محظيات أوائل القرن الـعشرين في الصين


*عادل العامل

تعرب الكاتبة الصينية الأميركية الإقامة أيمي تان Amy Tan عن شعورها بالقلق من أن يرى الناس كتبها الصريحة التي تتناول الجنس مبتذلةً، أو يعتبروها انعكاساً لحياتها الجنسية الخاصة. و تقول إنها بدأت تأليف كتابها الأخير ( وادي الذهول The Valley of Amazement ) قبل وقت طويل من صدور كتاب ( خمسون ظلاً لغرَي ) للروائية البريطانية إي. ل. جيمس، و تهز رأسها في فزع لفكرة أن تُقارن رواياتها برواية ” فسق الأمهات ” المثيرة تلك، كما تقول جين مَلكيرينز في مقالها هذا.

لكن كتاب تان، ( وادي الذهول )، تجري أحداثه في منزل للمحظيات في شنغهاي أوائل القرن العشرين ــ حيث كانت النساء يعملن عاهرات و عشيقات ــ و لهذا تتضمن الرواية بشكل محتَّم قدراً مناسباً من الضجيج الإعلامي، فتأملت، ليس فقط الأفعال و إنما اللغة المستعملة لوصفها أيضاً. فكانت ” مصممة على وضع كلمات معينة فيها، كلمات رأيت أن المحظيات يستعملنها حقاً. و لم أرغب في أن أكون خجولةً جداً، لكنني كنت قلقة من أن تبدو كلمات معينة مثيرة للاشمئزاز لبعض الناس “، كما تقول. 
و يبدو الأمر أكثر من كونه متنافراً قليلاً أن تسمع تان، المتّزنة، المهذبة، البالغة من العمر 61 عاماً و مؤلفة الأدب القصصي الشعبي العقلاني، تتحدث و كأنها سائق شاحنة أو بائع خضار. وكانت روايتها الأولى، ( نادي حظ السرور )، المؤلفة من 16 قصة متشابكة تدور حول أربع مهاجرات صينيات و بناتهن الأميركيات المولد، على قائمة نيويورك تايمس للكتب الأفضل مبيعاً لمدة 77 أسبوعاً و حوَّلتها هوليوود إلى فيلم. كما حظيت رواياتها الخمس المتتالية بنجاح كبير، بمن فيها ( زوجة إله المطبخ )، و ( ابنة مجبِّر العظام )، التي تُرجمت إلى أكثر من 35 لغة. 
و تقول تان عن اهتمامها بالكتابة عن منزل محظيات تلك الفترة، الذي لم يتناوله أحد : ” لقد قرأتُ عن فسق ذلك الزمن، قرأت كتباً عن الأوضاع، و الأشياء المثيرة للشهوة، و مجلات الجنس، و المشورة المقدمة للرجال بشأن الكيفية التي يتصرفون بها في منزل المحظيات … لكن لم يكن هناك في الواقع بحث يتعلق بالمحظيات أنفسهن، و كيف كن يعشن و يتكلمن. ” و تقول عن تأليفها لكتابها هذا ” لقد كانت البداية مختلفة تماماً. و أخذتْ انعطافة هائلة حين صادفتني صورة فوتوغرافية في متحف الفن الآسيوي في سان فرانسسكو. ” و كانت صورة لمجموعة من المحظيات، و قد أثارت اهتمام تان. فقد كنَّ يرتدين نفس الزي الذي كانت ترتديه جدتها في الصور. و كان زياً خاصاً بالمحظيات. و قد عرفت تان بعض تفاصيل حياة جدتها الدراماتيكية : إذ أنها اغتُصبت من قِبل زوجها التاجر، فأقدمت على الانتحار بابتلاع أفيون خام مخبَّأ داخل كيك الأرز حين كانت ابنتها ديزي، أم تان، في التاسعة من عمرها فقط. لكن أحداً لم يذكر أبداً أنها كانت محظية. و تقول تان : ” لم يكن لدي أي دليل مطلق. فقد تكون قد ارتدت الزي و ذهبت إلى ستوديو التصوير بدافع الاستمتاع أو التسلّي. لكن خطر لي : ماذا لو كانت محظيةً بالفعل؟ لقد رأيت أن هناك بعض التضاربات في ما قيل لي عنها، و بالنسبة لي فإن التضاربات هي التي تكمن فيها القصص. ” 
و كما هي الحال في الكثير من نتاجها السابق، فإن العلاقة المركزية في كتاب تان الجديد هي بين أم و ابنتها. و هما هنا لوسيا، سيدة أميركية لمنزل محظيات رفيع المستوى، و فايوليت، طفلتها الدلّوعة. و بينما لا تُعدّ روايات تان على وجه الدقة سيرة ذاتية، فإنها تنتفع بالتأكيد من حياتها الخاصة لاستلهام الفِكَر و الموضوعات. فهناك تماثلات واضحة بين معرفة فايوليت بأنه كانت لأمها حياة مختلفة كلياً ــ و طفلة أخرى ــ قبلها، و اكتشافات تان، و هي مراهقة، في ما يتعلق بأمها ديزي، التي كانت قد تزوجت من قبل، في الصين، من رجل سيّئ و أنجبت منه خمسة أطفال، مات اثنان منهم. و قد فرّت ديزي من شنغهاي عام 1949إلى كاليفورنيا و لم ترَ بناتها الباقيات لمدة ثلاثين عاماً. و تزوجت مرة أخرى في الولايات المتحدة حيث أنجبت تان. وارتبطت تان بعلاقة حميمة لكن مضطربة مع أمها، التي كانت تريدها مسيطرة على أمورها و مستقلة في قراراتها. و تان الآن متزوجة من قانوني ضرائب منذ عام 1974، و ليس لديهما أطفال. و تقول تان معلقة على ذلك : ” لم نشعر أبداً بإلزام شديد بأن نستنسخ تركيبنا الجيني. فما أريده أن ينتقل مني موجود الآن في كتبي.” 
و مما لا يمكن تصديقه، أن تان لم تكن تفكر في الأول بالكتابة عن عائلتها. و تقول عن ذلك : ” عندما جلست أخيراً لأكتب ( نادي حظ السرور ) و ( زوجة إله المطبخ )، أردتُ أن أسمع كل شيء قالته لي أمي : ماذا كانت تأكل، و أين كانت تذهب للتسوّق، و كيف كانت غرفة نومها، ومَن كان الجيران. و قد سجّلتُ ذلك كله على شريط فيديو. و كانت أمي تحبه؛ كانت تشعر بأنني قد فهمتها أخيراً. ” و قد ماتت ديزي بمرض الزهايمر في عام 1999. و يظهر أن تان لم تكن بحاجة للبحث عن دراما. فسوء الحظ يجدها كما يبدو. فقد مرت بحادثتي تصادم سيارات، و سُرقت تحت تهديد السلاح، و كادت تموت في حادث غرق، و حينما كانت في الكلية جرى استدعاؤها للتعرف على جثة أقرب صديقة لها و زميلتها في الشقة التي قام بتعذيبها و قتلها أشخاص اقتحموا المسكن. ” فأنا لدي مهارات الناجين من الكوارث كما يبدو. و بعض ذلك سطحي، لكن ما يجعل الناس مرنين هو القدرة على أن يجدوا الدعابة و السخرية في المواقف التي تقهر المرء من ناحية أخرى “، كما تقول. و من الصعب معرفة كيف يمكن للواحد أن يجد الكثير من الدعابة في حوادث قاسية معينة في ملحمة حياة أسرة تان. فعندما كانت في سن 14، مات أخوها من ورم في الدماغ، ثم مات أبوها في الحالة نفسها خلال السنة. ” و لو حدث ذلك لطفلٍ اليوم، فإن هذا الطفل سيتلقى نصيحة بشأن ذلك. و كان يقال لنا آنذاك أن نكون طيبين و لا نثير المشاكل. “
و بالرغم من معاناتها الشخصية من مرض يسبب لها الصرع، و يحد من وظيفة الدماغ لديها، وقدرتها على التحرك، فإنها عازمة على ألا تُصاب بالفزع ، قائلةً ” و هذا أمر آخر علّمتني إياه أمي : أن أكون على الدوام مستعدةً، فلا يكون عليّ أن أفزع. ” و على كل حال، فإن مرضها هذا أعطاها إحساساً قوياً بفنائها، و لهذا فهي كما تقول ” أحتاج لأن أفكر قدرَ ما أستطيع، أن أشعر بقدر ما أستطيع، و أن أكون واعية و أراقب و أفهم نفسي و الناس من حولي قدر ما يمكنني ذلك.” 
___________
عن / The Sydney Morning Herald/ المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *