إيزابيل الليندي: لا أجرؤ على الكتابة الرومانسية



*باسل أبو حمدة

محبو الروائية إيزابيل الليندي (ليما – 1942)، لن يراودهم الشعور بالخديعة عند قراءة روايتها الجديدة «لعبة ريبير»، الصادرة عن دار «بلازا وجانيس»، والتي وقعتها في مدريد أخيراً، وعشاق أدب الغموض سيكتشفون كاتبة تلعب في تلك الأرض، وتسير على خطى هيكلية الرواية البوليسية، لكن من دون الابتعاد عن المشاهد التي كانت قد وجهتها في أعمالها الأدبية الأخرى.

وهكذا نجد أنها تكتب في الحقل وتسخر منه، في الوقت عينه. إذ تحكي في إحدى حواراتها عن كيفية كتابتها العمل، وطبيعة نظرتها وآرائها في الخصوص، وتؤكد في السياق، أنها أيضاً ليست كاتبة تستهويها الرومانسية في الأدب. ولذا، كما تقول، فإنها لا تجرؤ على كتابة رواية رومانسية. إذ لن تكون قادرة معها على تقديم شيء ذي مصداقية.
«خلال مسيرتي الأدبية حاولت القيام بكل شيء، مذكرات، ملاحم، رواية، ثلاثيات للأطفال. إنه أمر يجري في عروقي، فأنا ألهو وأنا أكتب. وعندما يثير اهتمامي أمر ما، أحاول التحقق منه.
هذا هو جوهر الحياة»، على حد تعبير إيزابيل الليندي، التي لا تعتبر قارئة مجتهدة لأدب الغموض، على الرغم من أنها تتقاسم حياتها مع زوجها وليليام سي غوردون، وهو كاتب لهذا النوع من الأعمال كتب ست روايات، لكن اقتحام هذا النوع الأدبي الذي أصبح موضة في هذه اللحظات، أثار فضولها بحيث كانت وسيلة لأخذ هذا النوع من الكتب على محمل الفكاهة والسخرية.
بين السخرية والوفاء

لماذا قررت الدخول في لعبة أدب الغموض؟
أردت أن أكتب رواية تندرج ضمن قواعد هذا النوع، ولكن مع بعض السخرية، والنكتة. في الأدب البوليسي، من المهم جداً أن توجد جميع المفاتيح كي يخمن القارئ من هو المذنب، لكنه لا يراها، بحيث يتعين إيقاظه بأمور أخرى. إنها لعبة بين القارئ والكاتب.
هذا يذكرنا قليلاً بما فعله سيرفانتس في روايات الفروسية في «دون كيخوته»…
كان سيرفانتس حاضراً في ذهني، لأنه اعتمد النوع الذي كان شائعاً في ذلك الوقت، وقدم رواية ممتازة عن الفروسية بشكل ساخر لا رحمة فيه. ذلك أعطاني فكرة أنه بوسعي أن أسخر من هذا النوع أيضاً والالتفاف عليه، والوفاء بكل القواعد، في آن واحد.
طريقة مختلفة

وكيف ولدت فكرة العمل لديك؟
ولدت «لعبة ريبير» من تكليف الوكيلة الأدبية كارمن بالسيلس، التي طلبت مني أن أكتب كتاباً بوليسياً مع زوجي المحامي ويليليام سي غوردون.. وكنت أعرف مسبقاً أن ذلك كان مستحيلاً. فالطريقة التي نعمل بها مختلفة جداً. فهو يكتب باللغة الإنجليزية، وباليد وشيئاً فشيئاً. بينما أنا أكتب على الكمبيوتر، من دون وجود خطة، وباللغة الإسبانية، طوال إحدى عشرة ساعة متواصلة، إذا لزم الأمر.
وأفضّل الحفاظ على زواجي على كتابة رواية، وهذا كان من شأنه أن ينتهى بالطلاق. ولذلك قررت كتابته بمفردي، مع أني سعيت في بعض الأحيان، إلى الحصول على المساعدة من زوجي ليوضح لي ملامح المفاهيم الأساسية لهذا النوع من الكتابة. فبدأت تشكيل شخصياتي..
وقال لي: «إن أول شيء يجب أن تفعليه هو وصف القتل.. بينما تتطلب عملية التوثيق التحدث مع الشرطة والمحققين، والأطباء الشرعيين، وحضور مؤتمر أدباء الروايات البوليسية، وذوي الخبرة من الأطباء النفسيين المتخصصين في عمليات القتل المتسلسلة». إن العمل التوثيقي في هذا النوع من الروايات مختلف جداً عن الروايات التاريخية. هناك لا يمكن أن ترتكب حتى أدنى خطأ، لأنه سرعان ما يظهر مؤرخ ما ليفند ذلك.
أظهرت أن عدداً قليلاً من الأنواع الكتابية يمكن أن تناسبك!
أنا لا أجرؤ على كتابة رواية رومانسية، لأنني أعلم بأني لن أكون قادرة على تقديم شيء ذي مصداقية.
«تلك كانت حياتي»

النساء يتمتعن بالقوة في رواياتك. هل تعتبرين نفسك كاتبة نسوية؟
أنا نسوية كشخص. أعتقد أن ما أنا عليه في حياتي ينعكس بين سطور ما أكتب. عموماً، يتعين على النساء في كتبي، التغلب على ظرفهن لتخطي ما لا يصدق من العقبات، وصولاً إلى القليل مما يحققنه. لكنهن يفعلن ذلك بقوة داخلية هائلة في ظروف لا تساعدهن على الإطلاق. تلك كانت حياتي إلى حد ما، وحياة النساء اللواتي كن حولي.
قصور
المجتمع لا يزال ذكورياً..
بطبيعة الحال، تماماً. ففي ما أمضيته من حياتي، راحت النساء تكتسب الحقوق، ولكن ينقصهن الكثير. في معظم دول العالم لا تملك المرأة مدخلاً إلى خدمات التنظيم الأسري، يتعين عليهن إنجاب الأطفال الذين تعود مسؤولية تربيتهم إليهن، فضلاً عن أنه عندما نتحدث عن الحركة النسوية، فنحن نفكر في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا نفكر في 80٪ من البشرية، الذين لم يسمعوا بالكلمة حتى الآن. لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به.
«ممتنة.. ولكن»
هل تعتبرين نفسك واحدة من عدد قليل من النساء اللواتي يمثلن الطفرة الأميركية اللاتينية.
لا يعتبرونني من عصر الطفرة. يفترض أني أنتمي إلى عصر ما بعد الطفرة. وأن يكون المرء محسوباً على ظاهرة ما بعد أي شيء، ليس أمراً جيداً. في الأدب، على المرأة أن تبذل جهداً مضاعفاً ثلاث مرات عن الرجل كي تحصل على نصف الاحترام. كلفني الأمر 30 عاماً من الكتابة، و20 كتاباً كي يمنحوني جائزة الأدب الوطنية في تشيلي. وأنا ممتنة جداً لذلك لأنه منحني وضعاً قائماً على الاحترام الذي لم يرغب زملائي بمنحي إياه. كان لدي جمهوري إلى جانبي، لكن لم يكن لدي لا حركة النقد ولا زملائي.
ما الذي تبقى من الواقعية السحرية؟
الأسماء الكبيرة العائدة إلى فترة الازدهار الأدبي في أميركا اللاتينية، والتي كان أصحابها جميعاً من الرجال، تقدم بأصحابها العمر، وهم لا يكتبون. آخرون رحلوا عن الدنيا، وأولئك الذين يكتبون لا يزالون خارقين. ماريو فارغاس يوسا لا يزال غير عادي. الواقعية السحرية تركت علامة مهمة جداً، وأظهرت للعالم من كنا نحن في أميركا اللاتينية.. وبينت لنا صورتنا في المرآة. كانوا جوقة من الأصوات المختلفة جداً، ولكن المتوافقة، وشكلوا عاملاً أساسياً في تحديد هويتنا.
حب وروحانيات وإثارة في لعبة الأدوار
تبدأ إيزابيل الليندي في الثامن من يناير كل عام، كتابة رواية جديدة. إنه تاريخها السحري، الرقم الذي يجلب إلى المنزل الأرواح الأدبية. وفي العام 2012، وعلى الرغم من الحاجة إلى استراحة لرعاية جسدها وروحها، بكلماتها هي، التزمت الكاتبة التشيلية بطقوسها. وبدأت تكتب في الموعد المحدد. أما النتيجة، فكانت «لعبة ريبير» التي تعد أول غزوة لها في هذا النوع من أدب الجريمة، بعد ثلاثين سنة من العمل الأدبي. إنها قصة مفعمة بالعناصر الأساسية للـ«الإثارة»، ولكنها محنكة مع المكونات السردية الخاصة بإيزابيل الليندي:
الحب، والنكتة، والروحانية، ولمسة من العاطفة. بعد اختفاء أمها الغامض، تجد فتاة تدعى «أماندا مارتن» نفسها، متحمسة للعبة الأدوار في التحقيق في موجة الجريمة في خليج سان فرانسيسكو. وهو الخليج نفسه الذي تتأمله إيزابيل الليندي كل يوم من منزلها، بصحبة زوجها الكاتب ويلي غوردون، إذ يعيشان حياة مشيدة من الأدب ولأجله.
«علاج بديل»
هناك، في هذه المنطقة من الكتابة (ضمن نوع الكتابة عن عالم الغموض)، تحدث أشياء إذا ما حدثت في أميركا اللاتينية، فربما يقال إنه ضرب من ضروب الواقعية السحرية، لكن بما أن الرواية الجديدة، تحدث في الولايات المتحدة، فإنها تصبح علاجاً بديلاً أو عصراً جديداً.
قتلة، دسائس، لعبة الأدوار، وسلسلة من الشخصيات المتورطة في الحكاية.. هذا ما تتضمنه «لعبة ريبير». لكن على الرغم من هذا الزخم والتنوع الكبيرين، إلا أن نوعاً من الملل صاحب الكاتبة أثناء كتابة العمل، وهي تقول: (في العمق أشعر بالملل من هذا النوع. حاولت صياغة لعبة مشابهة للعبة سيرفانتيس حين سخر من روايات الفروسية وكتب «الكيوخوته»). قبل أن تطلق العنان لهذه المغامرة الأدبية، قرأت إيزابيل أعمالاً عدة لكتاب إسكندنافيين، مثل أعمال الكاتب رتيج لارسون، وهي ترى أن تلك الأعمال حققت الكثير من النجاح، لأن «القراء اكتشفوا أن النرويجيين لا يعيشون في ذلك الفردوس الذي أخبرونا عنه، بل بالأحرى، في عالم أسود ومظلم».
أحداث الرواية الأخيرة لإيزابيل الليندي تجري في عام 2012، في سان فرانسيسكو. تلك المدينة الواقعة في ولاية كاليفورنيا، التي تعرفها منذ أكثر من عقدين من الزمن.
عالم ولاية كاليفورنيا
ظهرت فكرة لعب الأدوار للكاتبة عند رؤيتها لحفيدتها أندريا وهي تلعب لعبة «ريبير»، التي كانت حاول فيها اللحاق بجاك السفاح في لندن في عام 1888. اللاعبون في الرواية هم عدد من المراهقين وجَدٌ، وجميعهم يتقدمون على رجال الشرطة في التحقيقات في الجرائم. «البيروقراطية في جهاز الشرطة تبطئ العمل، بينما يتمتع الشباب بالخيال والحدس. العالم الذي يحيط بالفتيان هو عالم ولاية كاليفورنيا..
حيث يمكنك أن تجد من المعالج إلى الشخص المفضل لديك، وشخصيات غريبة جداً وفضولية». وهكذا فأندريا، فتاة جامعية في تلك اللحظات، ولديها مراسلات مثيرة للفضول مع الليندي، والتي تقول في الخصوص: «إنها مبدعة جداً. بدأ ذلك من خلال كتابة القصيدة وأنا رددت عليها بأخرى، والآن لدينا كتابان بنصوص تعود لكلتينا».
________
*البيان

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *