محمد أبوعرب
تؤكد العروض المشاركة في مهرجان المسرح العربي الذي اختتم فعالياته في السادس عشر من يناير الجاري، أن المسرح ابن الواقع، والفن الأكثر قرباً من المجتمعات، والصوت الأكثر تعبيراً عنها، فالمتابع لعروض المهرجان يقرأ ملامح عديدة تميزها، وربما يكون أول ما يمكن ملاحظته هو أن معظمها توقف عند الثورة، وعلاقة الشعوب بالسلطة، وراهن الربيع العربي . فمن أصل ثلاث عشرة مسرحية، ناقشت عشرة عروض بصورة مباشرة قهر الشعوب، وعلاقتها بالسلطة، وفكرة الحرية، والعيش الكريم، وفي الوقت نفسه قدمت العروض الباقية إشارات طفيفة حول تلك الموضوعات، ومعالجات مواربة للموضوع ذاته، الأمر الذي يجعل المهرجان مصبوغاً بقضايا الشارع العربي .
لا يعد ذلك غريباً بالمطلق، في المسرح هو صورة للواقع، يعالجه بجمالية ووعي على الخشبة، وما يعيشه العالم العربي اليوم من حالة حراك، ومتغيرات سياسية تعيد تشكيل واقع الشعوب، لا بد له أن يكون حاضراً في المسرح، خصوصاً وأن المهرجان شاركت فيه فرق من البلدان العربية المختلفة .
إن موضوع الحرية، وهموم المسحوقين كانت ولازالت إلى اليوم هي شواغل الفن، وموضوعاته، وكان الفنانون وعلى رأسهم المسرحيون هم الأصوات العالية التي تنادي بفكرة الحرية، وتدعو لها، منطلقين بذلك من أن صلاحية الفن وقدرته على العيش لا يمكن لها أن تكون في فضاء ضيق منعزل عن الناس .
وعلى الرغم من أن العروض جاءت في متنها حول فكرة مختزلة يمكن قولها بجملة واحدة، إلا أن معالجات العروض لها، تباينت واختلفت لتشكل رؤى وأطروحات جديدة تعيد تعريف الحرية، والسلطة، والطغاة، ففي الوقت الذي قدمت بعض العروض الثورات وجدانياً وبصورة إنسانية، غاصت عروض أخرى في الموضوع وخرجت بمفاهيم تعيد تشكل الوعي الجمعي للجماهير وتطرح عليهم أسئلة جديدة .
ففي العرض الذي حصل على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي “ريتشارد الثالث”، أعاد المخرج جعفر القاسمي والمؤلف محفوظ غزال إلى الأذهان مفهوم صناعة الطغاة، باستقراء تاريخي لمسرحية شكسبير الشهيرة “ريتشارد الثالث”، مقدمي الشعوب بوصفها الأيادي الحقيقية التي ترسم ملامح الطغاة، والتي أعجبها دور الضحية واستمرأته، ليطرحا بذلك معالجات راهنة لما يجري في بعض البلدان العربية .
وتمحورت العروض الثلاثة التي تنافست على الجائزة حول هذا الموضوع، إذ تنافس على المركز الأول مع “ريتشارد الثالث”، مسرحية “نهارات علول”، التي كتب نصها مرعي الحليان وأخرجها حسن رجب، ومسرحية “عربانة” من تأليف حامد المالكي، وإخراج عماد محمد .
ومما لا شك فيه أن عرض “نهارات علول” معالجة بصرية مبهرة لعلاقة السلطة بشعوبها، ومفهوم الطبقات المسحوقة، وقدرتها على الثورة والتغيير، فرصاصة السلطة التي استقرت في أحشاء بطل المسرحية علول، لم تفلح في قتله، وأخرجت منه روحا ثائرة قادت خلفها حشود المهمشين .
ويأتي عرض “عربانة” بطرح مباشر حول يوميات شخصية مثقفة عراقية تتحاور حول همومها التي تمثل في واقع الأمر هموم طبقة واسعة من المجتمعات العربية، وتشترك في ملامحها مع الكثير من الشخصيات في البلدان العربية، حيث يسرد بطل العرض حكايته، لتلتقي بحدوتة البوعزيزي الذي بات في الذهنية العربية شرارة الربيع العربي .
هذه العروض وغيرها، مثلت معالجات متعددة لواقع بعض البلدان العربية، لكن بصيغ ورؤى متباينة، تظهر في بعضها السمة التجريبية، والكلاسيكية، والأخرى المجددة .
أما الملمح الآخر الذي يتبدى في عروض المهرجان، فتمثل في اعتماد عدد من العروض على فنون بصرية حديثة أخرى، كالفيلم السينمائي أو “السلايد شو”، أو التلفزيون، وما يؤكد ذلك خاتمة مسرحية “عربانة” التي جاءت بفيلم قصير أكمل حكاية المسرحية، مازجاً بذلك بين فنين ينافس كل منهما الآخر في رأي العديد من النقاد المسرحيين .
هذا الملمح انكشف أيضاً في “ليلي داخلي”، و”80 درجة”، إذ استفاد الأول من “السلايد شو” في بناء العرض المسرحي، مقدماً في خلفية المشاهد مصوراً من يوميات المسرحية ومن أحداث الثورات وقضايا الأزمات العربية، أما الثاني فأستند إلى الأفلام السينمائية المصرية القديمة ليعزز ما يحاول طرحه من أثر العمر على الإنسان وقدرة السنوات على تبديل حاله .
-الخليج