شيوخ‎‮ ‬الفتنة‮.‬.‮ ‬إلى‮ ‬أين‮؟


عائشة سلطان *



لا‎‮ ‬أفهم‮ ‬كيف‮ ‬يصف‮ ‬البعض‮ ‬نفسه‮ ‬أو‮ ‬يصفه‮ ‬ويسميه‮ ‬مريدوه‮ ‬وتابعوه‮ ‬والمعجبون‮ ‬أنه‮ ‬عالم‮ ‬وشيخ‮ ‬دين‮ ‬أو‮ ‬رجل‮ ‬دين‮ ‬جليل‮، ‬وما‮ ‬إلى‮ ‬ذلك‮ ‬من‮ ‬الأوصاف‮ ‬التي‮ ‬تضفي‮ ‬على‮ ‬صاحبها‮ ‬حالة‮ ‬أو‮ ‬هالة‮ ‬من‮ ‬القداسة‮ ‬والتبجيل‮، ‬بينما‮ ‬لا‮ ‬يتورع‮ ‬هو‮ ‬عن‮ ‬الوقوف‮ ‬على‮ ‬المنبر‮، ‬وهو‮ ‬المكان‮ ‬الرمزي‮ ‬والمقدس‮ ‬في‮ ‬الإسلام‮ ‬ــ‮ ‬الذي‮ ‬وقف‮ ‬عليه‮ ‬الرسول‮ ‬عليه‮ ‬الصلاة‮ ‬والسلام‮ ‬ذات‮ ‬يوم‮ ــ ‬ليصنف‮ ‬بلاد‮ ‬المسلمين‮ ‬إلى‮ ‬دار‮ ‬كفر‮ ‬ودار‮ ‬إسلام‮، ‬ويدعو‮ ‬الشباب‮ ‬إلى‮ ‬الجهاد‮ ‬والخروج‮ ‬على‮ ‬الدولة‮ ‬في‮ ‬بعضها؟‮ ‬كيف‮ ‬يحق‮، ‬ويجوز‮، ‬ويسمح‮ ‬لكائن‮ ‬من‮ ‬كان‮ ‬أن‮ ‬يرتكب‮ ‬هكذا‮ ‬جرماً ‬في‮ ‬حق‮ ‬الناس‮ ‬بذريعة‮ ‬أن‮ ‬الفاعل‮ ‬شيخ‮ ‬دين‮ ‬له‮ ‬حق‮ ‬الاجتهاد؟‮ ‬وهل‮ ‬في‮ ‬الدعوة‮ ‬للفتنة‮ ‬والخراب‮ ‬والقتل‮ ‬أية‮ ‬رائحة‮ ‬للاجتهاد‮ ‬أو‮ ‬الدين‮ ‬ابتداء؟

وبعيداً‎‮ ‬عن‮ ‬الكتابة‮ ‬تحت‮ ‬وطأة‮ ‬الكراهية‮ ‬أو‮ ‬العداوة‮، ‬فإننا‮ ‬نسأل‮ ‬القرضاوي‮ ‬بعقلانية‮ ‬تامة‮ ‬ونسأل‮ ‬أولئك‮ ‬الذين‮ ‬يرون‮ ‬في‮ ‬القرضاوي‮ ‬وأشباهه‮ ‬رجال‮ ‬دين‮ ‬حقيقيين‮، ‬عن‮ ‬حقيقة‮ ‬رسالة‮ ‬الإسلام‮؟‮ ‬ألم‮ ‬يقل‮ ‬الله‮ ‬للرسول‮ «‬إنما‮ ‬أرسلناك‮ ‬رحمة‮ ‬للعالمين‮»، ‬وقال‮ ‬هو‮ ‬عن‮ ‬نفسه‮ «‬إنما‮ ‬بعثت‮ ‬لأتمم‮ ‬مكارم‮ ‬الأخلاق‮»، ‬وامتن‮ ‬الله‮ ‬على‮ ‬عباده‮ ‬بقوله‮ «‬فليعبدوا‮ ‬رب‮ ‬هذا‮ ‬البيت‮، ‬الذي‮ ‬أطعمهم‮ ‬من‮ ‬جوع‮ ‬وآمنهم‮ ‬من‮ ‬خوف‮»، ‬فأين‮ ‬الرحمة‮ ‬والأخلاق‮ ‬والأمن‮ ‬والأمان‮ ‬في‮ ‬الدعوة‮ ‬التي‮ ‬يطلقها‮ ‬القرضاوي‮ ‬وغيره‮ ‬للجهاد‮ ‬والقتال‮ ‬في‮ ‬بلاد‮ ‬المسلمين‮؟‮ ‬أليس‮ «‬كل‮ ‬المسلم‮ ‬على‮ ‬المسلم‮ ‬حرام:‮ ‬ماله‮ ‬ودمه‮ ‬وعرضه؟‮» ‬أليس‮ «‬زوال‮ ‬السماوات‮ ‬والأرض‮ ‬أهون‮ ‬عند‮ ‬الله‮ ‬من‮ ‬دم‮ ‬مسلم‮»، ‬وأولاً وأخيراً «‬أليست‮ ‬الفتنة‮ ‬نائمة‮ ‬لعن‮ ‬الله‮ ‬من‮ ‬أيقظها‮؟».

نحن‎‮ ‬كمسلمين‮ ‬نعي‮ ‬أولاً‮ ‬وندعي‮ ‬أننا‮ ‬نعرف‮ ‬ثانيا‮ً ‬شيئاً‮ ‬عن‮ ‬الإسلام‮ ‬وفقهه‮، ‬ومن‮ ‬هذا‮ ‬الفقه‮ ‬نعرف‮ ‬أن‮ ‬الإسلام‮ ‬دين‮ ‬حياة‮ ‬وليس‮ ‬دين‮ ‬موت‮ ‬وقتل‮ ‬وسفك‮ ‬دماء‮، ‬وأن‮ ‬أكبر‮ ‬خدمة‮ ‬تقدم‮ ‬لأعداء‮ ‬الإسلام‮ ‬وأعداء‮ ‬العرب‮ ‬أن‮ ‬نثبت‮ ‬لهم‮ ‬بالدليل‮ ‬الواضح‮ ‬أننا‮ ‬أمة‮ ‬لا‮ ‬يستهويها‮ ‬شيء‮ ‬كالدماء‮ ‬والقتل‮ ‬والاقتتال‮ ‬والوقوع‮ ‬في‮ ‬الفتن‮ ‬والصراعات‮ ‬والتشرذم‮ ‬والتخلف؟‮ ‬أليس‮ ‬هذا‮ ‬بالضبط ‬ما‮ ‬يقدم‮ ‬للعالم‮ ‬بواسطة‮ ‬الجماعات‮ ‬المتطرفة‮ ‬التي‮ ‬تحرث‮ ‬بلاد‮ ‬المسلمين‮ ‬بالحروب‮ ‬وتزرعها‮ ‬بالجثث؟‮ ‬أليس‮ ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬يحدث‮ ‬جراء‮ ‬تصديق‮ ‬الشباب‮ ‬دعوات‮ ‬الجهاد‮ ‬التي‮ ‬يطلقها‮ ‬هؤلاء‮ ‬الشيوخ‮ ‬والتنظيمات‮ ‬الجهادية‮ ‬التي‮ ‬تعتبرهم‮ ‬مراجعها‮ ‬الفقهية‮ ‬والتأصيلية‮‬؟‮ ‬

إن‎‮ ‬اتهام‮ ‬دولة‮ ‬الإمارات‮ ‬بأنها‮ ‬تحارب‮ ‬الإسلام‮ ‬أمر‮ ‬خطير‮ ‬ومرفوض‮،‬ لكن‮ ‬المسألة‮ ‬الأخطر‮ ‬هي‮ ‬أن‮ ‬هؤلاء‮ ‬الذين‮ ‬يطلقون‮ ‬هذه‮ ‬الدعوات‮ ‬إنما‮ ‬يصدرون‮ ‬فقه‮ ‬الخراب‮ ‬لصالح‮ ‬أعداء‮ ‬الأمة‮، ‬لصالح‮ ‬تيارات‮ ‬الهيمنة‮، ‬لصالح‮ ‬الشركات‮ ‬الكبرى‮ ‬التي‮ ‬تنتظر‮ ‬الانتهاء‮ ‬من‮ ‬دفن‮ ‬آخر‮ ‬جثة‮ ‬لتضع‮ ‬أحجار‮ ‬الأساس‮ ‬للعمارات‮ ‬والمباني‮ ‬الجديدة‮، ‬لصالح‮ ‬مشاريع‮ ‬التقسيم‮، ‬لصالح‮ ‬تجار‮ ‬السلاح‮ ‬و«مافيات»‮ ‬بيع‮ ‬الأطفال‮ ‬وتهريب‮ ‬الفتيات‮ ‬الصغيرات‮ ‬والأعضاء‮ ‬البشرية‮ ‬لدول‮ ‬حول‮ ‬العالم‮، ‬المسألة‮ ‬الأخطر‮ ‬هي‮ ‬حين‮ ‬يغادر‮ ‬رجل‮ ‬الدين‮ ‬منطقة‮ ‬التأصيل‮ ‬والفقه‮ ‬والدين‮ ‬الحقيقي،‮ ‬ليتربع‮ ‬على‮ ‬كراسي‮ ‬الشركات‮ ‬والبورصات‮ ‬و«البيزنس»‮، ‬ويمر‮ ‬من‮ ‬تحت‮ ‬مظلة‮ ‬الدين‮ ‬كرجل‮ ‬دين‮ ‬يصدقه‮ ‬الناس‮ ‬للأسف‮، ‬بينما‮ ‬هو‮ ‬قد‮ ‬مرق‮ ‬من‮ ‬الدين‮ ‬كما‮ ‬يمرق‮ ‬السهم‮ ‬من‮ ‬القوس؟

وفي‎‮ ‬المقابل‮ ‬فلولا‮ ‬ما‮ ‬ارتكبته‮ ‬الأنظمة‮ ‬العربية‮ ‬من‮ ‬انحرافات‮ ‬لا‮ ‬تحصى‮ ‬في‮ ‬حق‮ ‬الشباب‮، ‬لولا‮ ‬الفقر‮ ‬والجهل‮ ‬والعوز‮ ‬وانكسار‮ ‬الأحلام‮ ‬والقمع‮ ‬والتسلط‮ ‬والسجون‮ ‬والمنافي‮ ‬وبؤس‮ ‬الأحياء‮ ‬وتخلف‮ ‬الخدمات‮ ‬ولا‮ ‬إنسانية‮ ‬الرواتب،‮ ‬لما‮ ‬اندفع‮ ‬الشباب‮ ‬لطريق‮ ‬العنف‮ ‬والإرهاب،‮ ‬ولما‮ ‬ساروا‮ ‬في‮ ‬ركاب‮ ‬أصحاب‮ ‬دعوات‮ ‬الفتن‮.‬

* أديبة وإعلامية من الإمارات

– الاتحاد

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *