مقطع من رواية ” نوكيا ” **


باسم سليمان *

( ثقافات )



أطلنطس


ديلمون , الجنّة , أطلنطس القارّة التي غرقتْ بسبب تجبّر أهلها , يوتوبيا تنهيها الخطيئة ليقوم على خرابها الواقع . في البدء كانت الخطيئة ، كيف تبني ما يُفترَض بأنّه صحيح على مقدمة خاطئة !؟ فالمقدمات الخاطئة تعطي نتائجاً خاطئةً , و ما اعتُبِر خطيئة ً كان فعلاً لاحقاً بأثرٍ رجعي ، أو أكثرمن ذلك كان فعلأ متعدياً ، إذن هناك بداية صحيحة تختفي وراء الخطيئة ، لكن هذه البداية الصحيحة لم يكن من أهدافها إعمار الكون!؟ فلنسلم جدلاً ، و نقرّ بأن الخطيئة هي مبدأ الكون ، ما الخطيئة التي يجب أن نرتكبها ليعمر وجودنا !؟
أخرج محمود كتبه من تحت السرير ، و بدأ بترتيبها , كان قد اشترى ثلاثة رفوفٍ لغرفته كنّا قد ثبتناها سوية , الآن أصبح لديه مكتبة ، قال : 
خطيئتي ستكون الكتابة , سأبيع روحي للتخييل , سأخلق شخصيات ، سأجمع ترابها ، ولن أسمح للأرض بأن تستعيدها مني ، سأنفخ فيها ، ربما ستنسل من الصفحات ، و تقف أمام الخالق ، وكتابها في يمينها أو يسارها ، والسؤال بما أنني ابتكرتها : هل سأحملُ ما ارتكبتْ من أوزار أم سأُجزى على ما صنعتْ من خير!؟
بينما كان محمود يسرد – وقد قارب على الانتهاء من ترتيب كتبه – كنت أجري مقارنة بين غرفته وغرفتي , كلانا له الحرية ، لكن هل حريتي حقيقية في غرفتي التي أغلقها على نفسي بالمفتاح ، وإنْ كنتُ أفعل ذلك دون مبالاة أو اهتمام بمن في البيت ؟! بمكانٍ ما لا أفعل ذلك بالنقاوة التي يفعلها ! يخرجني من أفكاري ….
– أتعرف كم ألهم “روبنسون كروزو” من رجال ، ألا يستحق أن يقوم من عالمه المحدود ببعدي الطول والعرض ليكتسب بعداً ثالثاً ، ارتفاعاً , ألا يستحق أن يرمي بجسد الحبر , هذا ما أرغبه لشخصياتي ، أن أراها يوم النشور.
وكأنّه قرأ ما لمع بعيني ، عندما قلتُ له : ليس الموضوع مدار إثبات أو نفي , هذا سرد بشري , يملأ ثقوب سؤالٍ يبدو أنّه أزلي : من أين وإلى أين !؟
– هذه “الأين” تقتلنا ، لِمَ لا ينصّب الاهتمام على الطريق ، و ما الجدوى من نقطة البداية و النهاية أمام الخط الواصل بينهما ؟! يكاد يكون الحال كربط حبل ٍعلى رقبة الإنسان تتجاذبه بداية ونهاية ، و النتيجة ستكون قطعَ رأس الإنسان ليحل محله عقدة في الحبل , هذه العقدة بدايتها الخطيئة ونهايتها الحساب , الحساب الذي ستخلد به خلوداً غيرمعينٍ ، لأنه مجرد استيهامات , بداية تزاد على نهاية , صفر يزاد على صفر ، و النتيجة صفر, عدم .
– أحسدُ الشخصيات في الروايات بعيداً عن رغبتك ببعثها يوم القيامة , هي تُعنى بالطريق ، و لا تكترث لحماقات الكاتب عن البداية و النهاية ، تلعب دورهاً كاملاً , فلا يهمها ترقيم الصفحة الأولى بالرقم واحد ، و لا الكلمة الأخيرة في الرواية : تمت .
أنهى محمود إعداد المتة ، وضعها على الطاولة ، ثلاثة كؤوس ، وإبريق من الألمنيوم , يُقرع الباب, يدخل داني .


**صدرت عن دار ليليت 2014 – مصر

*كاتب من سوريا

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *