علي السوداني*
سيقولُ قائلٌ منكم وقائلةٌ منكنّ، أنك يا علّوكي بهذه الوصلة العاتبة القاسية، قد جئت برجليك صوب نقيع التكبّر والترفّع والعكرة وشيل الخشم ونفخ الذات، وكنا شفناك غير مرة ومرة.
وهذا صنف جديد من أصناف وأشكال الاستيطان الإكراهي الذي يزخُّ فوق صفحتك النابتة حتى الليلة، في واحدة من ثنيّات غابة الفيسبوك العظيمة. أقصد المستعمرين الجدد الذين يغزون صفحتي الشبعانة، بنصوصهم وأشيائهم وصورهم.
الضيوف أنواع، فمنهم من يحط كما طير تائه فوق عرش الصفحة، مخلّفا وراءه قصيدة مبنية على سبعة سطور تنامُ على تسع هنّاتٍ وغلطة، وآخر يصفع خدّك بمعلّقةٍ منتّنة مضرّجةٍ برائحة طائفية مكروهة، وثالثة تأتمنك على برميل زيت عملاق مدلوق حلقهُ صوب نار تشتهي لو أنها خمدت الآن، ورابعة من رابعات، تنسجُ على بعض منوالك المثقل، طرفة باهتة ماصخة أُمّ كمشة كلام، مروّسة بثريّا مرتبكة ملتبسة، وقد توهمّت هذه الرابعة أنها قد خلقتها من طين القصة المقصوصة القصيرة جدا، وخامسٌ يشمئز بِوصلته المستوطِنة، ما لا تشمئزُّ روحك منهُ، وسادسٌ يهطرُ صاحبك الخلّاق بكفٍّ من حروف ثقيلات ويبتغي منك التثنية والتعميد، وسابعة فهلوية بهلوية شاطرة حيّالة افتراضية، تتأوّهُ وتتغنوجُ شِعرا ونثرا فوق صدرك المكتظ – صدر الصفحة أعني – فتدوخُ وتتمعمع، وينقرصُ قلبك ويتبلبل مخّكَ، وتلجُ باب الحَيرة، فلا دوسة “لايك” تنفع ولا “تطنيشة ” تقيّة تنجعْ، حتّى تصيرُ حالك حال حُسين غريب بأرض قفر وجدب، تطعنهُ أُمّهُ طعنة موت لا تثنّى، ثمّ تسجّيه وتنوح وتبكي عليه، بكاء دولة من نساء مرمّلات.
ثامنة من ثمانين تقصفك بهاونات البراءة، وتشجُّ فؤادك الطريّ بعذريّات الحروف البِكْر، وتاسعٌ يؤذّنُ فيك جهارا، أنْ جادلني إن استطعتْ.
تكبرُ جغرافيا الغابة، وتنتفخ الأنوات القوية، فترى في ما ترى، صورة جديدة طازجة لصاحبك العتيق، تريد منك هذه المرة أن لا تربط يدك إلى عنقك ولا تبسطها بسطا، بل داوِها وادفعها بما تيسر لك من تنويمة “منور” وأخيّاتها المئة.
سيقولُ قائلٌ منكم وقائلةٌ منكنّ، أنك يا علّوكي بهذه الوصلة العاتبة القاسية، قد جئت برجليك صوب نقيع التكبّر والترفّع والعكرة وشيل الخشم ونفخ الذات، وكنا شفناك غير مرة ومرة، وقد استعمرت ونبتَّ فوق عرش صفحتنا وصحفنا، فَرششنا عليك ونصّكَ سورَ المديح، وطيّرنا عند أعتابك عذب الكلام، وهلهلنا قدّامك كما لو أنك الليلة قائم على مرقاة عرسك الماجدة، فهل ترى فيما ذهبت إليه بعض عدل أيّها المخبول؟!
وهذا وحقكم أجمعين، سؤال قويٌّ مثل لطعة من طين آسن أو رمل حار، فيه من الحقّ المشعّ ما لا حيل بي ولا حيلة على ردّه. أحسّ الآن بثقل جبل من ندم وأسى، وأطلب منكم الرحمة والمغفرة، فالتمسوا لي سبعين عذرا، كي أنطمر على راحة، متخففا مما كتبت وأفتيت واجتهدت، أيها الأكارم والأجاويد.
* أديب من العراق يعيش في الأردن
( العرب )