” أمواه أخرى .. قالت الضفدعة ” :الحكمة وأبعادها



فاطمة بن محمود *

( ثقافات )


تتعدّد الإصدارات القصصية التي تشتغل على القصة القصيرة جدا و تنتصر لها بما هي نمط أدبي بدأ يفرض نفسه على المشهد الأدبي العربي .. و رغم أن كل كثرة قد تؤدي الى تسرّب قصص هزيلة أو إصدارات دون المطلوب أدبيا و فنيا، فإن كثرة الإصدارات في المقابل لا تمنع أبدا من بروز المتميّز وقدرته على فرض نفسه .. و لعل من الإصدارات الأخيرة التي تلفت الانتباه ” أمواه أخرى قالت الضفدعة ” للقاص و الشاعر و المترجم المغربي الطاهر لكنيزي . اختار القاص الطاهر لكنيزي عنوان كتابه القصصي ” أمواه أخرى .. قالت الضفدعة ” وقد شاع استدراج الحيوانات كثيرا الى النص الأدبي وعادة ما يرتبط ذلك للإشارة إلى الدلالة القيمية التي تتصف بها بعض الحيوانات مثل الكلب الذي يشير الى الوفاء و الطيور تحيلنا الى السلام و الحرية الخ .. و لكن لكنيزي يختار الضفدعة لتكون حاملا لدلالات قصصه، بل أجده يحوّلها إلى شخصية و يمنحها دور الساردة لتقدم لنا هذه القصص القصيرة جدا،
ومن ثمة لتقوم بأدوار مختلفة و تتخذ مواقف و تنتصر لقضايا.

الضفدعة سيميائيا :


حسب تفسير ابن سيرين للأحلام، فإن تفسير حلم رؤيا الضفدع في المنام يعني “رجل عابد مجتهد في طاعة الله تعالى ومن رأى أنه مع الضفادع حسنت صحبته لأقاربه ” .
ما علاقة هذا بالكتاب القصصي للقاص الطاهر لكنيزي ؟
لكنيزي في هذا الكتاب القصصي لا يقدم نفسه بما هو سارد للقصص، و إنما يبدو أنه يوكل هذه المهمة للضفدعة التي يقدمها من خلال معطى آخر مهم هو الماء ” أمواه أخرى .. قالت الضفدعة “.
أمواه، ومياه جمع كلمه ماء وهو ” سَائِلٌ لاَ لَوْنَ لَهُ وَلاَ رَائِحَةَ لَهُ، مِنَ الأُوكْسِجِينِ وَالِهيدْرُوجِينِ، يُشْرَبُ. وَأَصْلُهُ “مَوَه”. “مَاءٌ صَالِحٌ لِلشُّرْبِ” يقول الله تعالي في سورة الأنبياء آية 30 ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ
نعلم أن الضفدع حيوان برمائي يعيش في المستنقعات، و لكن القاص لكنيزي يبدو أنه يحوّل الضفدعة 
من المستنقع بما هي بيئتها العادية و المألوفة إلى المياه الصافية الصالحة للشرب ، و بالتالي يصبح هذا الضفدع غير ذلك الحيوان المقزّز الذي يثير الاشمئزاز إذ يخرجه لكنيزي من مستنقعه و يضع له مياه غزيرة صافية وكأنه بذلك ينزع عنه ثوب الأوساخ و القذارة و يجعل له ثوبا جديدا قدّ من مياه/أمواه نقيّة
و من ثمة تتطهّر الضفدعة من أدرانها و تكتسب معنى جديد .. و إن كان ” النابلسي ” في الموسوعة يعتبر أن الضفدعة في الرؤيا تدلّ على أقوام سحرة و خادعين ” و لكن أجد أن الضفدعة في قصص الكتاب تميل ربما إلى ما يذهب إليه ابن سيرين في أن ” من رأى أنه أصاب ضفدعا فإنه يخالط رجلا حرّا صالحا فاضلا” و لعل هذا ما أعتقد أن هذا الكتاب القصصي يفعله إذ أن القاص الطاهر لكنيزي لا يقدم في كل قصص الكتاب قصة قصيرة جدا واحدة تدور حول ضفدع بشكل أو بآخر و هذا ما يدفعني إلى القول إن الضفدع هو الشخصية الساردة لقصص الكتاب، و بهذا المعنى يصبح الضفدع هو رجل صالح فاضل يقدم الحكمة والنصح لقومه، ويشير عليهم بالفضائل و ينفّرهم من الرذائل ، و لعل من عناصر اختلاف لكنيزي في كتابه القصصي هذا عن غيره أنه يقتنص صورة الضفدع ويفاجئ قرّاءه به عندما يقدمه في شكل جديد مختلف كلّيا عن المألوف، إذ يتناسب هذا إلى حدّ ما مع ما يذهب إليه ابن سيرين من أن ” صيد الضفادع قهْرُ الأمثال و الأقران ” بمعنى أن لكنيزي هنا يأتي بالجديد المختلف عن كتّاب القصة في المشهد العربي و يقدم زاوية نظر جديدة يبدو فيها الضفدع صاحب حكمة ورجاحة عقل؛ حتى صيغة العنوان تحيلنا بشكل ما إلى العنوان الشهير للفيلسوف الألماني نيتشه ” هكذا حدّث زرادشت ” عندما يجعل من زرادشت شخصية الحكيم صاحب الحكمة والأسئلة الحارقة، أيضا عنوان الكتاب الأدبي للأديب التونسي الكبير محمود المسعدي ” حدّث أبو هريرة قال .. ” عندما يحوّل الشخصية الدينية أبو هريرة الذي اشتهر برواية الأحاديث النبوية الشريفة الى رجل مرتاب من كل معارفه، شاك في كل الحقائق و يشهد تجربة وجودية تؤرجحه بين الإيمان و الكفر و تميل به إلى التمرّد وتنتهي به إلى مغامرة عقلية حادة و صادمة ، و أيضا كتاب ” قال الراوي ..” للمبدع محمود تيمور الذي يقدم فيه قصصا عديدة في شكل تنظير تطبيقي لفن القص 

إذن في هذا الإطار أيضا نجد الطاهر لكنيزي يصوغ عنوان كتابه القصصي 
أمواه أخرى .. قالت الضفدعة “، و تماما مثلما كان اليونان في أساطيرهم حوّلوا البومة ” مينرفا ” إلى رمز للحكمة فإن القاص الطاهر لكنيزي في كتابه هذا يؤنث الضفدع و يجعلها رمزا للحكمة
و قد قيل ” الضفدع امرأة حرّة طاهرة ذات دين وخشوع لا تؤذى أحدا “.. هذه الضفدعة التي يبدو أنها تتحوّل إلى شخصية ساردة تأتي بالحكمة ؟؟
تبدو الحكمة في ” أمواه أخرى .. قالت الضفدعة ” في مستويين :
مستوى إيحائي مضمر، تسكن الحكمة بين أسطر القصة القصيرة جدا و يصل إليها القارئ كاستنتاج
ومستوى مباشر تقدم فيه الحكمة بيّنة و واضحة للعامة 
و أجد كأن المستوى الإيحائي يتناسب كثيرا مع ” العقل النظري ” حسب كانط،، حيث تتجه الحكمة إلى مخاطبة العقل و توجه طريقة تفكيره نحو الخير و المثل الانسانية ، و في المقابل يبدو المستوى المباشر يتناسب كثيرا مع “العقل العملي ” ( حسب كانط أيضا ) بمعنى تتجه الحكمة الى الحياة العملية للإنسان وتعمل على تقويم السلوك الاجتماعي و تهذيب الظواهر الاجتماعية.

الضفدعة و العقل النظري :


يبدو أن وظيفة الأدب عند المبدع الطاهر لكنيزي هي بناء الإنسان و إعادة صياغته وفق نظم قيمية أخلاقية و جمالية لذلك نجد نسبة هامة من قصصه تتجه إلى وعي الإنسان و تعمل على الحفر فيه لاستئصال ما شذّ من أفكار لا تستقيم و حقيقة الإنسان التي يراها لكنيزي على طريقة الفلاسفة تتأسّس على 
الحكمة في التفكير و الفضيلة في السلوك البشري .. لذلك نلاحظ أن نسبة هامة من قصص كتاب 
“أمواه أخرى .. قالت الضفدعة ” كانت موجهة للنبش في نمط التفكير الإنساني من ذلك تنطلق المجموعة القصصية بحكمة في قصة ” زوجان ” (ص 13) إذ يقول ” تخاصما كطفلين و تحاجا كصديقين و تشاتما كخصمين و تعاركا كتيسين ندين و تقاتلا كعدوين ، في الليل ناما في فراش واحد كأي زوجين ” ، هنا تصوير للعلاقة الزوجية بما هي تعبير عن إنية الإنسان أو علاقته بذاته التي قد تشهد تعبيرات مختلفة من استفزاز و وئام، من مشاكسة و مسالمة، من حرب و سِلم و في ذلك يبدو وكأنها خلاصة التجربة الإنسانية، فالإنسان لا يمكن أن يُلغي ذاته بشكل مطلق، لأن في ذلك فقدان للمعنى الوجودي و إنما يحتاج
مثل هذا الإرباك الذي يكسّر نمط الحياة و يضيف لها لذة و يكسبها معنى 
أيضا في قصة ” الطريدة ” (ص 21) تأتي الحِكمة من صراع أنثى مع رجل تسيطر عليه غرائزه يقدم الكاتب المشهد من خلال شخوص حيوانات فهي بدت كنورس جميل
و هو بدا كذئب أهوج ولكنه غادر حلبة الصراع ككلب حقير ولعلّ الكاتب أراد أن ينتصر هنا للجمال على 
القبح.
من خلال ما تقدّم يبدو أن القاص الطاهر لكنيزي – من خلال شخصية الضفدعة بما هي الساردة – يعتبر أن الصراع هو الذي يغذّي الوجود الإنساني ويصنع قيمته، ألم تنطلق أسطورة آدم و حواء من صراع بين الذكر و الأنثى و لعله يعبّر عن صراع الأنا مع الآخر الذي يتّضح أكثر في قصة قابيل وهابيل و من ثمّة يمكن أن نتحدث عن صراع الأنا مع ذاتها تماما مثلما انشغلت الأديان السماوية والفلسفات اللاّهوتية بصراع الانسان ضد نفسه وتدفعه باستمرار الى مواجهة غرائزه من أجل عملية كاتارسيس تنقّيه من شوائبه و تجعله يسمو بنفسه و من ثمة يقترب من عالم المُثُل على الطريقة الأفلاطونية .. هذا الصراع الذي يقدّمه القاص الطاهر لكنيزي بأشكال مختلفة يقترب فيها من الواقع الذي يعيشه الانسان الآن مثلا من خلال انتشار ظاهرة الإرهاب الذي يمثّله التطرّف الديني في القصة القصيرة جدا “ضريبة” (ص 29) عندما يتحدث عن الإرهاب ، و لعل القاص الطاهر لكنيزي في تقديمه لهذه القصة القصيرة جدا لا يكتفي بإدانة التطرّف الديني بل يذهب إلى إبراز خطر هذه الظاهرة التي تأتي خارج السياق التاريخي و بالتالي تنتهي الى أكل ابنائها و القضاء على صانعيها و من ثمة تبدو هذه الظاهرة في تصوّر لكنيزي بمثابة النار التي تأكل نفسها أو الفكرة التي تنفي ذاتها.
في القصة القصيرة جدا “مفاهيم” (ص 17).. تأخذ الحِكمة بعدا آخر عندما يُعرض عن الحرب ويُنتصر للسلام و يبدو القاص لكنيزي من خلال هذه القصة و بربطها بما سبقها و كأنه يعتبر أن الأفكار التي تبدو خارج السياق التاريخي هي بالأساس على هامش الحياة الإنسانية و بالتالي لا تستطيع أن تضمن بقاءها في حين أن الأفكار التي تنتصر للإنسان ( فكرة السِلم هنا ) هي التي تعكس حقيقة الإنسان التي تتحقق في انسجامه مع الآخر و بالتالي في مصالحته لنفسه.
في سياق هذه القصص القصيرة جدا التي تنحاز للحكمة، ألاحظ أن القاص الطاهر لكنيزي لا يثبّت نفسه في صورة المعلّم الأكبر، و لا يحشر القارئ في جلبابه و يفرض عليه استنتاجاته بل يجعله عنصرا إيجابيا من خلال قصص قصيرة جدا أخرى، فيترك استخلاص الحكمة و استنتاج العبرة للقارئ مباشرة ويدفع بالإنسان نفسه للتفكير و الاستنتاج، و يبدو ذلك مثلا من خلال قصص ” امتنان ” و ” جحود “
و ” احتراس ” و ” نوع ” .. و لعل في ذلك ما يؤكد اهتمامه بالإنسان في ذاته و تقديره له كعقل يفكر
و يستنتج بحرية

الضفدعة و ” العقل العملي ” :


الدور الذي تقدمه الضفدعة بما هي شخصية حكيمة في هذا الكتاب القصصي يتنزّل أيضا – إضافة إلى معالجتها لنمط التفكير – في اهتمامها بالمستوى السلوكي للإنسان، و الذي يتمثل في اشتغاله على مجتمع ” الأوامر و النواهي ” حسب تعبير نيتشه أي مُجمل القواعد الاجتماعية العامة التي من خلالها يتعامل الناس .. ومرة أخرى تتجه هذه القصص القصيرة جدا الى تشذيب السلوكيات الاجتماعية و في ذلك يبدو أنها تنتصر للقيم الإنسانية الفاضلة مثل الحب و الصدق و الإخلاص و التضحية الخ…
في القصة القصيرة جدا ” إشباع ” (ص 70) ينتقد بشدة الشرور و العنف المتأصّل في بعضهم ورغبتهم في ممارسة العنف الشديد الى حد القتل لذلك يختار الأب ( في القصة ) أن يدفع بابنه إلى اللعب العنيف مستنزفا كل قواه حتى لا يمارسه عند الكِبر . و في القصة القصيرة جدا ” بعد لأي ” (ص 69) دفع القارئ ليستنتج الحكمة : ضرورة الاحسان للآخر و في ” لِمَ لا ” ( ص 19) تكمن الحِكمة في تجنّب النفاق و الالتزام بالصدق و الوفاء للمبادئ الخيّرة ..
و لا تقترح الضفدعة في هذه القصص القصيرة جدا مجموعة من القيم الفاضلة التي يعتقد أنها هي التي تؤسس للحياة، بل يقترح طرقا و وسائل لضمان هذه القيم؛ تكشف عنها مثلا في مواجهة العادات و التقاليد بما هي معارف قد تحتمل الزيف و الخطأ، و إذا كان الفيلسوف ديكارت مثلا يختار الشك كمنهج لاختبار هذا الموروث الاجتماعي و من ثمّة القطع معه فإن القاص لكنيزي بوصفه مبدعا من خلال الضفدعة الساردة و الحكيمة يختار المعرفة لمواجهة الجهل المفرّخ في المجتمع و هو ما يبدو بوضوح في القصة القصيرة جدا ” إنسانية ” (ص 72 ) حيث تطرح الدعوة الى الرقيّ بالإنسان في ذاته من خلال المطالعة مثلا التي تبدو الرّهان الحقيقي الذي يقترحه القاص لكنيزي في أمة ” إقرأ ” التي لا يتجاوز معدّل قراءة الفرد فيها الى نصف الورقة سنويا على اعتبار انتشار الأميّة و شيوع الجهل والتخلّف وهو ما يجعلها بعيدة عن ركب الحضارة و التقدم التكنولوجي لهذا العصر.
تبدو المعرفة إذن هي الاختيار الوحيد الذي ينهض بالإنسان العربي الذي تكبّله الأحكام المسبقة ويحتكم الى المعارف الجاهزة و القيم البالية للنهوض بالمجتمع العربي الذي يبدو على هامش الحراك التكنولوجي و الثقافي و الحضاري الراهن.. و لذلك يبدو المبدع من خلال هذا الكتاب القصصي مثقفا عضويا (بالمعنى الغرامشي ) ملتحما بقضايا عصره و مهتما بأزمات المجتمع، و من هذا المنطلق كانت الحِكمة ضرورية لمواجهة الرداءة بمختلف أشكالها التي تتمظهر في نمط التفكير أو في السلوكيات اليومية .. لذلك تسيل مياه الحكمة في هذه المجموعة القصصية لتغسل أدران الانسان و تقدمه بشكل أكثر نقاء ربما يساهم ذلك في إعادة خلقه وفق صياغة جديدة تمكّنه من التصالح مع نفسه و من ثمة مع بيئته الثقافية و مع واقعه الاجتماعي.

الخصائص الفنّية :



تبدو القصص القصيرة جدا للطاهر لكنيزي ملتزمة بشروط هذا النمط الأدبي الجديد، فقد وردت مقتصدة في اللغة ، مكثّفة في المعاني ، مخاتلة لقارئها كما اختارت أن تكون مرة صريحة في دلالتها و أخرى تسرّب مقولاتها بين سطورها و أحيانا يختار لها السخرية السوداء كأسلوب للتواصل مع القارئ مثلا 
في ” الحصير ” ( ص 78 ) 
ولعل من أهم عناصر البناء الفنّي في هذا الكتاب القصصي ألاحظ متانة اللغة التي يكتب بها القاص الطاهر لكنيزي فقد روّضت المفردات اللغوية، منتقاة بدقة تقطع مع الاستسهال في استعمال اللغة و تؤكد أنه كاتب ينطلق من خلفية معرفية ولغوية ثرية، لذلك يصوغ جُمله بطريقة جيّدة و يوظفها ليقول ما يريده من أفكار دون إغلاق على القارئ من جهة و دون سقوط في الجمل المستهلكة والصيغ الممجوجة .. بمعنى أن لكنيزي في كتابه القصصي هذا يؤكد على أن القصة القصيرة جدا لا يعني تعاملها مع لغة سهلة و مستنزفة و إنما يقدمها في مبنى لغوي متين يشهد له بمهارته في التعامل مع هذه اللغة كوعاء ليقول أفكارا عميقة و هامة و دون أن يسقط في تكرار ما يقوم به غيره من كتّاب القصة القصيرة جدا، لكن دون أن يقدّم لغة جافة و انما يشرّبها بشعرية طافحة تبدو مثلا من خلال استعارات جميلة و صور طريفة ولعل هذه من خاصيات الشعراء الذين يكتبون السرد اذ تبدو اللغة عندهم عجينة طريّة تعكس مهارة متفرّدة في
التعامل مع اللغة.

أمثلة :

– أحسّ باليتم و الثكل حيث لا خرق في جدار المنفى يطلّ منه خيط ضوء يربطه بفردوسه المفقود ، زاره مساء بعض زملائه ليحتفوا به كضيف جديد ليشذّبوا عوسج العزلة المسيّج حنينه … ” أمّية (ص86 ) 
– بأدوات استفهام يستهلّ جمله المخاتلة كضباء ربداء يطلقها في حَلبة القاعة، فيندفعون كسُربة أحصنة ما لها لُجُم ، يتصايحون و بالمناكب يتدافعون حتى يصلوا المنصّة ، سبّاباتهم الصغيرة غير المقلّمة الأظافر تكاد تخدش وجهه يدفع الحماس أحدهم فيكاد يجذبه من تلابيب وزرته علّه يظفر بفرصة الإجابة عن السؤال ( ” انتشاء” ص82 ). 
– حزّ منشار الإحباط أوتار آماله و جلّلت غمائم فُتُورِهِم شمس أحلامه في أول لقاء، اكتشف أنهم من تربة بور لم تقلّبها يوما محاريث التربية ولا معاول علم النفس … ( “سقوط” ص81 ) 
لعلّ ما يميّز لكنيزي عن غيره من الكتّاب في مستوى علاقته بالأدب هو موهبته في كتابة الشعر والقصة باللغة العربية و أيضا باللغة الفرنسية بنفس المهارة إضافة إلى موهبته البيّنة في الترجمة من هذه اللغة إلى تلك (والعكس ايضا )
ذلك أن التعامل مع لغة ليس مجرد تعامل مع مجموعة من الدوال والمدلولات و إنما هو تعامل مع ثقافة 
وقيم إنسانية و هذا ما يثري من تجربة المبدع ويغذّي موهبته ويطوّر كتاباته الأدبية.
القاص الطاهر لكنيزي في كتابه القصصي ” أمواه .. قالت الضفدعة ” أجده يقدم إضافة أدبية في القصة القصيرة جدا عندما يجعل من قصصه حِكَما لشخصية ساردة جديدة هي الضفدعة و في ذلك تبرز مهارته في الاشتغال على دلالات جديدة وفق نسق لغوي متين وبالتالي يجعل من كتابه القصصي هذا محطة لافتة في مسيرته الإبداعية من جهة و في انطولوجيا القصة القصيرة جدا من جهة أخرى. 

* كاتبة وإعلامية من تونس

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *