خطايا تصوراتنا المسبقة عن القراء


*لطفية الدليمي
فوجئت كثيرا عندما اجتازعدد قراءات موضوعي المترجم (ما الذي يصنع منك فيلسوفا- اضاءات على طريق صناعة فيلسوف ) في النسخة الالكترونية للمدى – حتى لحظة كتابة هذه المقالة كل سقف متوقع، اذ بلغ عدد القراءات ( 4536 ) قراءة وكنت اتوقع النقيض بسبب ظننا ان القراء المعنيين بمثل هذه الموضوعات لا يحبذون قراءتها في الصحف بل يبحثون عنها في مجلاتاو كتب متخصصةوهنالابد من مراجعة حكامنا العشوائية على أمزجة القراء واحتياجاتهم القرائية التي لا يمكن التنبؤ بهااو تلمس تنوعها و تغيرات بوصلتها على نحو دقيق ،لأننا لا نملك معايير علمية مستندة إلى احصائيات واستبيانات نستند إليها ،بل نأخذ كل أمر على محمل التخمين والإشاعة ونتناقل المقولات المعممة التي تماثل القول بأن ( مصر تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ )، وكأن البلاد الأخرى لا تنتج كتـّابا ومبدعين فاقتصر امر الكتابة على المصريين ، وبيروت تطبع وكأن لبنان خلا من المبدعين والقراء واقتصر جهده الثقافي على طباعة نتاج المصريين ليصدره إلى بغداد القارئة النهمة مستهلكة الكتب الأولى وكأنها لم تنجب كتابا وشعراء ومبدعين ولا تجيد صناعة الكتاب ، ولا يزال الكثيرممن يلوذون بالمقولات الجاهزة يستخدمون هذه الحكاية لإضفاء الأهمية الثقافية على بلد واحد دون ان يراجعوا المتغيرات الحاصلة في النسق الثقافي العربي و حراك دور النشر العربية المختلفة.


عندما ترجمت موضوع (ما الذي يصنع منك فيلسوفا- اضاءات على طريق صناعة فيلسوف ) الذي كتبه استاذ الفلسفة البروفيسور الاسترالي إيان رافنسكروفت ونشر في مجلة (الفلسفة اليوم )، كنت اتوقع انخفاض اهتمام القراء به لتصورات مسبقة لدى اوساطنا مفادها :أن قراءنا متعجلون و يقرأون على نحو عابر وهم غير مكترثين- في هذه المرحلة الزمنية بسبب اوضاعنا المرتبكة – بقراءة تاريخ الافكار ومقاربة الطروحات المحاذية للفلسفة او تلك التي تستمد مادتها من عمق النزعة الفلسفية ، لكني اكتشفت ان الكتابات المتعلقة بتاريخ الأفكار ،تلك التي تلامس روح القارئ بشفافية وسلاسة ولغة واضحة وبقدر من المزاج المرح هي التي تلبي احتياجات القارئ ومزاجه المتغير وتستقطب اهتمام شرائح واسعة من قراء انموذجيين طالما اهملنا توجهاتهم وشغفهم ، هذا الطراز من الكتابات البعيدة عن الإنشائية واللغة المفخمة والمصطلحات النقدية والتي لا تداعب العواطف السطحية هي التي يفضلها القراء من مستويات ثقافية متباينة فقارئ الصحيفة اليومية ينفر من المقالةالمثقلة بالمصطلحات والاستعارات واللغة المغلقة الجافة ويبحث عن الفكرة الرصينة المكتوبة بشغف ومرح وأسلوب مبسط خال من التعالم والتعالي .

لقد انشغل الكتاب الشغوفون بالفلسفة الحقة في وقتنا الحاضر بمقاربة تفاصيل حياة الناس وناقشوا قضايا حياتية اساسية تمس ممارسات الفرد اليومية والحميمة وتابعوا تحولات أمزجة الناس وعلاقاتهم مع بعضهم، وتوسلوا لذلك بدراسات وبحوث واستقصاءات ثم قدموا نتائجهم بطريقة ممتعة سلسةفتلقفها القراء بشغف وتآلفوا معها ، وسأحاول من جانبي كلما اتيحت لي موضوعات عن تاريخ الافكار أن أقدمها للقارئ الشغوف ، لقد عمدت صحف عالميةفي أيامناإلى اجتذاب قرائها بإصدار ملاحق فكرية وفلسفية شهرية او اسبوعية رصينة مكتوبة بسلاسة ووضوح لتواجه تلفيقات الفلاسفة الجدد وانجرافهم في تسليع الثقافة والفلسفة انسياقا مع هيمنة اقتصاد السوق على الثقافة واستخفافه بالمعرفة وإغفاله لقيم الجمال وإقصائه كل مايعبر عن احتياجات الانسان وتطلعاته التي يمثلها الابداع وهو ينتصر للمستقبل الانساني.
_____
*روائية ومترجمة عراقية /المدى

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *