعته الذكورية الفادحة وعبر ألفي عام من الانسحار بالنص الأرسطي والوليمة الذكورية للحياة الغربية والشرقية على حد سواء وإقصاء الإناث ومنعهن من العمل العلمي والفكري لم تتوقف محاولات المرأة للتعبير عن مواهبها الفكرية وامتيازها العلمي فسطعت أسماء ذات إبداعات فلكية ورياضياتية وفلسفية مثل هيباتيا الإسكندرانية في القرون الوسطى والتي حكم عليها كهنة الكنيسة بالموت على نحو بشع غير مسبوق وأباحوا دمها للعامة فمزقوها أشلاء مثل كلاب مسعورة لأنها أعلنت عن نظريات فلكية تتعارض مع المعطيات الدينية ، ومنذ فظائع القرون الوسطى إزاء النساء المفكرات اللائي اتهمن بالهرطقة بدأ يتموج في الخفاء تيار قوي مستتر يؤمن بالقيمة الأنثوية في العلم والمعرفة والفكر، وتكشّف هذا التيار لدى الحركات الصوفية والغنوصية والقبلانية والسيميائية مثالنا ابن عربي الذي ردد على مسامع العصور بأن ( كل مكان لا يؤنث لا يعول عليه ) وقال : إن الذكورية والأنوثية عَرَضان يتصفان بالتحول والتبدل والتجدد داخل نفس الكائن الموجود.
نجد في أول مظاهر السيمياء أنها محايدة بين الأنوثة والذكورة ،ولكنها أيقظت المعنى المستقل للأنوثة ، واعتمدت الاقتران بين العقل والمادة والاندماج بين الذكر والأنثى لتتكامل الثقافة الإنسانية وترتقي بارتقاء الجنسين.
يتبع
_______
*روائية من العراق/ المدى