حوارمع الروائية التركية أليف شفق (2)


ترجمة وتقديم : لطفية الدليمي *

تزاوج أليف شفق بين التقاليد الشرقية و الغربية في القص و تركز على موضوعات قصص النساء و الأقليات و الهجرة و المهاجرين ، والثقافات الفرعية و الشباب و تطلعاتهم الجامحة و تعكس كتاباتها شغفا عميقا بالتأريخ و الفلسفة و الصوفية و الثقافة الشفاهية والسياسات الثقافية ، كما أن لها قدرة استثنائية على نقل ما يدور في العالم السفلي و الشوارع الخلفية المسكوت عنها غالبا و خاصة في العوالم الإسطنبولية المندرجة في فخ العولمة حيث تتصارع الثقافات و التقاليد و ينشأ عن هذا الصراع حزمة كاملة من إشكاليات الصراع المعهودة في الأدبيات الخاصة بالثقافة المعولمة . انجذبت أليف شفق بقوة إلى عالم التصوف المبهر منذ ان كانت طالبة جامعية في بداية عشرينات عمرها و كتبت روايتها ( قواعد العشق الأربعون ) لتكون قصة حب معاصرة بين ربة بيت يهودية – أمريكية و رجل يعشق التصوف يقيم في أمستردام .. 

(لمزيد من المعلومات عن الروائية – يراجع القسم الأول من الحوار)
× من هم كتّابك المفضلون ؟ 

• يوجد الكثير من الكتّاب ممن أقرأ لهم باستمرار عجيب و لدي قائمة منتقاة منهم : بلزاك ، دوستويفسكي ، أوسكار وايلد ، ادغار ألان بو ، هشام مطر ، فيليب روث ، جوليان بارنس ، ميلان كونديرا ، هنري موليسش و كذلك الصوفيون العظام و بخاصة جلال الدين الرومي في عمله العظيم ( المثنوي المعنوي ) . أنا مولعة بالفلسفة السياسية و بخاصة كتابات هيراقليطس ، سبينوزا ، دولوز ، والتر بنجامين . 
× كيف تقارنين بين ما تكتبين بالإنكليزية و بين نظيره المكتوب بلغتك الأم : التركية ؟

• أنا أعشق الكلمات و أتبع الحروف بطريقة المتصوف الذي يتبع فيها رؤيته المتعالية . عندما بدأت كتابة الرواية بالإنكليزية اتهمني بعض الناس إنني أخون أمتي و لغتي الأم وهو ما أراه بعض سمات المغالاة الوطنية التي لا تتعب من توجيه سؤال ” هل أنت واحد منا أم منهم ؟ ” طيلة الوقت . إن مقاربتي لهذه الموضوعة مختلفة تماما : أعتقد أن بوسع أي منا أن يكون متعدد الثقافات multicultural و متعدد اللغات multilingual و متى ما تحقق له ذلك صار قادرا على فعل أشياء كثيرة في الحياة يعجز عنها ” أحاديو الثقافة و اللغة ” ، و ليس مطلوبا مني تحت أي ظرف أن اختار الكتابة بالإنكليزية أو بالتركية فثمة روايات أفضّل كتابتها بالتركية و أخرى أفضّل أن تكتب بالإنكليزية . الإنكليزية تبدو لي أكثر انتماءً للرياضيات بينما تبدو التركية مفعمة بالعاطفة و أنا مرتبطة بالاثنتين بطريقة مختلفة، ففي الإنكليزية أجد التعبير عن التهكم و السخرية سهلا يسيرا و في التركية أجد التعبير عن الحزن قريبا ويمكن توصيله للقارئ بسهولة فائقة .
× في عام 2006 واجهت مع زميلك الروائي ” أورهان باموك ” تهما من قبل الحكومة التركية تتمثل بإهانة النزعة الوطنية التركية Turkishness و كنت تواجهين احتمالا قويا بسجنك ، لكن تم إسقاط التهم لاحقا . كيف تعتقدين ان هذه التجربة ستؤثر على ما ستكتبين في المستقبل ؟

• الخطر الأكبر الذي يفترس الكتّاب يكمن في وقوعهم فريسة اللوم الذاتي و هو ما أراه اكثر خطورة بكثير من أية ملاحقات قانونية تفرضها أية حكومة على الكتاب ،و لو أن كل كاتب بدأ يزن كل كلمة مما يكتب و يحسب تبعاتها المتصورة ستتبخر أصالة المنجز الأدبي حينئذ و لن يتبقى شيء يعتد بأصالته الإبداعية و قدرته على الإلهام.
× تصدّر الرومي المشهد الشعري في السنوات الأخيرة ليكون الشاعر الأكثر شعبية في الولايات المتحدة حيث تقيمين الآن . لماذا حصل هذا برأيك ؟ و هل لهذه الشعبية تأثير من نوع ما على روايتك ” قواعد العشق الأربعون “؟

• الحالة التي نجد أنفسنا فيها في العالم الغربي – الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لي – تحتضن اتجاهين مختلفين : الأول هو تلك الرغبة المتعاظمة في شعر و فلسفة الرومي وربما إلى درجة أقل في أصل فكرة التصوف ذاته ، و الاتجاه الثاني هو ذلك الإنكار المتأصل الجذور لكل ما يتعلق بالإسلام و بخاصة لتلك التعميمات و الكليشيهات العقائدية الجاهزة عنه ، و هذان الاتجاهان ينساب الواحد منهما بجانب الآخر في العالم الحديث . كتبت ” قواعد العشق الأربعون ” لتكون خلفية ثقافية مضادة لهذه الأجواء السلبية السائدة . كلنا نبحث عن الحب و نرى انفسنا غير مكتملين بدونه و أرى في قصة الرومي ما يتناغم بقوة مع احتياجاتنا و أشواقنا الدفينة في هذا العالم .
× سبق أن قلت مرة انك لم ترغبي بمفردة ( Love ) التي تظهر في النص الإنكليزي من روايتك ” قواعد العشق الأربعون ” و إن المفردة التركية تعني غير مرادفتها الإنكليزية . كيف تشخصين هذا الفرق بين المفردتين التركية و الإنكليزية من حيث ارتباطهما بثيمات الرواية ؟

• في التركية لدينا مفردتان على الأقل تشيران للحب ،و أنا أتعاطف مع نغمة و عمق احدى المفردتين و هي تلك التي استخدمتها في عنوان النص التركي للرواية كلمة ( عشق)، وهي ذات دلالة روحية و مفارقة للعالم الحسي و هو ما لا أراه ينطبق على مفردة ” Love ” الإنكليزية ، و هذا أحد الأسباب التي دعتني إلى أن يكون للعنوان الإنكليزي مفردة أخرى رغم انه لم يحصل في آخر المطاف ! و من جانبآ فان كلمة ” Love ” الإنكليزية تستخدم في العالم الغربي كثيرا في الكتب و الأفلام بينما تستخدم في التركية في سياق مختلف تماما و بعيد عن السياق اليومي ، أعني ان التلقي في الحالتين مختلف كلية . أعتقد ان كل مجتمع له استجاباته الخاصة و كل لغة لها إيقاعها الخاص و لحنيتها الخاصة. .
× هل تعتقدين ان صورتك عن الحب كما عبرت عنها في ” قواعد العشق الأربعون ” تتناغم كلية مع النظرة الصوفية التقليدية عن الحب أم انك تعتقدين انك أعطيت لها دفعة قوية باتجاه العالم الحديث ؟

• الصوفية ليست كتلة صلبة أحادية النظرة بل أجدها نسيجا مزدانا بألوان متعددة ، فأراها تضم غدرانا و أنهارا و سواقي تجري كلها في ذات الاتجاه لتصب في النهاية في ذلك المحيط العظيم : التصوف . ما عملته في روايتي التي ذكرت هو إنني وضحت معالم صورة ساقيتي الخاصة التي تصب في محيط التصوف الأعظم . في روايتي لا يبدو التصوف محض كتلة من المعلومات و الإجراءات النظرية بل قصة حية متحركة ومتصاعدة و أنا سعيدة للغاية بأن العالم الحديث أخذ ينظر للتصوف من هذا الجانب الثري ،فقد أردت ان أبين بوضوح كامل كيف يمكن لفلسفة الرومي ان تكون ذات علاقة حية بعالمنا المعاصر حتى عندما تبدو بعيدة عنه قرونا عدة .
× هل لديك قواعد في الكتابة ؟

• إليك قواعدي في الكتابة:
1. الكتابة هي الضريبة التي ندفعها لقاء عزلتنا و توحدنا مع ذاتنا : هي اختيار العالم الجواني بدل الخارجي و تفضيل الساعات و الأيام و الأسابيع و السنوات من الوحدانية- على المتع و الحياة الاجتماعية الصاخبة . قد يحب الكاتب أحيانا النميمة مع صديق حول أحدهم أو الانخراط في حفلة مجنونة ، لكن يبقى فعل الكتابة ينبع دوما من عزلة خالصة .
2. الطريقة الوحيدة لتعلم الكتابة هي بممارسة فعل الكتابة : الموهبة مهما بدت متوهجة لا تساهم بأكثر من 12% في عملية الكتابة . العمل الدائب و الصبور والمتواصل هو ما يساهم في 80% من التطور و الارتقاء الكتابي و الـ 8% المتبقية يمكن نسبتها إلى ” الحظ ” أو بصورة أدق إلى تلك العوامل التي تقع خارج نطاق إرادتنا و قدرتنا في التأثير .
3. اقرأ كثيرا و لكن لا تقرأ لذات الكتاب دوما : اقرأ بتنوع كبير و بلا ترتيب معقلن كثيرا متى ما كان هذا ممكنا . لا يمكن اختزال كتابة الرواية إلى محض وظيفة محددة في أطر ضيقة و صلبة .
4. اكتب الكتاب الذي لطالما وددت قراءته : إذا كنت تحب ما تكتب ( و هذا لا يعني انك لن تعاني كثيرا في كتابته ) فهذا يعني على الأغلب ان الناس ستشعر تجاه ما كتبت بنفس ما شعرت أنت . إذا ما انعدمت المحبة بين الكاتب و ما يكتب لن يكون ثمة ما يدفع القارئ لمواصلة ما كتبه الكاتب .
5. لا تخش الاكتئاب : فهو جزء مهم من عدة السفر اللازمة للولوج في طريق الكتابة ، و لكن لا ينبغي أبدا أن نتعامل مع هذا الاكتئاب برومانسية مفرطة فنكون كمن يتلذذ بهذا الاكتئاب ، فقط تعامل معه كروح حرة و كصديق غير موثوق به يأتي و يذهب متى شاء!!
6. لا ترحم ذاتك في العمل : اقطع ، الغ ، نقح ما شاء لك مما تكتب بلا رحمة . الغ صفحات كاملة مما كتبت . الكتابة السيئة كمثل العلاقة السيئة لذا لا تدمن عليها لمجرد انك اعتدت وسائلها السهلة و المريحة و المطروقة لك فحسب .
7. لا تكن قاسيا مع شخصياتك : لا تقلل أبدا من قدرهم و مكانتهم . وظيفتنا ليست ان ندينهم بل ان نفهمهم و نساعد الآخرين على فهمهم أيضا . التعاطف هي الكلمة المفتاحية السحرية في علاقتك مع شخصياتك .
8. لا تبح أبدا بالرواية التي تكتبها أو تنوي كتابتها لأي كان : فمتى ما بحت بهذا ستخسر الطاقة الروحية اللازمة للاندفاع بالعمل إلى نهايته .
9. انس أمر القراء و النقاد : انس أي أحد . اطرح عن بالك فكرة أنّ ثمة كونا خارجيا يقبع خارج ذاتك .
10. انس أمر كل واحد من قواعدي في الكتابة : فليس ثمة من قواعد للكتابة و ذاك هو الجمال الكامن في فعل الكتابة ، و تلك هي الحرية الثمينة التي لنا امتياز امتلاكها و التي لا ينبغي ان نسمح لكائن من كان ان ينتزعها منا.
______
* أديبة ومترجمة من العراق
( عن المدى )

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *