فيروز التميمي: أحسّ أننا في القرون الوسطى للكتابة



*خلود الفلاح
( ثقافات )
أن تكتب معناها الدخول في مغامرة حقيقية نحو اللغة والوجود وكل ما يحيط بنا من مظاهر حياتنا. في روايات فيروز التميمي لغة حياة يومية تستعرض تجارب إنسانية بتفاصيل ممتعة.
بعد روايات”ثلاثون” و”كأنها مزحة” تعمل الروائية فيروز التميمي على كتابها الثالث الذي قالت عنه خلال الحوار “هو ليس رواية. إنه توثيق للحظات فريدة لا أتمنى أن أنساها يوماً ما. ولما كنت لا أثق بذاكرتي ولا بوسائل التخزين كالكاميرات والملفات.. الخ.. وضعت هذه اللحظات في كتاب وأنا سعيدة فعلاً بهذا الإنجاز! الآن لو فقدتُ ذاكرتي سيظل بإمكاني قراءة هذه اللحظات والتمتّع بها.. ربما كأول مرّة في كل مرّة”.

سوء الحظ

تقول إيزابيل الليندي:” أكتب لأتداوى” أما فعل الكتابة عند الروائية فيروز التميمي فتقول عنه: اختلف معنى الكتابة لديّ من مرحلة لأخرى في حياتي. الآن أكتب أحياناً لأن الكتابة تمتّعني، وبما أن المتع التي أعرفها قليلة جداَ، تحافظ الكتابة على أيامي من الملل وانعدام المعنى. لكنني لست مخلصة للكتابة. في مرحلة ماضية، كانت الكتابة طريقاً ساحراً لكن وعراً أتمشى فيه داخلي. في مرحلة أخرى كانت الكتابة رئتي التي أتنفس وأصرخ بها.


وإلى أي مدى يشغلها القارئ أثناء الكتابة؟قالت الروائية فيروز التميمي: لا يشغلني. لا لسبب سوى أن القارئ بالنسبة لي ما زال كائناً افتراضياً. أنا لم أتواصل مع قارئ رواياتي، لا أعرفه، لم أره. تقريباً، نادراً ما تحدثّت عن رواياتي في محفل عام. بعض الأصدقاء أخبروني برأيهم في رواياتي لكنهم أصدقاء مقربين وذائقتنا تقريباً متشابهة وهم ليسوا (قارئاً) بعيداً لديه وجهات نظر مختلفة تماماً عني. لا أحب “الجانب الاجتماعي للكتابة” ولست مضطرة لحبّه لذا يمكنني إهماله. حفلات التوقيع لا أقوم بها ولسوء حظ رواياتي لم يتم توزيعها تقريباً. روايتي الأولى صدرت عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وأظنهم لا يوزّعون كما دور النشر المختصة. أما (كأنها مزحة) فقصّتها قصّة حيث صدرت عن دار الآداب –في بيروت بوجود صفحة بيضاء اتضح لي أنها صفحة ناقصة من الرواية! وحين تكلمت مع مسؤولة الدار وطلبت منها إيقاف التوزيع وعدتني بتصحيح الخطأ قبل مواصلة التوزيع وكان ذاك آخر ما سمعته منها! لذا أظن روايتي الثانية لم توزّع ولم تصل للقارئ. آمل أن يكون حظ كتابي الثالث ألطف قليلاً.

رواية الأسئلة
_ في روايتيها” ثلاثون” و”كأنها مزحة” يحضر الحبيب المتخّيل وتشطير البناء الدرامي بشذرات قد تطول وتقصر. هفل يكشف ذلك عن رؤية نقدية للحياة؟ وهل تسعى بذلك إلى وضع نوع كتابي خاص بك؟ هنا قالت فيروز التميمي: لا. لا أسميّها رؤية نقدية للحياة. “الرؤية النقدية للحياة” تفترض ابتعاداً بشكل أو بآخر وتأملاً عن بُعد وهذا ما لا أفعله أو أتمنى ألا أفعله. أتمنى الانغماس في الحياة ولا أستطيع فعل ذلك دوماً. 


وتضيف قائلة: “ولا أظن أنني اجترحت نوعاً كتابياً خاصاً بي، فتشطير البناء الدرامي كما أسميته كان ضرورة لشخصيات تحتشد بشخوص داخلية كلها تنقّ على صاحبها بنفس اللحظة وكلها تتكلم في الوقت ذاته وكلّها تريد من صاحبها الانتباه إليها. أظن أن شخصيات رواياتي تعيش في المتخّيل الغني أكثر مما تعيش في الواقع القاحل، لذا ترين الحبيب المتخيل وترين الشخصية نفسها تتنقل بين أشكال عدة”.
_ وبسؤالي هل رواية” ثلاثون” انتصرت للمرأة التي بحثت عنها التميمي في عالمها وعالم القراء؟ أجابت: لم أسعَ وراء انتصار للمرأة في ثلاثون. سعيت لكتابة نصّ المرأة، لتوثيق “بعض” المرأة.. ولم أفلح لأن هذا الهاجس ظلّ مسيطراً عليّ. عاودت المحاولة في (كأنها مزحة) لكنني انتهيت إلى مكان آخر تماماً لم أقصده. وأضافت فيروز التميمي: لم تُجب “ثلاثون” على أية أسئلة. لم أكتبها للإجابة عن أي شيء. هي رواية أسئلة كنت أريد كتابتها لأخلص من تجوالها داخلي.. وبالطبع لم أفلح. اليوم في حياتي وكتابتي لديّ من الإجابات أقلّ بكثير مما كان لديّ وأنا أكتب (ثلاثون)!

تبدو الوحدة حاضرة بقوة في رواياتك. عن هذه المسألة قالت: لأنها حاضرة في الواقع الذي أكتب عنه. لأنها حاضرة في حياة البشر الذين حولي وفي كتابتي ولأنها –الوحدة- لا تخيفني.. على العكس فإنها تمتّعني.

أحب التفاصيل
في روايتها” كأنها مزحة” هناك سخرية المحها بين السطور… وعنها قالت فيروز التميمي: تأسرني الكتابة التي تتمتّع بقدر مناسب من السخرية. في (ثلاثون) وفي (كأنها مزحة) حاولت أن يكون حسّ السخرية بالمقدار الملائم تماما، لا أقل ولا أكثر. لا أدري كم نجحت في ذلك لكنني أطمح إلى كتابة غير متجهّمة. أظننّي شخص متجّهم، لا يبدو ذلك واضحاً لكني متجهّمة من الداخل والكتابة فرصتي الوحيدة لأنتقد كل ذلك التجهّم. تعجبني تلك الدعوة التي تصلنا بين حين وآخر لأن (لا نأخذ الحياة بشكل جادّ تماما) تعجبني الدعوة ولا أستطيع تطبيقها، لا أحاول أساساً. لكن الكتابة هي فرصتي. الكتابة هي أداة قول تأملي. أحب أن أصفن وأتأمل، ثم أحب مشاركة ما خرجت به مع الآخرين.
وبسؤالي هل تصنع التفاصيل رواية ناجحة؟ أجابت التميمي: لا أظن أن هناك قاعدة بهذا الخصوص، يمكننا تجميع مليون تفصيلة ولن تصنع سوى رواية بائسة. أنا كقارئة أحب قراءة التفاصيل، في الشعر كما في الرواية، أحب أن يلفت نظري أحد لتفاصيل لم أرها. تأسرني الالتقاطات الذكية للتفاصيل وأحب الالتفات إلى التفاصيل التي تحكّ عقلي وتتركني ذاهلة ولو لحظات افكّر بها.
وهل الرواية العربية تعاني أزمة قارئ أم أزمة كاتب؟قالت: لا أميّز بين الكاتب والقارئ. الكاتب قارئ أساساً وقبل كل شيء. ون

حن لدينا كل الأزمات.. أزمة كتابة ناتجة عن أزمة قراءة وأزمة نقد. إنها حلقة!
تعرفين؟ أحسّ أننا في القرون الوسطى للكتابة حين أقرأ لبعض الكتّاب الأجانب. أرى أفكار خلاّقة فعلاً، أرى تحرّراً من الأسئلة المغبّرة عن أجناس الكتابة وتحرّر من الفذلكات التي لا تلزم أحداً وتحرّر من الافتعالات في الشكل والمضمون. ربما لو توقّف الكتاب عن التنظير للكتابة وكتبوا بالفعل سيمكننا أن نتطور. دون أن نكون أحراراً كبشر لا يمكننا أن نكون أحرار في الكتابة.
______
*شاعرة وإعلامية من ليبيا

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *