*محمد سيد بركة
يعد كتاب “المناظر”، لابن الهيثم، موسوعة فيزيائية تصنف كونها من أنفس ما أنتج العلماء في مجال البصريات، خلال القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي. وقدم مؤلف الكتاب، أبو علي الحسن بن الهثيم، الذي عده مؤرخ العلوم الشهير، جورج سارتون، أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، دراسة لخصائص الضوء في أحواله الثلاث: الإشراق على الاستقامة، الانعكاس، الانعطاف. وهي دراسة قائمة على الاختبار التجريبي، واستخدام المنهج الرياضي في تفسير الظواهر الطبيعية.
وأبرز ما يميز الكتاب :1- أن ابن الهيثم جاء بنظرية جديدة في الإبصار غير ما جاء به السابقون عليه من الرياضيين، مثل : إقليدس وبطليموس أو الفلاسفة : أرسطو، أو الأطباء : جالينوس. وعرضها مجملة في المقالة الأولى من كتابه، ثم ألحق بها نظرية في سيكولوجية الإبصار، في المقالتين الثانية والثالثة.
نظرية الرؤية
أثبت ابن الهيثم، في “المناظر”، أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة، باستخدام التجارب العلمية. ففي العصور القديمة، سادت نظريتان كبيرتان حول كيفية الرؤية، النظرية الأولى: نظرية الانبعاثات، التي أيدها مفكرون مثل إقليدس وبطليموس، والتي تفترض أن الإبصار يحدث اعتمادا على أشعة الضوء المنبعثة من العين.
أما النظرية الثانية: نظرية الولوج، التي كان قد أيدها أرسطو وأتباعه، فتفترض دخول الضوء إلى العين بصورة فيزيائية. كما عارض ابن الهيثم كون عملية الرؤية تحدث عن طريق الأشعة المنبعثة من العين، أو دخول الضوء الى العين من خلال صور فيزيائية، وعلل ذلك، بأن الشعاع لا يمكن أن ينطلق من العينين، ويصل إلى النجوم البعيدة في لحظة، بمجرد أن نفتح أعيننا.
كذلك، عارض الاعتقاد السائد بأن العين ربما تجرح إذا نظرنا إلى ضوء شديد السطوع، ووضع بدلاً من ذلك، نظرية ناجحة للغاية، تفسر عملية الرؤية بأنها تحدث نتيجة خروج أشعة الضوء إلى العين من كل نقطة في الكائن، وهو ما أثبته عن طريق التجارب. وكذا وحد علم البصريات الهندسية مع فرضيات أرسطو الفيزيائية، لتشكل أساس علم البصريات الفيزيائية الحديثة.
ريادة وتجارب وبراهين
أثبت ابن الهيثم أيضا، أن أشعة الضوء تسير في خطوط مستقيمة، كما نفذ تجارب مختلفة حول العدسات والمرايا والانكسار والانعكاس.
وكان أول من اختزل أشعة الضوء المنعكس والمنكسر في متجهين رأسي وأفقي، والذي كان بمثابة تطور أساسي في البصريات الهندسية، واقترح نموذجا لانكسار الضوء يُفضي إلى استنتاج مماثل لما أفضى إليه قانون سنيل، لكن ابن الهيثم لم يطور نموذجه بما يكفي لتحقيق تلك النتيجة.
وقدم ابن الهيثم أول وصف واضح وتحليل صحيح للكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب. وكان ابن الهيثم أول من نجح في مشروع نقل صورة من الخارج إلى شاشة داخلية كما في الكاميرا المظلمة، التي اشتق الغرب اسمها من الكلمة العربية: قُمرة.
نظرية وتطوير
أرسى كتاب “المناظر”، بالإضافة إلى فيزياء البصريات، أُسس علم نفس البصريات. وأسهم ابن الهيثم كذا، في الطب وطب العيون والتشريح وعلم وظائف الأعضاء، وكانت له تعليقات على أعمال جالينوس. ووصف عملية الإبصار وتكوين العين وتكوّن الصورة في العين ونظام الإبصار. كما عدل نظريات الرؤية المزدوجة وتوقع الحركة، التي سبق وناقشها من قبل أرسطو وإقليدس وبطليموس.
وأحدثت مقارنته بين العين والكاميرا المظلمة، توليفته بين علمي: التشريح والبصريات، والتي شكلت أساس علم نفس البصريات، كما كان تصوره لمرور الضوء خلال الثقب في تجاربه بالكاميرا ذات الثقب، مشبّها انعكاس الصورة الناتج، بما يحدث في العين، التي تمثّل فيها الحدقة ثقب الكاميرا.
النسخ المترجمة
ترجم الكتاب إلى اللاتينية، خمس مرات، كما ترجم إلى اللغات: العبرية والأسبانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية، مرات كثيرة، أيضا . وفي عام 979هـ / 1572 م، نشر ريزنر ترجمة كاملة ل (المناظر)، وزوّد الطبعة برسم يوضح فيه مختلف أجزاء العين، حسب ما ذكره ابن الهيثم .
الهازن
يعد ابن الهيثم من أعظم علماء العرب في: البصريات والرياضيات والطبيعيات والطب، والفلسفة. ولديه إسهامات مهمة فيها. وهو أبو علي الحسن ابن الحسن ابن الهيثم، المسمى عند الغربيين : الهازن: ( Alhazen). ولد في البصرة سنة 354هـ/ 965م ودرس فيها. اشتغل بنسخ كتب من سبقوه في الرياضيات والطبيعيات، إلى جانب التأليف في مواضيع مختلفة.
ترك ابن الهيثم تراثا علميا ضخما في الرياضيات والفلك، وسمع به الخليفة الفاطمي في مصر، الحاكم بأمر الله، فتاقت نفسه إلى الاستعانة به، وزاد من رغبته ما نمي إليه ما يقوله ابن الهيثم: لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص، وكان ابن الهيثم في هذه الفترة قد تجاوز الستين من عمره، اشتهر في العالم الإسلامي باعتباره عالما في الهندسة له فيها آراء واجتهادات. وتوفي ابن الهيثم، في القاهرة سنة 430هـ /1040م .
قسمان وسبع مقالات
ينقسم الكتاب إلى قسمين كبيرين، يعنى أولهما ب : إشراق الأضواء، ورؤية المبصرات على الاستقامة. أما الثاني فيدرس : انعكاس الأضواء، انعطافها، ما يترتب عليهما من إدراك المبصرات في المرايا المختلفة الأشكال وفي الأجسام المشفة. والكتاب في مجمله يحتوي سبع مقالات:
المقالة الأولى
تشمل هذه المقالة: كيفية الإبصار، خواص البصر، خواص الضوء، كيفية إشراق الأضواء، فيما يعرض بين البصر والضوء، هيئة البصر، كيفية الإبصار، منافع آلات البصر، علل المعاني التي لا يحدث الإبصار إلا بها وباجتماعها.
المقالة الثانية
تتناول تفصيل المعاني التي يدركها وعللها وكيفية إدراكها، وتضم: تمييز خطوط الشعاع ، كيفية إدراك كل واحد من المعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر، تمييز إدراك البصر للمبصرات.
المقالة الثالثة
تتعرض لـ: أغلاط البصر في ما يدركه.. وتتكون من العلل التي من أجلها يعرض للبصر الغلط، أغلاط البصر، كيفية أغلاط البصر التي تكون في المعرفة، كيفيات أغلاط البصر التي تكون في القياس.
المقالة الرابعة
تشمل المقالة، كيفية إدراك البصر بالانعكاس عن الأجسام الثقيلة، وتضم: صور المبصرات التي تنعكس عن الأجسام الثقيلة، أن ما يدركه البصر في الأجسام الثقيلة هو إدراك بالانعكاس، كيفية إدراك البصر للمبصرات بالانعكاس.
المقالة الخامسة
تختص في مواضع الخيالات، وهي : الصور التي ترى في الأجسام الثقيلة.
المقالة السادسة
وهي في أغلاط البصر في ما يدركه بالانعكاس وعللها، ومن ما تتضمنه: أغلاط البصر التي تعرض من أجل الانعكاس، أغلاط البصر التي تعرض في المرايا المسطحة، أغلاط البصر التي تعرض في المرايا الكروية المحدبة.
المقالة السابعة
وهي في كيفية إدراك البصر بالانعكاس من وراء الأجسام المشفة المخالفة لشفيف الهواء، ومن ما تشتمل عليه : نفاذ الضوء في الأجسام المشفة على سمت خطوط مستقيمة، انعطافه في الأجسام المخالفة لشفيف الجسم الذي هو فيه.
_______
*البيان