هل من جدوى للتدريب على الكتابة الروائية؟


يثير إطلاق جائزة الإمارات للرواية، وبالتعاون مع المختبر الإبداعي في مجمع توفور،54 البرنامج الروائي التدريبي الهادف إلى استقطاب وتطوير المواهب الروائية الناشئة وتعريفها إلى كيفية كتابة الرواية وأساليبها، أسئلة كثيرة، من قبيل بعض المتابعين، تتعلق بسبل نجاح مثل هذا البرنامج، وكيفية نجاحه، لاسيما أنه تتوافر له شتى الوسائل اللازمة، بدءاً بالكادر التدريبي، ومروراً بالمختبر التدريبي اللازم، وليس انتهاء بالخطط الطموحة الرامية إلى صقل المواهب الجديدة، في عالم فن الرواية، والأخذ بأيدي أصحابها .

وإذا كانت الرواية – في واقعها وحقيقتها – أحد الفنون الأكثر صعوبة، على الإطلاق، فإنه من اللزام ونحن نضع تصوراتنا حول واقع البرامج المعنية بها، وسير عملها، أن عالم البرامج المعنية بالرواية، مختلفاً، عملياً، عن عوالم البرامج الأخرى، سواء أكانت برامج تدريب على كتابة المقال، أم القصة، أم الشعر، أو حتى التشكيل والموسيقى، وغيرها، ولعل صعوبة الكتابة في مجال فن الرواية يتأتى ليس من أن الزمان والمكان لهما خصوصيتهما، فهما مفتوحان ضمن فضاء شاسع، وهكذا بالنسبة إلى الأحداث والشخوص، ناهيك عن أن كتابة الرواية الناجحة تتطلب معرفة عميقة في مجالات ثقافية وفكرية مختلفة، حيث إن كل هذا يستدعي تجربة إبداعية ممتدة وطويلة . ولعل مثل هذا الكلام يقودنا إلى مسألة مهمة، مفادها أنه ورغم أن الهدف من وراء مثل هذه البرامج – على وجه التحديد – هو جد ضروري، كي يتم إشراك أصحاب المواهب الجديدة في عالم ما يسميه بعضهم بديوان العرب الجديد، ليكونوا جنباً إلى جنب مع أصحاب الأسماء المكرسة .
الكاتب والناشر جمال الشحي أمين عام جائزة الإمارات للرواية أكد أن مثل هذا البرنامج موجه لفئة الموهوبين من الكتاب سواء الذين لم ينشروا أعمالاً إبداعية من قبل أو الذين صدر لهم عمل واحد ويحتاجون إلى صقل مواهبهم في فروع الكتابة من حيث التقنيات وعوالم السرد والتحليل وترتيب الشخصيات في النص، وما يتبع ذلك من إدراك عمل الشخوص وأدوارهم الرئيسية في العمل المكتوب .
وأكد الشحي أن هناك مدرستين في الوطن العربي واحدة لا تؤمن بمثل هذه البرامج وتدعي أن الكاتب يولد موهوباً، وثانية تعتقد بضرورة التعلم والانخراط في مثل هذه الورش والتدريبات، موضحاً أنها موجودة في مساق التخصصات الأدبية في الغرب، وهناك برنامج يدرس منذ زمن طويل تحت اسم “الكتابة الإبداعية” في تخصصات الشعر والقصة والرواية، وإذا كان الكاتب العربي يتحرج من مثل هذه البرامج، فإني أذكره بضرورة أن يبعد عنه مثل هذا الحرج، ذلك أن برنامج تقنيات السرد هو برنامج متخصص، وفي الغرب ذاته الذي لا يشكو من عقد كثيرة، هناك أيضا ما يعرف باسم الوكيل الأدبي الذي يقوم في كثير من الأحيان عدا عن توزيع المنشور وترويجه بزج الكتاب قبل نشره لجهة متخصصة تقوم بتحرير الكتاب وإنجازه حسب الأصول . تقول الروائية أسماء الزرعوني: “لا بد هنا من وجود موهبة جادة، لأن تدريب من لا يملك سوى الطموح-الأعزل- سيكون غير مجد، ومؤكد أن الرواية جنس أدبي غير هين، ولذلك فإن من يتم التحاقه بمثل هذه البرامج يجب أن تكون له تجربته الأولية مع عالم الكتابة، فالتدريب وحده، مهما كان ناجحاً لا يفيد مع من لا رغبة لديه حتى في عملية القراءة، فيما لو التحق بأية دورة مكتملة الأدوات، ومتوافرة الشروط، وتحت إشراف أصحاب القدرات التدريبية العالية” .
الكاتبة صالحة عبيد حسن قالت: “الموضوع هنا متشعب، إذ علينا هنا أن نسأل هل يمتلك المتدرب الومضة الأولى من الموهبة؟ حيث لا يمكن لنا أن نفلح عندما نلحق من لايتمتع بملكة الموهبة . ومن الضروري أن يتم التدريب – في البداية – على كتابة السرد، والقصة، قبل خوض غمار التدريب على كتابة الرواية التي تتطلب قدرات وإمكانات وموهبة متفردة” .
الروائية فاطمة المزروعي التي لا تغفل الجانب الإيجابي لمثل هذه البرامج تسجل مجموعة من الملاحظات عليها ومنها أنها قد لا تؤدي بالضرورة إلى صناعة راو حقيقي مجهز بعدة الإبداع التي تتطلبها شروط موضوعية مثل الموهبة والقراءات المتنوعة والمكثفة، والروائي الموهوب إذا لم يكن قارئا نهما، أو إذا كانت قراءاته متواضعة، هو بالضرورة لن ينجز فتحا في عالم الكتابة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تشير المزروعي إلى نوعية البرامج والمساقات وأيضا المدرسين الذين يشرفون على مثل هذه البرامج، فهي غالباً ما تكون مستوحاة من تجربة المحاضر نفسه، أو أنها مستلهمة من كتب ومؤلفات يعتبرها المحاضر نموذجاً فريداً، في حين قد لا تصلح مثل هذه المؤلفات أو هذه المساقات للقياس عليها نظرا لاختلاف الزمن واختلاف الايقاع والتجربة والأجواء التي يعيشها الكتاب أو الموهوبون الجدد، فأدوات الكتابة الروائية .
من جهتها تؤكد القاصة عائشة عبدالله أن مثل هذه البرامج لا تضيف إلى الكاتب إذا كان يفتقر إلى الموهبة أصلاً، ومن جهة أخرى فإن الحرص على إنماء التجربة الروائية هو أمر منوط بالكاتب نفسه، وهذا يتطلب جهداً مكثفاً من القراءات المتنوعة التي لا تنحصر موضوعاتها في جنس إبداعي واحد، ناهيك عن أن عالم الرواية في الوقت الراهن يتطلب وعياً وحنكة وذكاء في ربط الأحداث وتحليلها، كما أن دراسة الشخصيات في العمل الروائي تتطلب دراسة نفسية معمقة، وما لم يمتلك الروائي مثل هذه النزعة المغامرة في التحليل وربط الأسباب بمسبباتها فسوف لن تفيده مثل هذه الدورات ولن تكون مجدية بأي حال من الأحوال . 
_______
*الخليج

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *