*د حسين محادين
( ثقافات )
للفعل المضارع الذي مازال “شاهد عيان” على مواجعنا …إلى الحاضر فيّ دوما محمد طمليه …
لحضورِ الحياةِ وتمجيدِ قيمهِا الأممية الملونة …..
إلى المبدعِ الذي استحال إلى فعلِنا المضارعِ كتابة وقراءة ووجع مستدام.
إلى كاتبِ القصةِ ومشتهي الرواية الذي سقط سهوا في الصَحافة.. إلى مُحمدِ طمليه كشاهدِ عيانٍ على “الرصيفِ” ، أو على اسمِنا الحركي هذه الأيام تماما كواقع صحيفته الثانية “قف “.. ..وان شئتم أو شئتُن بوسعي أن أقول معكم بصوت وصدى الواثق :-
كلُ الأسماءُ وجعٌ واحدٌ والكلُ منه أيضا.
* اليوم / الأمس لا فرق عنده؛ربما هو المستقبل منذ الأمس ؛أقول محمدا لتقريب المغزى؛ تسع وخمسون عُمرا منه انقضت؛ أو أقول مذكرا؛ أهله الطيبون ؛ هُم تسعةُ إخوة له مضاف لهم بغداد وفلسطين أيضا ؛ لكنهم جميعا ليسوا كأخوة يوسف بالتأكيد ، فازدادوا بعد البطنِ الأول لأمهِ “حليمة ” وأصبحوا أُسرةً كبيرةً ممتدة لا تؤمن كثيرا برابطة الدم الأولى كالعوام ، فعائلته هم كل أولئك القراء والحزانى وأنتم حضورٌ هذه الليلة الوفاء لطُهرِ البرّدِ في حروف ونصوص ومواقفَ وألوان الإبداع في بصيرة وأقلام محمد الإنسان.
الإخوة المتابعون.
ساعدوني كي أتغلب معكم على حشرجة سؤالي الواخز ..
لماذا غادرنا محمد إلى هناك، وتركنا كالأحصنة الذبلى ننتظر حلول المغزى لغيابه فينا أثر ارتقاء ما له….أو لماذا تركنا نعتصر عطشا لمعرفة حقيقة زمنه علنا نُصحح ساعات حواسنا وفقا لعقارب نصوصه ؛ ولماذا أبقانا قراء ونقادا مختلفين على زادنا منه..دون أن يُحررَنا ،أو حتى يُعفينا- لو بقي حيا- من أساور أيامه ورشح أسئلتنا ألاهثة على سطور هجرته لنا للان .
هكذا هو محمد طمليه ؛ أعرفه ربما ؛ حاول وبجهاده الأكبر أن يُعيد دوزنةَ الزمنِ المنزلق كبُقعِ الزيتِ على زعترِ أيامِنا نحن الأيتَام؛ للحياةِ والحريةِ والوفاءِ وللعفةِ والمدِ والمداد بعد أن أدمنا نصوصه وفنتازياته قراء ونقاد .
انه محمد طمليه المُحلق الوفيّ الذي لم يخُذل جوعُه ووعيُه أو حتى آهاتنا معه منذ مسقِط رأسه في أبو ترابه/الكرك (1955)حتى أخر موقع في ضاد هذه الأمة ونون الإنسانية جمعاء؛ ولهذا ربما كان إصراره علينا بأن نستفتي نبضَ عيوننِا المُتحمسة له كقلمهِ غير الوغد وكرد ضمني أبلغ منه على شخوص مجموعته “المتحمسون الأوغاد” وكأني به واصفا الداء والدواء لواقعنا المُراق منذ أفول محمد حتى ألان.
هذه بعض من أفكارِه التي آمن بها قبل أن يُطلقها في سماءنا طيورٍا وشموسا للحريةِ على هيئةِ :- قبُلة أولى مُختلسة من إحدى قريباته؛ شِعر مُراهق له في الجامعةِ ،أو قصّا ًواعداً بالجوى المُعتق في جرار حواسنا الذاهلة بصدق شخصيته وشخوصه ، أو كمشروعِ راوٍ لم يفطِم بعد حلم روايتهُ الأولى عن ثدي الكتابةِ أو لُعابِ القلم ، فهل قلت انه الأمير في كتابة المقالاتِ أو النشراتِ المتخصصةِ عن مرض ٍخبيثٍ نجح وحدَه في أن يُعينَه مُنظما وكسكرتير له وراصداً لأُفول جسدهِ النحيلِ كخيطِ الماءِ الدافق من أعلى جبال عينِ سارة – الكرك؟؟ وبتحديد أكثر قُبالة القدس التي اشتهى ومازال عودتها إلى ذاكرتنا في الأقل لكنها سخرية المؤدلج الواعي من عبثية الواقع والحيوات المُرة لديه على العموم .
أخيرا ؛ وفاء لحرقتنا عليه ولوعينا النازع لمجاراته ؛ ها نحن اليوم .. نُصر مُجددا على أن نُحصي بيادر أوجاعِنا منذ موته الضّافي إلى الآن ، وها نحن نُطلق تسع وخمسون عاما مفتوحة على التمام من على موائدِ رحيلنا عنه ، فبكلِ هذا الوعي النبيل ِ ونيابة عن ستينيته التي لم تُكمِل استدارتها على أجندةِ العمر، مثلما لم يُكمل رغيفُ الجياعِ رفضه بعد متأسيا بوجُه ملهمته أمه حليمة في “إليها بطبيعة الحال” .
أقول لم يكملا معا استدارتهما على شفاهِنا وأسنةِ أقلامِنا وإبصارنا الثكلى منذ مرض محمدٍ ورحيلِنا له ذات مساء.
فمن على حافةِ الصعود الأخير لمحمد بقيّ مُصرا على الوفاء لأبجديته الحُبلى على الدوام تماما كسيزيفٍ لمرحلتِنا الرخوة هذه ،ومُصّرا على أن يصنعَ لنا خبزا وأملا ، حرية ً وإبداع ؛وجميُعها مجبُولة بماء الضدِ من صدأِ النفوس والنصوص معا . لذا تحرك كمثقف عمالي وككاتب نيابة ًعنا نحن المُستغلون في مصانع الساسة والحياة ؛ تحرك مُشهرا إيمانه المطلق بضرورة سترِ عورة أحبارنا وأفواهنا واخبازنا ولدرء المفاسد عن مجمل أخبارنِا وحروبنا المضحكة وعن بعض أفكارنا الإقليمية أو الجَهوية المُسكرة لنا إلى الآن ..
الموجوعون جميعا..أو لم أقل لكم أو معكم من قبلُ أن محمداً شاهدُ العيان الوحيدِ علينا هذا المساء فلنخف دمعنا ولو للحظات قبل أن نلتقيه موسميا مودعينه بعد الرحيل كعادتنا مع كل الأخيار والمبدعين القلائل في امتنا النعسى ؟؟؟.
________
________
* شهادة الكاتب الابداعية بمناسبة صدور كتاب الراحل محمد طمليه “شاهد عيان” القيت في محافظة الكرك-الاردن/قريةابو ترابة مسقط رأس الكاتب الساخر بجديته .