*إبراهيم توتونجي
ليس أقرب إلى “مهرجان برلين السينمائي الدولي” من المخرج الهوليوودي مارتن سكورسيزي.
الرجل الحائز على أوسكار وأربع جوائز “غولدن غلوب” هو ضيف دائم على المهرجان، واسمه، إن لم يتردد عبر مؤسسته المعنية بترميم الأفلام الكلاسيكية التي غالباً ما تجد منصات للاحتفال في هذا المهرجان، فإنما عبر العروضات الأولى لأفلام مثل Shine A Light (2008) و Shutter Island (2010).
كما أنه المخرج الذي يتمتع بأيديولوجيا مروجة لمعاناة “يهود الهولوكوست”، أكثر العناوين التاريخية والسياسية قرباً من قلب “البرلينالي” وبرامجه!
بين شتاءين
الحديث عن سكورسيزي، الذي عاش شتاء “مراكش السينمائي” قبل شهرين، رئيساً للجنة التحكيم، ليكمله في شتاء “برلين” الأقسى، مرتبط هذا العام بمشاركتين مباشرتين له في المهرجان، واحدة كمخرج، وأخرى عبر مؤسسته المعنية بترميم كلاسيكيات السينما العالمية.
اللافت أن المشاركتين مرتبطان بحقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وتحديداً بالثقافة الأميركية في ذلك العصر، وكأن سكورسيزي يقدم تحية إلى ذلك العصر الذي جسد بداية مخاض التحولات الكثيرة التي ستسيطر على عقدي الستينيات والسبعينيات في أميركا والعالم.
الهدية
“الهدية” الأولى تمثلت بفيلم وثائقي يحمل عنوان “نيويورك ريفيو أوف بوكس: الوثائقي”، يتمحور حول المطبوعة النيويوركية المتخصصة في الفكر والسياسة وعروضات الكتب، والتي تعتبر إحدى أشهر المطبوعات الثقافية في العالم The New York Review of Books. وهو الفيلم الذي يشكل “ختام مسك المهرجان”، ما إن أعلن عن مشاركته، حتى سرق الأضواء، حتى من الأفلام المشاركة ضمن المسابقة الرسمية.
شارك في الإخراج ديفيد تيديشي، الذي عمل سابقاً مع سكورسيزي كمونتير في فيلميه الموسيقيين الشهيرين “العيش في عالم مادي” (2011) و”أشعل نوراً” (2008).
نصف قرن من الفكر
“على مدى خمسين عاماً، اعتبرت هذه المطبوعة الأكثر إثارة للاهتمام وتأثيراً في مجال الثقافة والسياسة، عبر مضمونها الذي تنتجه عقول هامة في الولايات المتحدة الأميركية والعالم”، يصرح مدير المهرجان ديتير كوسليك عن الفيلم الذي يحمل الاسم ذاته للمطبوعة، مضيفاً: “نحن سعيدون جداً بالفيلم الذي يسلط الضوء على هذه المطبوعة منذ ولادتها في عام 1963 برؤية سكورسيزي”.
وقد حشد المخرجان صوراً نادرة من مراحل تاريخية مختلفة للمطبوعة، على خلفية سرد تاريخي قام به كتاب مرموقون أمثال “جيمس بلدوين” و”وسوزان سونتاغ” و”نعوم تشومسكي” و”نورمان ميلير”، إضافة إلى تعليقات من كتاب جدد.
ولم يخل من لحظات عاطفية مؤثرة في تناوله العلاقة بين المحررين الرئيسيين في المجلة اللذين توكلا اختيار الموضوعات وتوليفها روبرت سيلفر وبربارا ايبستين بين الأعوام 1963 و2006، حين رحلت بربارا واستمر روبرت بعمله وحيداً.
قضايا جدلية
وللباحثين عن إجابة حول سر تحمس مخرج الجوائز المخضرم لهذا الموضوع، فإنها قد تكمن في كون المطبوعة التي يرمز إليها بـ NYREV لطالما كانت في الصدارة حين يتعلق الأمر بقضايا جدلية حول حقوق الإنسان والتمييز العنصري العرقي والحروب في فيتنام والعراق.
ومنذ بدايتها، وحتى دخولها العصر الرقمي، لم تحد المجلة عن فلسفتها القائمة حول أن “النقاش حول الكتب هو مراس حضاري لا يمكن الاستغناء عنه”، وقد بلغت شهرة المجلة مبلغاً جعل ناشريها يصدرون نسخة مستلهمة منها للسوق البريطاني في عام 1979 هي “لندن ريفيو أوف بوكس”، التي استقلت لاحقاً عن “الأم الأميركية”، إضافة إلى النسخة الإيطالية في عام 1990 التي استمرت لعقد واحد.
أيقونة الخمسينيات
أما المفاجأة الثانية التي حملها سكورسيزي إلى “برلينالي” هذا العام، فهي نسخة مرممة من أحد أشهر الأفلام الأمريكية في منتصف القرن الماضي. إذ قامت “مؤسسة السينما” التي يديرها بصنع نسخة مرممة من فيلم “مسلح من دون قضية” Rebel Without a Cause الذي يعود إلى عام 1955.
وقد نال هذا الفيلم، الذي يدور حول صراع الأجيال في قالب درامي، شهرة واسعة، كونه الفيلم الأخير الذي قام ببطولته أسطورة السينما آنذاك جيمس دين، حيث قتل في حادث سيارة مأساوي قبل عرض الفيلم.
واعتبر دين رمزاً مؤثراً بالنسبة إلى الشباب الأميركي، واعتبر “أيقونة” ثقافية في وقته. وفي عام 1990، اعتبر الفيلم في أميركا جزءاً من “التراث الثقافي” الذي يستوجب الحفاظ عليه. ويعرض هذا الفيلم إلى جانب ثمانية أفلام تعتبر من كنوز السينما العالمية، جرى ترميم بعضها، أو استعادة بعضها الآخر، ضمن تظاهرة “البرلينالي” الشهيرة “الأفلام الكلاسيكية”.
سكورسيزي في سطور
ولد في 17 نوفمبر 1942 نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، وهو مخرج أميركي من أصل إيطالي يعد من أشهر المخرجين في هوليوود.
تعاون مع الممثل روبيرت دي نيرو بعدة أفلام منها taxi driver (سائق التاكسي) الذي فاز به مارتن سكورسيزي بجائزة سعفة كان الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1976، وفيلم Raging Bull (الثور الهائج) الذي حصل به الممثل روبرت دي نيرو على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل رئيس.
وفي عام 1988 قام بإخراج فيلم (الإغراء الأخير للسيد المسيح) الذي واجه الرفض والانتقاد الحاد من الفاتيكان، وصل إلى المطالبة بطرد الفيلم من مهرجان كان 1988، وأيضاً تعاون مع الممثل ليوناردو دي كابريو في ثلاثة أعمال، وهي Gangs of New York (عصابات نيويورك) عام 2002.
وفيلم الطيار عام 2004 الذي ترشح به الممثل ليوناردو لجائزة أفضل ممثل رئيس في مهرجان الأوسكار، والفيلم الثالث (المغادرون) عام 2006 الذي حصل فيه على جائزة الأوسكار لأفضل مخرج سينمائي، وهي الأولى له بعد عدد من الترشيحات، آخرها عن فيلمه الطيار، والذي خسر فيه الجائزة لصالح كلينت إيستوود.
برادلي كوبر يسرق الأضواء مع صديقته العارضة البريطانية
شغل النجم الأميركي برادلي كوبر جمهور المهرجان وصحافته الجدية و”الخفيفة” أثناء تواجده في برلين، للترويج لفيلمه “أميركان هاسيل”، الذي يشاركه البطولة فيه كريستيان بيل من إخراج ديفيد أوراسيل، وهو الفيلم الحائز 10 ترشيحات أوسكار، من بينها أفضل ممثل مساعد لكوبر، وأفضل إخراج لأوراسيل.
وسبق لمهرجان “دبي السينمائي الدولي” أن فاز بسبق العرض الحصري للفيلم في ختام دورته المنصرمة ديسمبر الماضي، قبل أن يعاود “برلين السينمائي” عرضه في دورته الحالية. ومنذ اليوم الأول لحضوره إلى برلين قادماً من موسكو، أصبح كوبر “حديث البلد”، وتصيدت صحافة “الباباراتزي”، صوره مع صديقته عارضة الأزياء البريطانية سوكي ووترهاوس.
جولة عالمية
ومع وصولهما إلى برلين، تكون العارضة الجميلة قد تمكنت من مرافقة “الصديق الوسيم” في جولة بدأت في لوس انجلوس، مروراً بلندن وباريس، وصولاً إلى برلين، وهي الجولة التي ترافقت مع إعلان الثنائي رسمياً عن ارتباطهما، بعد عام كامل من المواعدة السرية.
واهتمت الصحافة البريطانية أيضاً بمتابعة أخبار سوكي، وفيما كانت مع كوبر في برلين، عنونت صحيفة “ذا ميل” واسعة الانتشار:” إنها محظوظة. الصور التي تأتي من برلين تثبت أنهما سعيدان، وأن لا يرى غيرها هناك”.
ونشرت الصحيفة تقريراً عن علاقتهما، ذكرت فيه أن العارضة الحسناء لا”تحب التحدث عن كوبر، فهي إن بدأت لن تنتهي، وهذا مضجر”، كما أنها “توقفت عن احتساء الشراب وحضور حفلات عروض الأزياء منذ أن تعرفت إلى كوبر، وهي تقضي وقتها معه ومع عائلته”.
ولم يكتف صاحب “هانغ أوفر” بالمشي على السجادة الحمراء وحضور المؤتمر الصحافي وجلسات التصوير التي رافقت عرض فيلمه “أميركان هاسيل”، لكنه آثر مشاهدة بعض الافلام الأخرى، من بينها فيلم الافتتاح “فندق بودابست الكبير”.
عناوين مثيرة
وقبل وصوله بأيام قليلة، كانت الأخبار عن إجادته اللغة الفرنسية، ومقابلته مع التلفزيون الفرنسي، إضافة الى اصطحابه والدته إلى جوائز “الغولدن غلوب”، قد وجدت صدى واسعاً لدى الصحافة، الأمر الذي دفع ببعض الصحافيين إلى معاودة طرح هذين الموضوعين في برلين.
رد كوبر على مسألة الفرنسية: “أعشق هذه اللغة، وقد تعلمتها لسبب دراسي، أما عن اصطحاب والدتي إلى حفل الجوائز، فأنا لست وحدي من فعل ذلك. ليوناردو (دي كابريو) أيضاً فعلها. أعتقد أننا متفقون على شيء أكيد، حين لا يكون بوسعك أن تكون مع عارضة أزياء على السجادة الحمراء، الأفضل أن تصطحب معك أمك إلى الحفل”!
تأثر وتأثير
من جهة أخرى، تمكن المخرج أوراسيل من استقطاب الانتباه أيضاً، واستفاض في الإجابة عن أسئلة الصحافيين في المؤتمر الصحافي، الذي جمعه مع بيل وكوبر عقب عرض “أميركان هاسيل”. وتحدث عن “الشغف الذي يجعله يبحث عن قصص أفلامه”، قائلاً:” إنني لا أمنح النجوم أدواراً لكي يحصلوا على جوائز الأوسكار. إنني أمنحهم أدواراً تجعلهم يمسون قلوب الناس”.
تصنيفات
تعليقاً على فوز فيلمه بغولدن غلوب عن فئة الافلام الكوميدية، قال:” أنا لا أحبذ هذه التصنيفات. لا أعرف إن كان الفيلم كوميدياً أو درامياً. المهم أنه يتحدث بصدق عما يجعل الناس شغوفين بأمر ما.
ما الذي يجعلهم يحبون ويدفعون فاتورة هذا الحب”! وصفق الجمهور للمخرج الذي تحدث عن تجربة شخصية تعرض لها، بعد اكتشافه مرض ابنه بالتوحد، وكيفية استخدامه السينما والقص من أجل علاجه، قائلاً:” السينما بالنسبة إلي ليست مهنة، إنها حياتي، وفيها علاج لكل مشكلاتي”.
وعلى عكس المتوقع، بدا كوبر، مقارنة مع أوراسيل وبيل، الأهدأ. واكتفى بالإجابة عن الأسئلة بطريقة مقتضبة، لكن ذلك لم يمنعه من أن يسرق الأضواء طوال فترة إقامته في المدينة.
تعديل البرنامج لتكريم هوفمان
فاجأ موت الممثل فيليب سيمور هوفمان عشاقه الشهر الماضي. وقبل أيام قليلة من افتتاح مهرجان برلين السينمائي، تم تعديل برنامج العروض لكي يضم تكريماً خاصاً بالممثل، الذي كان من المقرر أن يحضر مهرجان برلين. وأكد جيمس شاموس رئيس لجنة التحكيم وهو منتج سينمائي ومؤلف أن “روح الممثل الراحل ترفرف داخل المهرجان”.
وقال شاموس في مؤتمر صحفي “كان النبأ مروعا لنا جميعا ..فيليب سيمور هوفمان سوف يكون معنا. أعرف الكثيرين من اصدقائه الذين سيحضرون المهرجان للاحتفاء به”. وأضاف ” كل الأماكن مثل برلين سوف تشهد الاحتفاء به وهذا أمر مؤكد”.
ويتم عرض فيلم هوفمان “كابوت” الذي حاز عنه على جائزة أوسكار، والذي عرض قبل ثماني سنوات في برلين.
يشار إلى أن هوفمان (46 عاماً) عثر عليه مؤخراً ميتاً في شقته بنيويورك، وقد قادت التحقيقات الأولية إلى أن سبب الوفاة مرده جرعة زائدة من المخدرات.
النجم النمساوي ماكسميليان شل
كما سيتم الاحتفاء أيضاً بالممثل النمساوي ماكسميليان شيل، الذي توفي قبل أيام قليلة من بداية المهرجان. شيل حائز على جائزة أوسكار لأفضل ممثل عن دوره في فيلم (محاكمة نورمبرج).
وقالت باتريتسيا باومباور مديرة أعمال ماكسميليان لوكالة الأنباء النمساوية، إن النجم السينمائي توفي في مستشفى في انسبروك بعد «مرض خطر ومفاجئ». وكان ماكسميليان أحد أشهر الممثلين الأجانب في السينما الأميركية، وقام بأدوار بطولة في المسرح والسينما في الولايات المتحدة وأوروبا.
__________
* البيان