حول جودة ورداءة ما نقرأ!


*عائشة سلطان

كتبت سيدة تحب تأليف القصص والروايات ذات يوم «أتمنى أن أوزع أقلاماً ودفاتر وأقول لكل الناس اكتبوا»، فأجابتها قارئة بما يلي «عن نفسي، أمتلك الكثير من ملكات الكتابة، اللغة والذاكرة والخيال، لكنني لست مستعدة للتضحية بمتعة القراءة، إن من يفكر في الكتابة لا يستمتع بما يقرأ، تصبح للقراءة عنده وظيفة أخرى، لجمع المعلومات وللتوثيق وغير ذلك، ومن وجهة نظري فالقراءة لا تكون إلا حين يتوافر الإحساس بالمتعة». أعجبني هذا الحوار وهذا التداعي أو المفارقة في النظرة للقراءة وفي تبجيلها كذلك، فليس هناك من يبجل القراءة مثل الكاتب، إنه يمضي حياته فيها، يتقصاها حتى آخر حدودها، يستنطق كل ما حوله وكل مخزون ثقافته وذاكرته لأجل أن يكتب شيئاً جيداً يستحق القراءة، وهو يتمنى أن يصبح كل الناس كتاباً، هذا ليس مصادرة لفعل القراءة بقدر ما هو تقديس ومحبة لها، مع ذلك فهناك قراء يقدسون القراءة أكثر من الكاتب والناشر وصاحب المطبعة، إنه القارئ، القارئ البسيط، العادي، الذي بلا اسم ولا شهرة ولا بريق، لكنه مدجج بنهم البحث عن كتاب جيد وتمضية الوقت في القراءة.

يلفتني كثيراً هذا الجدل الدائر منذ زمن ولا يزال حول القراءة «وليس حول الكتابة أبدا»، الجدل الذي يدور في أساسه حول المضمون والمحتوى، ففي الوقت نفسه الذي يقول أحدهم إن الناس لم تعد تقرأ كالسابق ينتفض آخر صارخاً بأن الناس تقرأ والكتب توزع وتباع والمعارض تقام سنوياً، وهذا يدل على أن الناس تقرأ!! اعتقد أن علينا أن ننتقل إلى أسئلة أخرى حول القراءة: ماذا يقرأ الناس هذه الأيام؟ ماذا يقرأ الشباب، وجيل الكتاب الصغار، والمراهقون والراغبون في الالتحاق بقافلة الكتاب؟ علينا أن نغادر منطقة الجدل حول «يقرأون أم لا يقرأون»، تلك لم تعد تقود إلى نتيجة ذات دلالة حقيقية!
قلت في مقال سابق، إن التدريب على القراءة يشكل لدى القارئ ذائقة من نوع ما، ذائقة ذات تصنيف يعتمد على نوعية ما يقرأ، وباختصار وبدون مواربة فمن يقرأ كتباً جيدة ستتشكل لديه ذائقة جيدة ومعارف جيدة ووعي جيد، ومن يقرأ كتباً رديئة سيتحصل على عكس ذلك حتماً، لنتفق على أن ذلك أمر أقرب للبديهيات إن لم نقل المسلمات، لكن هناك رغم الجدل حول الجيد والرديء من يحتج بقوة، معتبراً أن الأمر قابل للنقاش، وأن ما هو جيد بالنسبة لك يمكن أن يكون رديئاً بالنسبة لي، وأن لا وجود لجيد مطلق ورديء مطلق، هكذا يعتقد البعض، وأظن أن هذا البعض قد يكون مستفيداً من تكريس هذه النسبية في الفضاء الثقافي كالكاتب التاجر، والناشر الذي لا علاقة له بالثقافة مثلاً، أو ذلك الذي يقول كلاماً لا يعيه تماماً!
هناك نسبية نعترف بها فيما يخص النظر للجماليات الأدبية والفنية، ولكن هناك معايير وشروطاً لا يمكن تجاوزها فيما يخص الجودة والقيمة الأدبية، عند تقييم العمل الأدبي لأغراض الجوائز مثلاً ألا توضع شروط واعتبارات محددة، وعند الحكم على الأعمال وعند نقدها وقراءتها تحليلياً، إن مستوى اللغة وتطور تقنيات السرد وحداثة الفكرة والمضمون ومقدار المتعة وغيرها، شروط لا يمكن تجاوزها عند الحكم على جودة العمل «الكتاب، الرواية، القصة…» أو على رداءته، بعيداً عن الفكرة المطروحة وبعيداً عن طريقة المعالجة، إن هذه الجودة هي ما تجعل روايات وأعمال تولستوي وتشيخوف وكافكا وهامبسون وهيمنجواي ومحفوظ وأمين معلوف وسليم بركات و…. أعمال خالدة وعظيمة ومحل تبجيل، ببساطة لأنها ذات مضمون إنساني مهم وممتع جداً!
____
*الاتحاد

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *