( ثقافات )
رأس الخيمة – يناقش الكاتب والمفكر سلامة كيلة في كتابه (العلمانية – المعنى والإشكالية في الوطن العربي)، والصادر مؤخراً عن دار نون للنشر في رأس الخيمة، واحداً من أكثر المفاهيم الفكرية الحديثة المثيرة للجدل، والتي احتلت، ولا تزال تحتل حيزاً كبيراً في المناقشات الفكرية على مستوى العالم، وذلك لما لهذا المفهوم والمفاهيم الأخرى التي أفرزها النقاش حوله، حداثة في العهد والتداول في المنطقة العربية. فالعلمانية وما يرتبط بها من مفاهيم كالدولة المدنية يناقشها كيلة في كتابه هذا حيث يرى أنها قد أُفرغت من محتواها الحقيقي.
في مقدمته للكتاب ـ الذي سيكون أول نزوله للأسواق في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والأربعين ـ يشير سلامة كيلة إلى أن عصر النهضة حمَل في المنطقة العربية كل الأفكار التي تبلورت في أوروبا آنذاك، ومنها العلمانية. فلقد خيض صراع هائل منذ تجربة محمد علي باشا حول فصل الدين عن الدولة، وكان رفاعة الطهطاوي من أوائل الذي شغلوا بهذا الأمر، فحاول إعادة صياغة الوعي بما يجعله يتمثل الفكر الأوروبي الذي اطلع عليه خلال وجوده في باريس. لكن انهيار التجربة فرض إعادة إحياء الفكر التقليدي، ومن ثم إعادة طرح مسألة «الجامعة الإسلامية». فقد حاولت الأيديولوجية التقليدية أن تدافع عن مواقعها ضد الحداثة، لكن من خلال «تجديد ذاتها» محمد عبدو مثلاً. لكن الطموح إلى التحرر والحداثة فرض تسارع تغلغل الفكر الحديث بمختلف أطيافه، ومنها الطيف الذي كان يطمح إلى العلمنة. ولقد نهض ذلك من داخل المؤسسة الدينية من رجال دين، خصوصاً هنا عبد الرحمن الكواكبي. ورغم انحدار الأيديولوجية التقليدية الذي أوصل إلى تشكلها في «جماعة» هي جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928، دافعت عن البنى التقليدية، ليس على صعيد الوعي فقط (تحت مسمى الدين) بل عن الإقطاع والنظام الملكي. رغم ذلك فقد ظهر أن فكر الحداثة هو الذي «ينتصر»، وأن تكريس الفصل بين الدين والدولة هو الذي يتحقق. حيث هيمنت على المشهد الفكري تيارات ليبرالية وقومية وماركسية لعقود. وكان الميل الشعبي يسير في سياق دعم هذه التيارات، لأن بعضها قد حقق مطالب الشعب، فقام بتغير كلية التكوين الاقتصادي، وعمل على تحقيق تطور مهم، جعله ذو قاعدة شعبية كبيرة. الأمر الذي فرض تهميش «الأصولية» التي ظلت تدافع عن الأيديولوجية التقليدية.
ويضيف كيلة في مقدمته، لكن، وبعكس المراحل الأولى من تغلغل فكر الحداثة، ظهر أن العلمانية لم تتحقق واقعياً (وإنْ جرى الابتعاد عن الحكم الديني)، وأن طرحها والنقاش حولها بات هامشياً، ومن ثم تلاشى بعد عودة نهوض التيار الأصولي (بدعم من النظم ما بعد القومية). والتراجع المتدرج للتيارات الأخرى أمام هذا النهوض، وأكثر من ذلك التكيف مع منطقه، ومن ثم الميل للتأسلم، فلقد أصبح البحث فيها مربكاً، أو حساساً، أو حتى نافلاً. لهذا أخذت تركن جانباً. وإذا كانت قد عادت تحت مسمى «الدولة المدنية» فقد حدث ذلك بالضبط نتيجة «الإحراج» الذي يسببه المصطلح، رغم أن مدنية الدولة لا تتحقق إلا بعلمانيتها، لأنها تقوم على مبدأ المواطنة، هذا المبدأ الذي يلغي التميز بن المواطنين على أساس ديني أو طائفي أو مناطقي أو قبلي أو إثني، وبالتالي يفرض حتماً فصل الدين عن الدولة، لأنه وحده يلغي التميز بين المواطنين على أساس الدين أو الطائفة.”
يطرح كيلة من خلال الكتاب عدة تساؤلات تصب في صلب موضوع العلمنة والحركات الإسلامية فنجده يطرح في الكتاب أسئلة على سبيل: هل تصبح العلمنة جزءاً عضوياً من كل منظور يسعى إلى تحقيق التطور والحداثة، وبناء مجتمع منتج ومتحرر ومستقل؟
يمكن القول أن كيلة في كتابه هذا يحاول رصد علاقة الإسلام بالعلمنة، والصراع حولها في عصر النهضة. كيف فهمت، ومن ثم كيف يمكن توضيح معناها؟ وهل العلمانية هي ضد الدين؟ هل هي بفتح العين أو بكسرها؟ كيف أن «الديمقراطية التوافقية» التي جرى الترويج لها هي ضد العلمنة، وبالتالي ضد الديمقراطية ذاتها؟ ولماذا لسنا بحاجة إلى حركة إصلاح ديني؟
يذكر أن هذا الكتاب يصدر أيضاً بالتزامن مع صدور كتاب أخر لسلامة كيلة يحمل عنوان “ثورة حقيقية منظور ماركسي للثورة السورية” أيضاً عن دار نون للنشر في رأس الخيمة وسيكون أيضاً ضمن معروضات الدار في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
أخيراً، فإن الكتاب يقع في 130 صفحة من القطع الوسط، وغلاف لافت يستخدم صورة لإشارة تقاطع طرقي لاتجاهين كتب على اتجاه: الدولة وعلى الآخر: الدين، وهو من تصميم خالد الناصري.