ثلاث قصائد للشاعر الفنلندي بو كاربيلان


ترجمة: نزار السرطاوي

( ثقافات )

1. قاسياً كان الشتاء 
“لم يكن هناك الكثير لإطعام البط.
قلبت أمي سلة الخبز رأسا على عقب.
راحت طيور البط تزعق وبدا عليها عدم الرضا.
كان الماء أسود وسرعان ما تجمد. 
قاسياً كان الشتاء. قاسياً كان الشتاء.
حتى الأموال في المصرف تجمدت.
الاحتفال مساء السبت لم يعد ممكناً 
إلا بالتناوب مرةً دون الأخرى. 
2. مساء 
سريعاً يمرّ الفجر، سريعاً يمرّ النهار، لكن المساء اللطيف 
يجلب معه الشفق، يمضي مثل مياه الخليج 
ما بين الأشجار الداكنة حيث تقف بلا حراك. 
من بين الأمواج على بعد أميال تصلنا رويداً رويداً 
أصوات جافّة، شظايا كلمات تغرق من خلال الهواء – 
سريعاً سريعاً يمر نهارنا لكن المساء يتلبث في الدفء الصيفي، 
الدفء الصيفي اللطيف يظل متلبثاً في الدماء التي سوف تصبح داكنةً هنا 
تحت تيجان الأشجار، تحت تحديق عين السماء المفتوحة، المفتوحة بلا حدود. 
3. سأل العجوز… 
سأل العجوز: “أما زالت أشجار البلوط هناك؟ 
كانت هناك غابات في أيامي. أما زالت موجودة؟” 
كان يجلس في منزل صغير في مونتيري، 
ما عاد يتذكر اللغة السويدية، يقول بضع كلمات بالروسية. 
كان يجلس هناك مثل ظلِّه، بعينين 
لا تبصران راح يراقب الحديقة المحروقة – 
نادراً ما كانت أمواج البحر تصل إلى هنا، لم تجلب معها جواً لطيفاً 
” الأولاد من المَزارع كانوا يرقصون يوم السبت.” 
تنحنح، كانت يداه قلقتان 
“مزامير القِرَب؟ أو شيء من هذا القبيل، لا أذكر، 
الأشجار، أذكرها جيداً، أشجار البلوط الضخمة، الغابات، 
يبدو كأنما كانت تقدر على أن تمنحنا جواً لطيفاً –” 
رمقتي بنظرة يكاد يملأها الغضب 
كأنما كان يرتاب بالحقيقة. أجبته كما يتمنى: 
“ما زالت هناك، وما أروع أن نستريح تحتها.” 
مرّت لحظة سكون. ثم ما لبث أن قال وقد سرح بعيداً: 
حين يتحرك الريح خلال غابة البلوط، تظلّ دائماً تذكر ذلك. 
——————————
بو كاربيلان هو واحد من ابرز شعراء فنلندا في العصر الحديث. وهو أيضاً روائي وكاتب مسرحي وكاتب مقالات وناقد ومترجم. كتب باللغة السويدية التي هي اللغة الرسمية الثانية لفنلندا إلى جانب الفنلندية.
ولد كاربيلان في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 25 تشرين الأول / أكتوبر عام 1926. تلقى تعليمه المدرسي في أقدم مدرسة في هلسنكي. بعد ذلك التحق بجامعة هلسنكي ودرس ألأدب وتخرج بدرجة الماجستير عام 1948. كما حصل على الدكتوراه في عام 1960. عمل من عام 1946 إلى عام 1980 موظفاً في مكتبة بلدية هلسنكي، ليصبح لاحقاً مساعداً لمديرها.
تأثر كاربيلان في بداياته بمدرسة الحداثة السويدية والوجودبة الفرنسية. فسادت في قصائده صور الظلام والحزن والسكون. لكنه فيما بعد التفت إلى الآداب الكلاسيكية الإغريقية والرومانية فكانت بالنسبة له مصدر إلهام كبير.
ظهرت مجموعته الشعرية الأولى في عام 1946. ومنذ ذلك الحين أصدر 14 ديواناً شعرياً. وفي عام 1977 حصل على جائزة الأكاديمية السويدية لدول الشمال (اسكندنافيا)، التي تُعرف بجائزة “نوبل الصغرى.” كما نال جائزة فنلنديا مرتين (1993 و 2005). وفي عام 2006 حاز على الجائزة الأوروبية للأدب.
ترجمت أعماله إلى اللغات الإنجليزية، الفنلندية، الدانماركية، النرويجية، الألمانية، البولندية، السلوفاكية، والفرنسية وسواها.
توس
في كاربيلان بمرض السرطان في 11 شباط /فبراير عام 1911.

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *